في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد 17 آذار 2024، وهو الأحد السادس من زمن الصوم، وفيه تذكار أعجوبة شفاء الأعمى في أريحا، وبمناسبة عيد القديس مار يوسف البارّ، والذي يقع في التاسع عشر من شهر آذار، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الحبري بمناسبة عيد مار يوسف، وذلك على مذبح كنيسة مار يوسف في الزاهرية – طرابلس، شمال لبنان.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن رعية مار يوسف في طرابلس وإرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين والسوريين في لبنان، ومساعده في رعية مار يوسف وإرسالية العائلة المقدسة الأب طارق خيّاط.
كما حضر القداس صاحب السيادة المطران جاورجيوس إدوار ضاهر رئيس أساقفة أبرشية طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك، والمونسنيور أنطوان مخايل النائب العام لأبرشية طرابلس المارونية ممثّلاً سيادة رئيس أساقفة الأبرشية المطران يوسف سويف الغائب بداعي السفر.
وخدم القداس الشمامسة الإكليريكيون طلاب إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة، وجوقة إرسالية العائلة المقدسة، بحضور ومشاركة الراهبات الأفراميات، وحشود غفيرة من المؤمنين من رعية مار يوسف في طرابلس ومن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين والسوريين، وطالبات بيت الفتاة للراهبات الأفراميات في بطحا.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان “ويوسف كان رجلاً بارّاً”، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن عميق فرحه وسروره “أن نكون معاً في هذه الكنيسة الجميلة التي بُنِيَت لتمجيد اسم الرب القدوس، فنحتفل بالقداس الإلهي، ونحن نعاين أيقونة مار يوسف والطفل يسوع التي تترفع فوق المذبح، وما يلفت نظرنا أنّ مار يوسف مصوَّرٌ فيها وهو يرافق يسوع الطفل”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “نحتاج فعلاً اليوم أن نتأمّل بهذه الأيقونة، إذ أنّ على الآباء والأمّهات أن يرافقوا أولادهم بكلّ حنان ومحبّة وصبر. وهذا هو التحدّي الكبير لعائلاتنا المسيحية في هذا الزمن، أكانت العائلات المهجَّرة قسراً من أرض آبائها وأجدادها، كما غالبيّتكم مهجَّرون من قره قوش وبرطلّة وسائر قرى وبلدات سهل نينوى والموصل بشمال العراق. نشارككم هذا التحدّي الكبير والوقت العصيب الذي تمرّون به هنا في لبنان، وتعرفون وترون وتلاحظون المشكلات الكبيرة التي تحلّ بلبنان، كما حلّت سابقاً ولا تزال في سوريا وفي العراق، فضلاً عن الحرب الدائرة في الأراضي المقدسة”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “نحن شعب الله المدعوّ إلى القداسة، كما سمعنا من مار بولس، نحن مدعوون كي نكون قديسين، ليس فقط بالكلام وبإظهار العلامات والإشارات المسيحية، أكان على أيدينا أو صدورنا، لكن علينا أن نعيش دعوتنا إلى القداسة كما تقدَّس مار يوسف الذي كان يعيش البرارة أمام الله وأمام الناس”.
وأشار غبطته إلى أنّنا “لم نسمع بأيّ كلمة على لسان مار يوسف، وهذا يدلّ على أنّنا لا نتقدّس فقط بالكلام والوعظ والنصائح. فلنتذكّر أنّ القديسين كانوا ودعاء وقضوا حياتهم وهم يتأمّلون بصمت في كلام الله ويعملون بحسب إرادته، ونحن هنا لسنا ببعيدين عن أديرة القديسين والقديسات في شمال لبنان، فقد كانوا يعيشون دعوتهم من كلّ قلوبهم، مقتنعين أنّهم مدعوون إلى عيش القداسة بالتأمّل والصلاة”.
وتضرّع غبطته إلى الله سائلاً “شفاعة مار يوسف، وهو شفيع العائلة المقدسة، من أجل الكنيسة، فمار يوسف كان الشخص الأقرب إلى يسوع ومريم، وهو الذي كان الرجل البارّ البسيط، كان نجّاراً، ولم يكن يعيش في قصور الملوك. وبإمكاننا أن نسمّيه أباً للكنيسة بكلّ مراحلها، لا سيّما اليوم في هذه الأزمنة الصعبة التي نمرّ بها، ليس فقط في بلاد الشرق، بل في العالم كلّه، فالكنيسة تجابه صعوبات وتحدّيات كبيرة”.
وأكّد غبطته أنّنا “نحن معكم، أيّها الأحبّاء، نشارككم المعاناة التي تعيشونها، ونحن نعرفها جيداً، ونعرف أنّ أولادكم وشبابكم يعانون الكثير. لكنّكم أنتم، كآباء وأمّهات، تضحّون بكلّ شيء كي توفّروا لهم الحياة الكريمة بالفرح الحقيقي مع الرب يسوع أينما كانوا، في غرب العالم أو شرقه أو شماله أو جنوبه. سنظلّ نتابع شهادتنا لإيماننا المسيحي ومحبّتنا للرب يسوع، ومحبّتنا وإكرامنا للعذراء مريم ولمار يوسف”.
وختم غبطته موعظته بالقول: “نهنّئكم بهذا العيد، ونطلب من الرب أن يبارككم، وأن يجعل هذا اليوم الجميل الساطع بشمسه مشعّاً ومضيئاً في قلوبكم ونفوسكم بعطايا الروح القدس، كي تتقدّسوا مثل مريم ومار يوسف وجميع القديسين والشهداء”.
وقبل البركة الختامية، توجّه المونسنيور حبيب مراد بكلمة من القلب عبّر فيها عن “الفرح الكبير أن نجتمع اليوم معاً في هذه الكنيسة المباركة، هذه الكنيسة الرائعة التي هي كنيستنا السريانية الكاثوليكية والرعية الوحيدة لنا في لبنان على اسم مار يوسف، يوسف البارّ”، لافتاً إلى أنّنا “بهذه المناسبة نوّد أن نقدّم باسمكم جميعاً التهاني البنوية إلى غبطة أبينا البطريرك الذي هو أب ورأس وراعي كنيستنا السريانية الكاثوليكية في لبنان وفي العالم، نهنّئه بعيد شفيعه مار يوسف البارّ. وكما رعى القديس يوسف العائلة المقدسة بروح الأبوّة والتدبير الحكيم، هكذا أيضاً يرعى غبطة أبينا البطريرك ويدبّر الكنيسة بالرعاية الأبوية وبالحكمة والفطنة، وهذا التدبير يُظهِرُ لنا والعالم كلّه، والشكر لله، الإنجازات الكبرى بالبشر والحجر”.
وقدّم المونسنيور حبيب مراد الشكر “على حضوركم جميعاً، صاحبَ السيادة، والآباءَ الكهنةَ الأعزّاء، والشمامسةَ الإكليريكيين، والراهبات الأفراميات، والجوقة، وجميعَ المؤمنين الحاضرين، وطالبات بيت الفتاة. ونخصّ بالشكر الأب كريم كلش ومساعده الأب طارق خيّاط على جهودهما في خدمة رعية مار يوسف وإرسالية العائلة المقدسة بالمحبّة والتفاني، وباسمكم جميعاً نجدّد التهاني ونتبادل المعايدة. عيد مبارك على الجميع”.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل غبطته التهاني من الحضور جميعاً في صالون الرعية، في جوّ من الفرح الروحي.