في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأحد 23 حزيران 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الخامس بعد عيد العنصرة، وذلك في رعية مار يوسف السريانية الكاثوليكية في مدينة تور Tours – فرنسا.
عاون غبطتَه أصحابُ السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب نبيل ياكو كاهن الرعية. وخدم القداس الشمامسة وأعضاء الجوق، بحضور ومشاركة جمع غفير من المؤمنين في مدينة تور، والذين حضروا بشوق ولهفة لنيل بركة غبطته والمشاركة في هذه المناسبة الروحية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بشكر “كاهن الرعية الأب نبيل ياكو على كلمات الترحيب اللطيفة النابعة من قلبك، فليقوِّكَ الرب ويرافقك في خدمتك لأبنائنا في رعية مار يوسف في مدينة تور وضواحيها. ونودّ بدايةً أن نعرب عن اعتزازنا، مع إخوتنا أصحاب السيادة، أن نرى الشباب والأطفال يأتون كي يشاركوا في القداس اليوم مع أهلهم. ونؤكّد لهم أنّنا نفتخر أن نكون أتباع الرب يسوع وأحبّاءه، هو الذي يحبّنا ويرافقنا في حياتنا، سواء في البيت أو في المدرسة أو في الجامعة، أينما كنّا، فيسوع معنا على الدوام، بحسب وعده لتلاميذه”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “فرحتنا كبيرة كلّما نأتي لنزوركم، فالأب يفرح بزيارة أولاده وتفقُّد أحوالهم، لا سيّما في بلاد الانتشار. ونحن نعلم ما حدث لكم بأكثريتكم منذ أكثر من عشر سنوات في هذا التهجير الذي جاء بكم إلى هذا البلد المضياف فرنسا. فالمعاناة والانسلاخ عن أرض الآباء والأجداد محنة كبيرة، ولكنّنا نثق أنّ الرب معنا، ليس بالكلام فقط، إنّما كما يقول مار بولس، ثقتنا بالرب يسوع ليست بترداد الكلام فقط، بل بقوّة العمل، وبحياة مسيحية حقيقية نعيشها رغم كلّ الصعبوبات والتحدّيات. وإنّ زيارة البطريرك ثلاث مرّات لرعيتكم هي دليل على أنّ البطريرك يحبّكم ويثق أنّكم ستبقون الرعية النابضة بالمحبّة، والرعية المؤمنة، رغم كلّ التحدّيات”.
ولفت غبطته إلى أنّكم “أُرغِمتم واضطُرِرتم على الهجرة من بلاد كان فيها نوع من الضيق والتعسُّف بحقّنا نحن كأقلّية بين أكثرية لا تدين بإيماننا، لكنّنا نعرف جيّداً أنّ هذا البلاد استقبلكم بترحاب، حيث الكثير من العائلات الكاثوليكية قدّمت لكم المساعدات واحتضنَتْكم كي تبدأوا حياةً جديدةً هنا، في هذا البلد الذي أعطاكم الكرامة الإنسانية والحرّية الدينية. ومع هذا العطاء، هناك أيضاً صعوبات، بشكل خاص للعائلة، وللأهل المسؤولين عن تربية أولادهم، فنجد أنّ هناك إيديولوجيات مختلفة تريد أن تفرض على الأهل أن يتخلّوا عن تربية أولادهم التربية المسيحية الصالحة، باسم التوعية والعلم. لذلك، أنتم إزاء تحدّيات كثيرة، وهنا نودّ أن نذكّر الشبّان والشابّات الذين يستعدّون للحياة العائلية: نعرف أنّ هناك صعوبات، لكنّ الذي يثق بالرب لا يخزى”.
وأكّد غبطته على أنّ “إنجيل اليوم يعلّمنا أنّ على الأول بينكم أن يكون آخر الكلّ وخادماً للكلّ، وهنا نشدّد على أنّه بالتآلف والمحبّة والصدق في العلاقات بين بعضنا البعض، وبالوداعة والتواضع، نستطيع أن نبني رعيتنا، ونكون شهوداً للرب يسوع في المجتمع الذي نحن فيه، أي المجتمع الفرنسي في مدينة تور. نحن نفتخر أن نكون شهوداً للرب يسوع، سواء في حياتنا الشخصية أو في عائلاتنا، ويذكّرنا الرب أنّ المحبّة والتواضع وتفهُّم الآخر فضائل هامّة جداً كي نستطيع أن نشهد للرب يسوع، مخلّصاً لنا ومعلّماً سماوياً يعلّمنا ويقودنا في دربنا نحو الاتّحاد به”.
وهنّأ غبطته “كاهن هذه الرعية أبونا نبيل، وأهنّئكم أنتم، أبناء هذه الرعية وبناتها، على وجودكم في هذه الرعية، ونوصيكم ألا تنسوا أنّه، إذا كنتم هنا، والأوضاع تتحسّن شيئاً فشيئاً، فذلك لأنّ الرب أعطاكم الكثير من النِّعَم. ومن واجبكم أيضاً أن تفكّروا بإخوتكم وأخواتكم الذين هم بحاجة كي يعيشوا بكرامتهم، وهم في الضيق، كما تعلمون، في بلادنا في الشرق، خاصّةً في العراق وسوريا ولبنان والأراضي المقدسة، هذه البلاد التي لا تزال تعيش خضّات اجتماعية وسياسية لا تشجِّع، للأسف، الشباب على البقاء في أرض الآباء والأجداد”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع، بشفاعة جميع القديسين، ولا سيّما بشفاعة شهدائنا الأبرار الذين سبقونا إلى حياة السماء، أن يباركَنا جميعاً ويجعلنا الشهود الحقيقيين له في حياتنا”.
وكان الأب نبيل ياكو قد ألقى كلمة من القلب بعنوان “افرحوا بالرب كلّ حين وأقول أيضاً افرحوا”، عبّر خلالها عن “الفرح الكبير لهذه الرعية الفتيّة، كاهناً ومؤمنين، بزيارتكم، يا صاحب الغبطة، للمرّة الثالثة. نفرح ونعتزّ بوجودكم بيننا، فأنتم تجسّدون الراعي الصالح والأب الحقيقي في كلّ عمل تقومون به، نصلّي من أجلكم، ونرحّب بكم دائماً، أدامكم الرب بالصحّة والعافية. وفي زيارتكم الثالثة اليوم، تؤكّدون على حضوركم المستمرّ في هذه الرعية التي تحافظ على جذورها السريانية، كما أنّ حضوركم تأكيد على محبّتكم الأبوية لأبنائكم في بلاد الانتشار الذي يواجهون هم أيضاً تحدّيات كثيرة، لكنّهم ملتفّون حول كنيستهم ورعيتهم”.
وتابع مؤكّداً على أنّ الكلمات لا يمكن أن تعبّر عن شعورنا ومحبّتنا البنوية الخالصة لكم، يا سيدنا. ويطيب لنا أن نشكر أيضاً حضور أصحاب السيادة الذين يرافقونكم في زيارتكم الأبوية هذه. إنّ أولادكم في هذه الرعية يودّون أن يصغوا إلى كلماتكم وتوجيهاتكم، كي يتقوّوا ويتشدّدوا في حياتهم الإيمانية والاجتماعية”.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، التقى المؤمنين في لقاء محبّة جمع الأب بأولاده، وسط جوّ من الفرح الروحي.