في أعقاب صدور البراءة البابوية Spes non confundit أي “الرجاء لا يخيّب” بشأن يوبيل العام ٢٠٢٥، أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع عميد الدائرة الفاتيكانية للكرازة بالإنجيل المطران رينو فيزيكيلا الذي شاء أن يسلط الضوء على دعوة البابا فرنسيس لإضاءة نور الرجاء في عالم مطبوع بالحروب واليأس وتحديات تفرضها التكنولوجيات الحديثة وقال إنه إزاء هذا الكم الهائل من الشر والموت علينا أن نبشر بالحياة والرجاء ونشهد لهما.
استهل سيادته حديثه لموقعنا الإلكتروني لافتا إلى أن اليوبيل ما يزال يحافظ على طابعه الذي ميّزه على مر القرون، وقد طرأت تعديلات طفيفة على تاريخ اليوبيل. وأشار إلى أن يوبيل البابا بونيفاسيوس الثامن شكل بداية ما يُعرف بـ”الغفران الكبير”، مع أن عبارة الغفران موجودة منذ البدء وهي مرادف للرحمة والمغفرة. واعتبر سيادته أن هذه هي الخبرة التي ينبغي أن تعيشها الكنيسة خلال يوبيل العام ٢٠٢٥، أي خبرة المغفرة والرحمة. وأوضح أننا نعيش اليوم ضمن ثقافة تتحدث قليلاً عن المغفرة وتشهد تنامياً للحقد والضغينة وأحداثاً من العنف، وتشهد أيضا انغلاقاً على الذات، وهنا يمكن أن نجد في اليوبيل فرصةَ أن نسير باندفاع كبير في درب المغفرة.
هذا ثم شدد المطران فيزيكيلا على أن المغفرة هي التزام ملموس للمحبة المسيحية، وحذر من مغبة أن ننسى أن المغفرة هي في الواقع ثمرة المحبة، وأن هاتين العبارتين مرتبطتان مع بعضهما البعض بشكل وثيق، لأن من يحب يغفر، ومن لا يحب لا يستطيع أن يغفر، ومن لا يغفر لا يستطيع أن يُحب. وهذا الأمر يكتسب أهمية كبرى في السياق الذي نعيش فيه اليوم والمطبوع بالعنف، ودعا إلى عدم نسيان الكثير من الحروب الدائرة اليوم في العالم فضلا عن أحداث العنف التي باتت جزءا من الحياة اليومية لاسيما بالنسبة لسكان المدن الكبرى. وأكد أن هذا الواقع يتطلب منا التزاماً في منح أمل الحصول على المغفرة.
بعدها عاد سيادته ليؤكد أن عالمنا اليوم هو بأمس الحاجة إلى هذا الرجاء، موضحا أن العظات تتناول دائماً الإيمان والمحبة، لكن غالباً ما يغيب عنها موضوع الرجاء، مع أن الرجاء بات حاجة ملحة لعالم اليوم، ويعني الأشخاص من مختلف الفئات العمرية، كالأطفال والمراهقين والشبان والبالغين والمسنين، فالرجاء يرافق الإنسان في كل مراحل حياته. ومن هذا المنطلق يأتي يوبيل العام ٢٠٢٥ ليذكر الجميع بأهمية الرجاء، خصوصا وأن إعلان الرجاء هو إعلان قيامة الرب يسوع من بين الأموات، ويجب ألا ننسى أن المسيح هو رجاؤنا، كما يقول القديس بولس الرسول.
في سياق حديثه عن البراءة البابوية لفت المطران فيزيكيلا إلى أن البابا فرنسيس يستخدم في الوثيقة عبارات قوية ويخاطب من خلالها المسؤولين عن الحكومات كي يعملوا على تطبيق أشكال من العفو ويدعو إلى إعفاء البلدان الفقيرة من الديون التي يتوجب تسديدها للمؤسسات الدولية. وأضاف أن البابا يدعو أيضا إلى إيلاء اهتمام خاص لأولئك الذين يموتون من الجوع بينما تُنفق الموارد المالية المتوفرة لتمويل عنف الحروب وأضاف أن ثمة العديد من النداءات التي أطلقها البابا فرنسيس والتي تقترن أيضا بالالتزام الملموس للمسيحيين الأفراد، لأن البابا يطلب منا ألا ننسى أن جميع الذين يعملون من أجل السلام ينتمون إلى ملكوت الله.
تابع عميد الدائرة الفاتيكانية للكرازة بالإنجيل حديثه لموقعنا الإلكتروني متوقفا عند معنى الحج وقال إن الحج هو أحد العلامات التي تنتمي إلى حياة الكنيسة، لكنه أيضا أيقونة حياة كل شخص، مؤمنا كان أم غير مؤمن. وأضاف أن الحاج يضع أمامه هدفا، ويدرك ضرورة أن يكون للحياة معنى ما ولذا تصبح الحياة جحا. ولفت في هذا السياق إلى أن الحج يعني بنوع خاص عالم الشباب، المتحمس للانطلاق على الطريق. وأضاف أن منظمي اليوبيل يتوقعون أن تستقبل روما حوالي مائة ألف حاج سيأتون سيراً على الأقدام من بلدان مختلفة وهؤلاء يظهرون معنى كلمة حاج، أي الشخص الذي يعبر الحقول والحدود، لأن الحدود يتغلب عليها الشعور بوحدة الجنس البشري بأسره وبالأخوة التي يجب أن توحدنا جميعا.
رداً على سؤال بشأن مفهوم الصبر، الذي تطرق إليه البابا في الوثيقة، قال المطران فيزيكيلا إن البابا كتب أنه في عصر الإنترنت، اختفى الصبر تماما من حياتنا. نريد كل شيء والآن وهذه هي الثقافة الرقمية الجديدة بجوانبها السلبية. الصبر الذي يشير إليه البابا هو محتوى بيبلي عميق، والصبر لا يعني الألم أو التحمل، إذ إن الصبر البيبلي يعني امتلاك الشجاعة لمواجهة المواقف وامتلاك القدرة على معرفة كيفية الانتظار. وأضاف سيادته أن الرجاء يتحدث عن الانتظار، وبالتالي الانتظار يتطلب أيضا من كل واحد منا ذلك الشعور بالصبر، وهو المثابرة التي نتمسك بها مع مرور الوقت، محافظين على يقين الرجاء الذي أعطي لنا.
في الختام ذكّر سيادته بأن جميع المسيحيين سيحتفلون بعيد الفصح معا العام المقبل، وهذا ما تطرق إليه البابا فرنسيس في الوثيقة، لافتا إلى أن هذا العيد سيشكل فرصة لتخطي خلافات الماضي ولبذل جهد مشترك من أجل التوصل إلى الاحتفال بعيد الفصح في اليوم نفسه.