ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “في البداية نعايد إخوتنا الذين يتبعون التقويم الغربي بعيد قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من بين الأموات، ونتمنى لهم ولبلدنا لبنان قيامة مجيدة وأياما سلامية تحمل لنا جميعا الخير والبركة. هنا لا بد من طمأنة المتذمرين من الفارق الزمني بين العيدين ونؤكد لهم أننا كنا نتمنى أن نحتفل معا بعيد الأعياد وموسم المواسم، لكن الفارق يعود إلى التقويم الذي تتبعه كل من الكنيستين، علما أننا جميعا نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم، وأن ربنا يسوع المسيح قد تجسد ثم صلب ومات وقام من أجل خلاصنا”.
أضاف: “سمعنا المقطع الإنجيلي الذي يتحدث عن المخلع الذي استحق، بسبب إيمانه وإيمان الذين كانوا يحملونه، أن ينال شفاء النفس والجسد. لقد جاء المسيح ليخلص الإنسان من الخطيئة التي هي الموت الروحي، وما ينتج عنها من موت جسدي. نحن نعلم أن للإنسان جسدا، ونفسا. عندما خالف وصية خالقه، دخل الفساد والموت على هذين المكونين اللذين لا ينفصلان إلا عند الموت. عندما رأى الرب يسوع إيمان حامليه قال للمخلع: «يا بني مغفورة لك خطاياك». غفران الخطايا، الذي هو من مهام الله وحده، أثار مسألة هوية الرب يسوع، فتساءل الكتبة: «ما بال هذا يتكلم هكذا بالتجديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟». مغفرة الخطايا لا تتحقق فعلا إن لم يسامح من ارتكبت بحقه الخطايا مسامحة تامة. الإنسان يخطئ أولا إلى الله الذي خلقه، والذي وضع له الوصايا ليحفظها. مخالفة الوصايا هي خطيئة بحق من وضعها، كما يقول النبي داود: «إليك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت» (مز٥٠: ٤). عندما يمارس المؤمن سر التوبة والاعتراف، يطلب الكاهن إلى الله أن يغفر خطايا المعترف قائلا: «ربنا وإلهنا يسوع المسيح، بنعمة ورأفات محبته للبشر، ليصفح لك…». يستطيع الإنسان أن يغفر لأخيه إساءة، لكن مغفرة الخطايا والحل منها هما من عمل الله وحده، وإذا كان المسيح يغفر الخطايا، فهو إله حق، الأمر الذي اعترفت به الشياطين، ليس بدافع المحبة، بل بدافع الخوف، إذ قالت: «ما لنا ولك يا يسوع الناصري، أتيت لتهلكنا. أنا أعرفك من أنت قدوس الله» (مر ١: ٢٤).”
وتابع: “أظهر الرب يسوع ألوهيته عبر غفرانه الخطايا، وهذا أمر لم يقبله الكتبة. لكن ابن الله، بما أنه إله، لم يقتصر عمله على غفران الخطايا، بل أظهر قدرة أخرى من خصائص الله، هي سلطان كشف أسرار القلب. نسمع في الإنجيل أن يسوع «علم بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم فقال لهم: لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم؟» (مر ٢: ٨). الله هو فاحص القلوب والكلى (مز 7: 9)، ومعرفة أفكار الإنسان هي إحدى صفات الرب يسوع، وقد بانت عدة مرات خلال حياته على الأرض، إذ كان يعرف أفكار تلاميذه (لو ٩: ٤٧). مغفرة الخطايا ليست أمرا منظورا، وقد يشك فيها البعض كما فعل الكتبة، أما شفاء المخلع فهو أمر لا يحتمل التشكيك. الهدف من الشفاء ليس تباهي الرب بقدرته، بل إرشاد الناس إلى الحق. الرب يسوع هو ابن الله، وهو الذي يخلص الإنسان من خطاياه ومن أمراضه والموت، وهو القائل: «تعرفون الحق والحق يحرركم» (يو ٨: ٣٢). معرفة الحق هي معرفة الرب يسوع معرفة شخصية، لأنه هو الحق كما قال: «أنا الطريق والحق والحياة» (يو ١٤: ٦).”
وقال: “ما يميز الرب يسوع أيضا هو السلطان الذي يملكه. كان يعلم ويشفي، ويطرد الأرواح، ويجترح العجائب، ويهدئ البحر، ويسن الشرائع دون الرجوع إلى أحد. القديسون قد يجترحون العجائب، إنما بنعمة الله وبعد صلوات وتضرعات، أما الرب يسوع، فكونه الله بذاته، كان يعمل ويتكلم بسلطانه الذاتي (مت ٥: ٢١ و٢٢). لقد اهتم الرب يسوع بالإنسان بكليته، لذلك نراه يشفي الروح من أخطائها والجسد من أمراضه على حد سواء. بعد شفاء المخلع من الشلل الداخلي والخارجي، طلب الرب يسوع منه أن يحمل سريره ويذهب إلى بيته، لكي يصبح ما كان برهان المرض شهادة للتعافي. أصبح فراش الألم علامة للشفاء وأصبح ثقله مقياسا للقوة التي أعيدت للمخلع”.
أضاف: “بلدنا مريض، مخلع، ليس بسبب خطاياه بل بسبب خطايا حكامه وقادته وزعمائه وأحزابه وقبائله. هو مخلع وليس له من يحمله إلى الشفاء. ليس له من يؤمن به وبإمكانية شفائه. سنوات مرت على بداية الإنحدار، وها نحن أصبحنا في القعر، وتصنيفنا بين الأكثر بؤسا، والأكثر فشلا في معالجة مشاكلهم أو مواجهتها لأن لا تخطيط لدينا ولا رؤية واضحة ولا حتى نية أو إرادة. مخلع الإنجيل آمن بالرب يسوع، والأربعة الذين حملوه إلى الرب تحلوا، إلى جانب الإيمان، بالتصميم على الوصول إلى الرب. أين التصميم عند قادة هذا البلد؟ أين الإرادة الطيبة والمثابرة ووضوح الرؤية؟ أين الحكمة في معالجة الأمور من أجل تخطي المشاكل؟ عندما يكون مصير الوطن في خطر من واجب ذوي النفوذ أن يخرجوا من مصالحهم وانتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم إلى كنف الوطن، ويرسخوا أسس الدولة، ويحصنوا مؤسساتها، ويحموا حدودها، ويفرضوا قوانينها على الجميع. ماذا يحصل عندنا؟ الجميع يستغل الدولة ومؤسساتها، ويتخطى قوانينها، ويتجاهل أحكام دستورها، والبعض يستبيح حدودها وإرادة شعبها، ويخدم مصالحه منتقصا من سلطة الدولة ومن سيادتها، ومعطلا انتخاب رئيس لها. وما تبقى من الدولة غائب عاجز ومربك”.
وختم: “نسأل الله في هذا الصوم المقدس، أن يبارك جهود كل العاملين من أجل خير لبنان والمبتغين خلاصه، وجهاد جميع المؤمنين، وأن يؤهلنا نحن المخلعين بالخطايا للحصول على شفاء النفس والجسد، بعد أن تعرفنا على الرب يسوع وأدركنا كثرة ضعفاتنا وعظم اقتداره على شفائنا. إن الرب يسوع هو المخلص الوحيد الذي، إذا اتجهنا إليه، يستطيع أن يقيمنا من سقطاتنا. فالجأوا إليه، لا إلى أراكنة هذا العالم، حتى تجدوا الشفاء والخلاص”.