اخبار البطريركية
إفتتح غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو صباح الجمعة 5 نيسان 2024 في منطقة الدواسة بالموصل كنيسة ومدرسة اُم المعونة الدائمة التي كانت قد دُمِّرت من قبل عناصر الدولة الاسلامية (داعش) أثناء إجتياحهم لمدينة الموصل وإجبار مسيحييها على النزوح في حزيران 2014.
حضر الافتتاح جمع غفير من وجهاء مدينة الموصل والمناطق المجاورة من مسيحيين ومسلمين وإيزيدية وصابئة وكل مكونات النسيج العراقي الجميل، فضلاً عن الضيوف الأجانب (فرنسيين وإيطاليين، بينهم فنانين متخصصين) ومن بينهم أيضاً من كرَّسوا ثمن إرثهم لترميم الكنيسة والمدرسة. كل الشكر والمحبة للأسخياء الذين تبرعوا وساهموا في إعادة الحياة الى هذا المركز الروحي والثقافي، وقد تم تكريمهم خلال الاحتفال بهدايا رمزية.
كما حضر الاحتفال وقداس تكريس المذبح عدد من السادة الأساقفة الأجلاء (المطران نيقوديمس داود شرف من كنيسة السريان الارثوذكس، المطران توما ميرم رئيس أساقفة إيران الأسبق، المطران عماد خوشابة رئيس أساقفة طهران الحالي، والمطران ميخائيل نجيب ميخائيل رئيس أساقفة الموصل وعقرة)، والعديد من الكهنة والراهبات والمكرسين، كما تميز الاحتفال بحضور معظم الكادر التدريسي الذي كان يعمل في هذه المدرسة.
في بداية الاحتفال، رحَّبَ سيادة المطران ميخائيل بالحضور الكرام وعلى رأسهم غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو الكلّي الطوبى، وأشاد بجهود كل الذين ساهموا في هذا الانجاز العظيم مؤكداً ان تبرعات المؤمنين التي أثمرت ببناء المؤسسات الوقفية هي أمانة في عنق الكنيسة ولابد أن تحافظ عليها باي ثمن.
ثم خُتم الاحتفال بالقداس الالهى الذي ترأسه غبطة البطريرك ساكو وعاونه السادة الاساقفة والكهنة والشمامسة برفقة الكورال. فيما يأتي نص موعظة غبطته:
سيادة المطران ميخائيل نجيب
السادة الاساقفة الأجِلاء
السيد رئيس مجلس محافظة نينوى
السادة المسؤولين
ايتها السيدات ايها السادة،
إنها لَفرحة روحية وثقافية أن نحتفل بافتتاح هذه الكنيسة والمدرسة هذا الصرح التربوي الكبير. يحزُّ في نفسي عدم مشاركة السيد المحافظ، حضوره كان يشجع المسيحيين على العودة الى مدينتهم، لكن يبدو ان الامر لا يهمه!!
أصالة عن نفسي ونيابة عن كافة المسيحيين والمسلمين المشاركين في هذا الحدث الذي قد يعطي الأمل بمستقبل آمن، خصوصاً وان حجر الاساس لهذه الكنيسة وضع عام 1944 وهذا العام هو يوبيلها الخامس والسبعون اما المدرسة فافتتحت عام 1946.
أشكر سيادة المطران نجيب وكل الجمعيات والمهندسين والعاملين على ترميم هذا الصرح الروحي والثقافي بهذا الشكل الجميل، بالرغم من الظروف الصعبة.. كما اُشيد بالتعاون المثمر بين الكنيسة والجمعيات الخيرية خصوصاً الفرنسية على ترميم هذه الكنيسة والمدرسة.
هذا إنجاز مميَّز قد يشجع المسيحيين على العودة الى مدينتهم العزيزة، يقيناً أنه سيسهم في بناء الثقة وتعزيز العيش المشترك المتناغم والحفاظ على النسيج الموصلّي المتعدد الجميل.
قمتُ بإدارة هذه الكنيسة ورعاية هذه المدرسة مدة خمسة عشر عاماً وكنا نشعر اننا عائلة واحدة في الكنيسة والمدرسة مسيحيين ومسلمين بانسجام كامل، فتحتُ فيها منتدى لاهوتي مرة في الشهر لدراسة مواضيع دينية مشتركة بين الديانتين.
لقد ساهم المسيحيون بمدارسهم ونحن الكلدان كانت لنا أربع مدارس فضلاً عن الكنائس الاخرى. لذا لا يمكن تجاهل الدور الريادي للمسيحيين في بناء حضارة هذه المحافظة وثقافتها وتقدمها كالاطباء واساتذة الجامعة والادباء والفنانيين والبنّائين الذين كانوا يبنون الكنائس والجوامع تبرعاً.
نؤكد هنا على ضرورة حماية هذا الحضور المسيحي في المدينة وبلدات سهل نينوى وحماية تراثهم وتقاليدهم الدينية الذي غدا “حلقة ضعيفة”: بسبب تهديد عناصر القاعدة وداعش والترهيب والابتزاز حيث قتل رجال دين بارزين مثل المطران بولس فرج رحو عام 2008 وهُجِّر مسيحييون آخرون.
اليوم لا يزال المسيحيون في دائرة الخطر ويعانون من سلب الحقوق والتهميش ونزيف الهجرة.
ظروف صعبة تهدد وجودهم خصوصاً عند عدم وجود النوايا للحل والانصاف لدى الحكومة الحالية وازدواجية الخطاب. أذكر كيف ان رئيس الجمهورية الذي زارني قبل ان يُنتخب رئيساً وترجّاني الدعم، ثم بعد ذلك زرته مرتين وجدّد طلبه بالدعم وعِوَض الوفاء قام بسحب المرسوم الجمهوري (147) مني من دون مسوّغ قانوني، ثم من بقية أساقفة الكنائس. هذا الاستهداف ترك مسحة من القلق والحزن على المسيحيين.
نتطلع بأمل الى قيام نظام سياسي وطني يخدم البلاد والمواطنين، والى ان تتخذ الحكومة الحاليّة خطوات عملية لبناء دولة المواطنة، دولة القانون والعدالة والمساواة، وليس دولة تقوم على الطائفية والمحاصصة والمكونات… دولة تحرص على تحقيق السلام والاستقرار والثقة والمساواة والعدالة. هذا الحل يتطلب أولاً حكومة قوية متماسكة ووحدة وطنية تكون مصدر القوة في مواجهة التحديات الكثيرة في مكافحة الفساد ومنع السلاح المنفلت والميليشيات خارج القانون، وتفكيك الفكر المتطرف وإيجاد حلول مناسبة.
بارككم الرب القدير وبارك هذه المدينة العريقة وحماها من أي مكروه.