كاتدرائية مار اسطفان، البترون، الأحد 25/2/2024
« من إيدك لَباب السما »
نطلق هذا الأحد حملة رابطة كاريتاس لصوم 2024 في أبرشيتنا البترونية، بعد أن كان قد أطلقها من بكركي ولكل لبنان الأحد الفائت صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلّي الطوبى.
وقد اختارت رابطة كاريتاس لبنان شعارًا لهذه الحملة: « من إيدك لَباب السما ».
وهو شعار مستوحىً من كلمة الرب يسوع: « أكنزوا لكم كنوزًا في السماء » (متى 6/20). وهي كنوز نكتسبها، كما قال غبطة أبينا البطريرك، بمساعدة الذين هم أخوة يسوع الصغار (متى 25/35-46).
كاريتاس هي كلمة لاتينية تعني المحبة. ورابطة كاريتاس لبنان هي جهاز الكنيسة الراعوي الاجتماعي الذي من خلاله تقوم الكنيسة بواجب خدمة المحبة، إلى جانب قيامها بخدمة كلمة الله وخدمة تقديس النفوس.
وإقليم البترون في رابطة كاريتاس هو أحد الأقاليم الستة والثلاثين المنتشرة في كل المناطق اللبنانية ويخدم باسم كنيسة البترون الأشخاص والعائلات المحتاجين إلى محبة، وقد تضاعف عددهم أكثر من عشر مرات نظرًا إلى تفاقم الأزمة الكارثية التي يواجهها اللبنانيون.
إننا نشكر الله معكم عن أعضاء مكتب إقليم البترون وعن المتطوعين، وبخاصة الشبيبة من بينهم، الذين يقومون بجهود كبيرة ويضحّون بوقتهم وإمكاناتهم ومواهبهم في سبيل مدّ يد المساعدة وتأمين الحاجيات الضرورية انطلاقًا من المحبة التي تغمر قلوبهم.
كما نشكر الله عن أصدقاء كاريتاس في إقليم البترون والمتبرعين الصامتين والأسخياء.
جميعهم ينطلقون من قناعة إيمانية مسيحية أن كل ما يفعلوه مع أحد إخوتهم المحتاجين إلى محبة فمع يسوع نفسه يفعلونه. وهم يؤمنون أن يسوع سيقول لهم يومًا: « كل ما فعلتموه لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي أنا قد فعلتموه. لأني كنت جائعًا فأطعمتموني، وعطشانًا فسقيتموني، وكنت غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فزرتموني، وسجينًا فجئتم إلي. تعالوا يا مباركي أبي فرثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم ». (متى 25/34-40).
لذا فانهم يبذلون ذواتهم بفرح في خدمة المحبة ويعطون مجانًا. ويعرفون أن السعادة في العطاء هي أعظم منها في الأخذ » (أعمال الرسل 20/35).
ولكي نتعمّق بشرح شعار حملة هذه السنة ننطلق من مثلٍ شعبيٍ توارثناه عن آبائنا وأجدادنا يقول: « من تمّك لباب السما ». وهذا يعني أننا نتمنى أن يقبل الرب صلواتك وأدعيتك ويحقق أمنياتك. والشعار « من إيدك لباب السما »، يعني أننا نتمنى أن يقبل الرب تقدماتك وأعمال الرحمة والمحبة التي تقوم بها، كما يقبل صلواتك. ولا نستطيع أن نفصل الأعمال عن الصلاة، لأن أعمال الرحمة هي صلاة نقدمها إلى الله وتفتح لنا باب السماء.
طريق السماء تبدأ من هنا، من الأرض. وكل خدمة محبة نقدمها إلى أحد المحتاجين إليها تفتح لنا باب السماء وتكون لنا كنزًا فيها.
يقول لنا السيد المسيح: « لا تكنزوا لأنفسكم كنوزًا في الأرض، حيث يُفسد السوس والعثّ، وينقب السارقون فيسرقون. بل اكنزوا لأنفسكم كنوزًا في السماء، حيث لا يفسد السوس والعثّ، ولا ينقب السارقون فيسرقوا. فيحث يكون كنزك، يكون هناك قلبك ». (متى 6/19-21).
ومن القلب تنبع المحبة. وكم نحتاج اليوم إلى قلوب مفعمة بالمحبة.
في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية المتراكمة والتي لا سابق لها في تاريخنا، وفي دولة مشلولة ومقطوعة الرأس ومحكومة من سياسيين يتناحرون على السلطة ويدوسون حقوق الشعب من أجل مصالحهم،
وفي مواجهة التحديات الآتية علينا جرّاء الحروب المستعرة عندنا وحولنا وقد تسبّبت بالتهجير القسري للآلاف من المواطنين،
نحن نحتاج إلى الشهادة للمحبة وعيش التضامن. فقد باتت الأكثرية المطلقة والصامتة من اللبنانيين تعيش تحت خط الفقر وتحتاج إلى مساعدة في تأمين أبسط ضرورات الحياة اليومية، وحبة الدواء، ومعاينة الطبيب، والدخول إلى المستشفى، ودفع أقساط المدارس والجامعات.
تسعى رابطة كاريتاس لبنان، باسم الكنيسة، إلى تقديم خدمة المحبة إلى جميع المحتاجين من دون تمييز، وذلك بفضل سخاء اللبنانيين في الداخل والخارج وتضامن الجمعيات المانحة الكنسية والمدنية عبر العالم.
لكن الكنيسة ليست الدولة ولا يجب أن تكون. في الكنيسة، نحن نبلسم الجراح كالسامري الصالح، ويبقى على الدولة أن تقوم بواجباتها لتأمين عيش حرّ وكريم لكل المواطنين.
في أحد شفاء المنزوفة وإحياء ابنة يائيروس، نقول لك يا يسوع:
حسبُنا أن نلمس طرف ردائك فنحصل على قوّةٍ منك تشفي كل جراحنا.
وأنت تجيبنا: لا تخافوا، يكفي أن تؤمنوا.
نعم سنبقى ثابتين في إيماننا وراسخين في رجائنا. أنت وحدك رجاؤنا !