مقابلة مع الكاردينال بيتسابالا بطريرك القدس للاتين

الأوضاع المأساوية في الأرض المقدسة، الحاجة إلى الإصغاء وأهمية الحوار بين الأديان وضرورة إطلاق مسيرة من الأسفل من أجل بلوغ السلام. هذا ما تحدث عنه بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا في مقابلة أجراها معه موقع فاتيكان نيوز.
أجرى موقع فاتيكان نيوز مقابلة مع بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا تمحورت حول الأوضاع المأساوية في الأرض المقدسة والحرب في غزة التي وبعد ٢٠٠ يوم لا تبدو لها حلول حتى الآن حسبما ذكر غبطته. وعادت المقابلة إلى حديث سابق لغبطة البطريرك إلى موقع فاتيكان نيوز ثلاثين يوما بعد اندلاع الحرب كان قد أعرب غبطته خلاله عن حزنه لما يحدث، وفي إجابته على سؤال عما تَغير منذ تلك المقابلة السابقة قال الكاردينال إن عدم اليقين يتواصل إلا أن ما تَغير مقارنةً بالتشاؤم الذي عكسته المقابلة السابقة هو عثورنا مجددا على بوصلة توجهنا والرغبة في عدم الاستسلام وفي مقاومة المأساة التي تستمر أمام أعيننا بل وتمس الكثير من الأشخاص. وتابع غبطة البطريرك مؤكدا أن الأزمة الحالية هي الاختبار الأصعب الذي علينا مواجهته حيث لا يُعرف كم من الوقت يمكن ان تستمر هذه الحرب ولا ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك، ولكن الشيء الأكيد أن لا شيء سيظل كما كان عليه، قال غبطته، مضيفا أنه لا يعني السياسة بل أننا جميعا سنتغير بسبب هذه الحرب. وعلى سؤال إن كان يشعر أنه قد تغير أجاب الكاردينال بيتسابالا بالإيجاب مضيفا أنه يلمس اليوم بشكل أكبر ضرورة الإصغاء والذي هو ضروري كي يقوم الراعي بواجبه الأساسي، أي قراءة الأزمنة في نور الإنجيل. وشدد غبطته على حاجة الجميع إلى الإصغاء والفهم والتعزية ووصف الإصغاء اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأول أشكال المحبة.
ومن الاحتياجات الهامة الأخرى التي تحدث عنها بطريرك القدس للاتين الحوار بين الأديان، وقال في هذا السياق إنه ليس من الضروري إلقاء خطابات بل يكفي تناول وجبة طعام معا لكسر الحواجز التي تفصل بيننا، فبإمكان عشاء مشترك أن يفعل أكثر بكثير من مؤتمر أو وثيقة حول الحوار بين الأديان. وتابع غبطة البطريرك مشيرا إلى أهمية فهم ما هو مشترك بيننا وما يفرِّق بيننا، وأضاف أننا نشترك في الألم بدون شك إلا أنه لا يمكننا التوقف عند الألم. وأشار هنا إلى أن الشيء الأكثر ألما هو عدم وجود آفاق، وقال إن هذا لا يعني افتراض سيناريوهات مستقبلية مجردة بل التعرف على العناصر المشيِّدة في هوياتنا وكيف يمكن لهذه الهويات أن تتعايش. وتابع الكاردينال بيتسابالا أن هذا ينطبق على الجميع وعلينا نحن أيضا كمسيحيين، فعلينا نحن أيضا التفكير في كيفية سكن هذه الأرض كمسيحيين، كشهود لتاريخ وجغرافيا الخلاص، ولكن هناك شيء آخر يجب فهمه وذلك لأن كوننا مسيحيين يعني في المقام الأول أسلوب حياة يشكله الإنجيل. وأضاف غبطته أن هذا ليس بالأمر السهل وذلك لأنه ليس باليسير جعل كل شخص يتعرف على ألم الآخر وألا يعتبر ألمه أكبر من آلام الآخرين. وواصل بطريرك القدس للاتين مشيرا إلى أنه ليس هناك بديل عن هذا، وذكَّر في هذا السياق بأن هناك في هذه الأرض مَن تحلّى بشجاعة أكبر واختار الطريق السياسي لبلوغ السلام إلا أن هذه كلها كانت محاولات تتم من الأعلى وقد فشلت جميعها، وبالتالي فهذه هي لحظة عكس المسار وإطلاق مسيرة تبدأ من الأسفل متوجهة إلى الأعلى، قال غبطته، وكرر أن هذا صعب لكنه لا يرى عن ذلك بديلا.
وفي إجابته على سؤال حول تأثير هذا النزاع على الغرب قال الكاردينال بيتسابالا إنه غالبا ما تكون هناك خارج الأرض المقدسة قراءة استقطابية لهذا النزاع، وهو أمر ضار من جهة وغير صحيح أيضا لأن أسباب هذا النزاع مركبة جدا وقد تشكلت عبر عقود من الزمن. وأكد غبطته خطأ التعامل مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني كمباراة كرة قدم بين فريقين، وأضاف أنه في الغرب أيضا هناك حاجة إلى الحديث والنقاش والوعي حول هذه القضية، هذا إلى جانب ضرورة الصلاة بلا كلل من أجل السلام.
وفي ختام المقابلة تم التطرق إلى مسيحيي الأرض المقدسة حيث شدد بطريرك القدس للاتين على ضرورة أن يكونوا اليوم بناة علاقات. كما وتم التذكير من جهة أخرى بنداءات البابا فرنسيس العديدة والمتكررة والتي لها ثقل كبير، قال الكاردينال بيتسابالا، مضيفا أن نداءات الأب الأقدس من أجل إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار قد دخلت تاريخ هذه الحرب، كما وذكَّر غبطته بأنه وإن كان كثيرون يطالبون اليوم بوقف إطلاق النار فإن البابا فرنسيس كان الصوت الوحيد والشجاع الذي يطالب بهذا في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي. هذا وتحدث الكاردينال بيتسابالا عن أهمية قرب البابا فرنسيس عبر اتصالاته المتواصلة مع الجماعة المسيحية في غزة وعما يعنيه هذا القرب من عزاء للجميع خارج غزة أيضا.