نظمت القوة الإيطالية العاملة في إطار قوات الأمم المتحدة في مقرها في شمع-قضاء صور، لقاء روحيا حول الفقر بحضور قائد القطاع الغربي الجنرال إنريكو فونتانا، المتروبوليت جورج إسكندر،مفتي صور ومنطقتها الشيخ حسن عبدالله، المتروبوليت الياس كفوري، المطران سيزار آسيان، المونسيور جيوفاني بيكيري والأب طوني الياس ممثل المطران شربل عبدالله وعدد من الكهنة وضباط اليونيفيل.
“وإذا جاء ابنُ الانسان في مجدِهِ … وتُحشرُ جميعُ الأممِ، حينئذٍ يقولُ للخرافِ عن يمينِهِ: “تعالَوا يا مباركي أبي رِثوا الملكَ المعدَّ لكُم منذُ إنشاءِ العالم، لأني جعتُ فأطعمتموني، وعطشتُ فسقيتموني وكنت عريانًا فآويتموني. فيُجِيُبُه الأبرارُ: يا رب متى رأيناكَ جائعًا أو غريبًا أو عريانًا وقدَّمْنَا لكَ يدَ العون؟ فيجيبُهُم الملكُ: “الحقَّ أقولُ لكُم كُلَّمَا صَنعْتُم شيئًا مِنْ ذلك لواحدٍ مِنْ إخوتي هؤلاءِ الصغار فلي صنعتموه”. (متى 25)
انطلاقًا من هذا النص الذي يَرْبُطُ بينَ الإيمانِ بالله والعلاقةِ معَ الاخر، يمكِنُنَا القولُ مع قداسةِ البابا فرنسيس في رسالتِهِ بمناسبةِ اليومِ العالمي للفقراء سنةَ 2020: “إن الحرية التي أُعطيتْ لنا بموتِ وقيامةِ السيدِ المسيح هي مسؤوليةٌ لكلِّ واحدٍ مِنا لكي يضعَ نفسَهُ في خدمةِ الآخرين، ولا سيما الأشدُّ ضُعفًا”. وهكذا يتبين لنا أن الآخرَ هو جزءٌ لا ينفصلُ عني وأن الصلاةَ للهِ لا تَفْصِلُنَا في أيِّ وقتٍ عن التضامنِ مع الفقراءِ والمتألمينَ الذين يحملونَ صورةَ اللهِ المطبوعةِ في داخلِهِم. وبالتالي لا يمكنُ للوقتِ المُكَرَّسِ لعبادةِ الله والصلاةِ والتأملِ أن يُصبحَ حُجَّةً لنا لكي نُهْمِلَ القريبَ الذي يعيشُ تحتَ وطأةِ الحاجةِ، لأنَّ الصلاةَ تَبْلُغُ هدفَهَا عندما تترافقُ مع العملِ في خدمةِ الآخرين. وهنا يَحْضُرُني قولُ السيدِ المسيح:” إنْ كنتَ تُقَدِّمُ قربانَكَ أمامَ المذبح وتَذكرْتَ أن هناكَ شيئًا لأخيك عليكَ، فدعْ قربانَكَ هناكَ أمامَ المذبح، واذهبْ أولاً إلى أخيكِ ثم عُدْ وقَدِّمْ قُربانَك”. وإذا كان الناسُ على الأرضِ يتوزعونَ بينَ الفقرَ والغنى لأسبابٍ عديدة، منها ما يتعلَّقُ بالإنسانِ نفْسِهِ وقُعودِهِ عن العملِ والجهادِ من أجلِ تأمينِ حاجَتِهِ الشخصية والعائلية أو لأسبابٍ ترتبطُ بطبيعةِ الأنظمةِ السياسيةِ والاجتماعيةِ التي لا تراعي التوازنَ في توزيعِ الثروات، إلا أنه من المؤكد في الإيمان المسيحي أن اللهَ لا يدينُ الناسَ على فَقْرِهِمْ وغناهُم بل على الأعمالِ الصالحةِ التي يقومونَ بها. “أحببْ الربَّ إلهَكَ من كلِّ قلبِكَ وكلِّ قوتِكَ وأحبِبْ قريبَكَ كنفسِكَ”.
وأمَّا الغنى الروحي الذي يتحدثُ عنهُ الكتابُ المقدس، فهو الحالة التي يعيشُ فيها الإنسانُ معتبرًا أنَّ النعمَ التي أفاضَ بِها الله عليهِ ليستْ مُلْكَهُ وحدَهُ، وأنَّ الأموالَ والثرواتِ التي بين يديه هي وسيلةٌ لكي يتواضعَ أمامَ الله وأمامَ أخيه الذي يعيش إلى جانبه وليستْ سببًا للغرورِ والتكبُّرِ وازدراءِ الضعفاء.
إذا نظرنا اليومَ إلى واقعِ الحياة في مجتمعاتِنا، نَرَاهَا أحيانًا كثيرةً لا تنسجمُ مع هذه المفاهيم الروحية، حيثُ تسودُ شريعةُ اللاعدالةِ الاجتماعية بسببِ فسادِ الأشخاصِ والأنظمةِ المتهافتةِ على جَمْعِ الثرواتِ وتكديسِهَا بروحِ الجَشَعِ والأنانيةِ وعدمِ الاكتراثِ إلى الطبقةِ الفقيرة التي تتألمُ من الحرمان والفاقةِ وعدمِ القدرة على تلبيةِ الحاجاتِ الأساسية من الغذاءِ والدواءِ وإيجادِ فُرَصِ العملِ. وهذا الأمرُ يؤدي إلى وجودِ طبقتينِ مِنَ الأغنياء والفقراء، وهو ما تحدَّث عنه الإنجيل في مثلِ الغني الذي عاشَ في التُخْمَةِ، ولعازرَ المسكين الذي كان يشتهي أنْ يأكلَ من الفتاتِ الذي يسقطُ تحت المائدة، وقد حازَ لعازرُ الفقيرُ على الحياةِ مع اللهِ في الفردوسِ الأبوي”. لوقا 16
وفي ظِلِّ الظروفِ الأمنيةِ والاقتصاديةِ التي نَعيشُها في لبنان، علينا أن نَتذكَّر دائمًا كلماتِ البابا يوحنا الثالثِ والعشرين:” كلُّ إنسانٍ لهُ الحقُّ في الحياةِ وفي السلامةِ الجسديةِ ووسائلِ الحياةِ الأساسية للعيشِ في مستوى من الحياةِ الكريمة على صعيدِ المأكلِ والمَلْبَسِ والمَسْكِنِ والرعايةِ الطبيةِ والخدماتِ الاجتماعية”.
كمْ نحنُ بِحاجةٍ كي نعملَ لتُصبِحَ هذه الكلماتُ حقيقةً وأنْ لا نكتفي بالدعاءِ والصلاة إلى الله بانتظارِ أن يَنْزِلَ عَلَيْنَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ فَوْقٍ وَمِن لَدُنِ اللَّهِ، بَلْ مِنْ خِلالِ التَّضَامُنِ والتآزرِ بَيْنَ المُؤَسَّساتِ العامةِ وَالخاصِةِ والأفرادِ ذوي الإراداتِ الحسنة، لَوَضْعِ اَلْبَرامِجِ التنمويةِ والاجتماعيةِ خَدَمَهً لِلْفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ حَتَّى يَكونَ الإنسانُ عَلَى صوَرةِ اللَّهِ اَلَّذِي خَلَقَهُ وَأحْبَهُ وَدَعَاه لِكَيْ يَكونَ وَريثًا لِلْمَلَكُوتِ السَّماويِّ.