استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين في قاعة الكونسيستوار بالفاتيكان المشاركين في أعمال الجمعية العامة للأكاديمية البابوية للحياة يتقدمهم رئيس الأكاديمية المطران باليا ووجه لضيوفه خطاباً سلط فيه الضوء على أهمية الحوار والسينودسية متمنياً أن تحمل الأعمال الثمار المرجوة.
استهل الحبر الأعظم كلمته مرحباً بالحاضرين وشكر الجميع على التزامهم في مجال البحوث حول علوم الحياة والصحة والرعاية، والذي تقوم به الأكاديمية منذ ثلاثين عاما. ولفت فرنسيس بعدها إلى موضوع الجمعية العامة هذه السنة الذي يتعلق بفهم ما يميّز الكائن البشري، موضحا أنه تساؤل قديم وجديد في الآن معاً، وبات اليوم أكثر تعقيداً في ضوء التكنولوجيات الحديثة. وأشار إلى أنه لا يمكننا اليوم أن نتحدث عن التمييز في العمليات الطبيعية والاصطناعية، معتبرين أن الأولى هي بشرية حقاً والثانية مضادة للإنسان، بل يتعين علينا أن ندرج المعارف العلمية والتكنولوجية ضمن أفق أوسع من المعاني والمفاهيم، والتصدي للهيمنة التكنوقراطية، كما جاء في الرسالة العامة “كن مسبحا”.
وتطرق الحبر الأعظم بعدها إلى المساعي الهادفة إلى الإنجاب بواسطة الوسائل التكنولوجية لافتا إلى أن هذا الأمر يجعل الإنسان يقتصر على عملية تكنولوجية وكأنه لغة رقمية يُعبر عنها من خلال الرموز والشيفرات. وذكّر بأن سفر التكوين يحدثنا عن رغبة الإنسان في اعتماد لغة واحدة، بيد أن ما قام به الله، والذي بدا أنه تصرف عقابي، تضمن بركة، وجاء تعدد اللغات ليصحح الميل إلى الفكر الواحد. فوضع البشر أمام محدوديتهم وهشاشتهم، ودعوا إلى احترام الآخر والاعتناء ببعضهم البعض.
لم تخل كلمة البابا من الحديث عن تنامي قدرات العلم والتكنولوجيا، ما يحمل الإنسان على الشعور بأنه رائد في مجال الخلق ومساوٍ للخالق الذي صنع الإنسان على صورته ومثاله. وتساءل البابا هنا ما إذا كان الإنسان قادراً على بعث الروح في المادة الجامدة! واعتبر أنه من الأهمية بمكان أن نستثمر في المواهب مع الحيلولة دون تشويه الإنسان ودون القضاء على الاختلافات التي يتألف منها الكون. ورأى فرنسيس أن الواجب الأساسي يحمل بعداً أنتروبولوجياً ويتطلب تطوير ثقافة تكون قادرة على التعرف على الإنسان والارتقاء به، مستخدمة الموارد التي تتيحها التكنولوجيا. وهذا الواجب يحمل أيضا بعداً ثقافياً لأن الثقافة تصقل وتوجه الجهود العفوية في الحياة والممارسات المجتمعية.
تابع البابا كلمته إلى أعضاء الأكاديمية البابوية للحياة متحدثاً عن مساعيهم الهادفة إلى إقامة حوار ناجع وتبادل بين الاختصاصات، ما يؤدي إلى وضع كل المعارف ضمن فسحة النور والحياة التي تقدمها الحكمة المتأتية من الوحي الإلهي. وشجع ضيوفه على متابعة هذا الحوار الذي يسمح لكل فرد أن يعبر عن أفكاره ودمجها مع أفكار الآخرين، مشيرا إلى أن هذه هي الدرب التي تسمح بتخطي المواجهة بين المعارف، وتطلق العنان لإعادة النظر فيها من خلال الإصغاء المتبادل والتأمل النقدي.
هذا ثم لفت الحبر الأعظم إلى نمط ثان يميّز أعمال الجمعية العامة، ألا وهو السينودسية التي هي ملائمة جداً من أجل التعامل مع المواضيع والقضايا التي هي في محور رسالة الأكاديمية البابوية للحياة. وقال إنه نمط متطلب، لأنه يقتضي اهتماماً وحرية وانفتاحاً على السير في دروب مجهولة، لم تُكتشف بعد، مضيفا أنه يتعين على الأشخاص الملتزمين في تجدد الفكر، بطريقة جادة وتماشياً مع الإنجيل، أن يضعوا موضع شكّ الآراء المكتسبة والمسلمات التي لم تخضع للامتحان النقدي.
في هذا السياق لفت البابا فرنسيس إلى أن المسيحية قدمت دوماً إسهاماً هاماً، وأخذت من كل ثقافة انخرطت فيها، التقاليد التي لديها جوهر وأعادت تفسيرها في ضوء العلاقة مع الرب، كما هي في الإنجيل، مستفيدة من الموارد اللغوية والمفاهيم الخاصة بكل سياق. واعتبر البابا أن هذه المسيرة تتطلب فكراً قادراً على معانقة أجيال عدة، تماماً كمن يغرس شجرة ويعرف أن الأبناء سيأكلون من ثمارها، أو من يبني كاتدرائية ويعلم أن الأحفاد سيُكملون بناءها.
في ختام كلمته إلى المشاركين في أعمال الجمعية العامة للأكاديمية البابوية للحياة، سأل البابا فرنسيس الرب أن يمنح الجميع عقلية منفتحة ومسؤولة ووديعة تجاه الروح القدس الذي “لا نعلم من أين يهب وإلى أين يذهب”. هذا وتمنى الحبر الأعظم أن تكون أعمال الجمعية العامة مثمرة وخصبة، ومنح الكل بركاته الرسولية.