“على الإرتداد الفردي أن يكون مصحوبًا بارتداد جماعي، من خلال تحقيق حوار على المستوى المحلي والدولي، يعزز التنمية البشرية الحقيقية المتكاملة والمستدامة ويعزز التربية على إيكولوجيا متكاملة، قادرة على التحلّي بنظرة جديدة وعلى تقييم القوة الدافعة للجمال والحب” هذا ما قاله أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان في رسالة الفيديو التي وجّهها إلى المشاركين في النسخة الثالثة لـ “سينما من أجل الخليقة”
بمناسبة النسخة الثالثة لـ “سينما من أجل الخليقة” التي تنظمها جماعة “كُن مُسبّحًا” تحت عنوان “لنغتذي بالجمال والحب – الطاقة لإنقاذ العالم” وجّه أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين رسالة إلى المشاركين قال فيها إنَّ العنوان مهم جدًّا، وهو ذات آنية خاصة في السياق التاريخي المقلق الذي نحن منغمسون فيه، والذي يتميز بالصراعات والأنانية واللامبالاة وعدم القدرة على الاصغاء للآخرين، ورؤية الفرص العظيمة التي تنفتح أمامنا بمجرد الفعل البسيط للتعاون معًا والتفاعل باحترام متبادل ومع الوعي بأن جميع الأمور مترابطة ببعضها البعض، كما أكد البابا فرانسيس مرارًا وتكرارًا.
تابع الكاردينال بييترو بارولين يقول يقودنا هذا الترابط العميق إلى الوعي التدريجي بأننا جزء من عائلة بشرية واحدة مترابطة: إن قرارات وسلوكيات أحد أفراد هذه العائلة لها عواقب عميقة على الآخرين. لا توجد حدود ولا جدران سياسية يمكن للمرء أن يختبئ داخلها؛ لا يوجد فسحة لعولمة اللامبالاة، ولاقتصاد الإقصاء، ولثقافة الإقصاء التي غالبًا ما يدينها البابا فرنسيس. وعي يتطلب “تحولا” في السياسات الدولية، وكذلك في سلوكنا اليومي، ويهدف في كلتا الحالتين إلى تعزيز تغيير في نماذج الإنتاج والاستهلاك، في أنماط الحياة، يكون مطبوعًا بعناية متنبّهة لبيتنا المشترك؛ وحيث من الجيد أن نتذكر أنه عندما نتحدث عن “البيت المشترك” لا يجب أن نفكر فقط في البيئة التي نتفاعل فيها، وإنما أيضًا في الذين يقيمون في هذا البيت وسيعيشون فيه في المستقبل. وبالتالي، تمتد هذه العناية ببيتنا المشترك إلى مسؤولياتنا أيضًا تجاه القريب، سواء كان قريبًا أو بعيدًا في الزمان والمكان، وتجاه الله الذي أوكل إلينا الخليقة لكي نحفظها وننمِّيها لكي نكون جزءًا من مشروع الخلق الخاص به.
أضاف أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول مثل هذا “التحول المسؤول” لسلوكياتنا لا يمكنه أن يتم إلا من خلال “ارتداد إيكولوجي متكامل”. واليوم، في هذا الأسبوع الأخير من زمن الصوم الكبير، الذي ينفتح في أسبوع الآلام أمام سر القائم من بين الأموات، يكتسب موقف “الارتداد” ميزة خاصة. من جهة أخرى، يجب أن يتغذى مسار ارتدادنا من خلال الموضوعين اللذين يشكلان محور مبادرتكم: الجمال والحب: “من أعماق كل قلب، يخلق الحب الروابط ويوسع الحياة عندما يُخرِج الإنسان من ذاته. نحو الآخر”، يقول البابا فرنسيس في الرسالة العامة Fratelli tutti.
تابع الكاردينال بييترو بارولين يقول من المهم إذًا أن نستمرَّ في الحفاظ على الاهتمام الشديد بروائع الخليقة وحمايتها ونقدرها، ونعترف بالجمال الذي يحيط بنا، ونعزِّز “هذا التحالف بين الكائن البشري والبيئة التي يجب أن تكون مرآة لمحبّة الله الخالق، الذي منه نأتي وإليه نسير”، كما يتأمل البابا بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة المحبّة في الحقيقة. ومن ناحية أخرى، فقط من خلال الاعتراف بجمال ما قد خُلق، وما يحيط بنا، يمكننا أن نكون ممتنين له. وفقط من خلال الامتنان للخليقة يمكننا أن نفهمها كعطيّة علينا أن نسلمها للذين سيأتون من بعدنا.
أضاف أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول فقط من خلال الاعتراف بالعطيّة التي وُهبت لنا، سيكون من الطبيعي بالنسبة لنا أن نعتني بها، وبالتالي أن ننتقل من “ثقافة الإقصاء” السائدة حاليًا في مجتمعنا، إلى “ثقافة الرعاية”، كتعبير عن ارتدادنا البيئي المتكامل. في الواقع، لا ينبغي “أن نفهم الثقافة كمجرّد آثار من الماضي فحسب، وإنما وبشكل خاص بمعناها الحي والديناميكي والتشاركي، الذي لا يمكن استبعاده عندما نعيد التفكير في علاقة الإنسان بالبيئة”: كما قال البابا فرنسيس في الرسالة العامة “كُن مُسبّحًا”. من جهة أخرى، وفي الرسالة العامة نفسها، كان البابا واضحًا جدًا في هذا الأمر، عندما قال لنا إن “الثقافة الإيكولوجيّة لا يمكن اختزالها في سلسلة من الاستجابات العاجلة والجزئية للمشاكل التي تنشأ فيما يتعلق بالتدهور البيئي واستنزاف الموارد الطبيعية والتلوث. يجب أن يكون هناك نظرة مختلفة، وفكر، وسياسة، وبرنامج تربوي، وأسلوب حياة، وروحانية يعطون شكلاً للمقاومة إزاء تقدم النموذج التكنوقراطي”. ولهذا السبب نميِّز هذا الارتداد البيئي بالصفة المؤهلة “المتكامل” الذي يتطلّب فكرًا ونظرة مختلفين.
وختم أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين رسالته بالقول إنه ارتداد ضروري اليوم، ويمر من خلال عمل كل واحد منا، ويجب أن يتبعه عمل مشترك. في الواقع، على الإرتداد الفردي أن يكون مصحوبًا بارتداد جماعي، من خلال تحقيق حوار على المستوى المحلي والدولي، يعزز التنمية البشرية الحقيقية المتكاملة والمستدامة ويعزز التربية على إيكولوجيا متكاملة، قادرة على التحلّي بنظرة جديدة وعلى تقييم القوة الدافعة للجمال والحب. أهنئكم على هذه المبادرة الجميلة وأشجعكم بشدة على المضي قدمًا بفرح على طريق الارتداد الإيكولوجي المتكامل، وأتمنى لكم احتفالات مثمرة بأسبوع الآلام وعيد فصح مجيد.