في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٣، ترأّس غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، القداس الإلهي الذي احتفل به المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بمناسبة عيد تهنئة العذراء مريم بميلاد الرب يسوع، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
شارك في القداس الأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية المهجَّرين العراقيين في لبنان، والأب طارق خيّاط الكاهن المساعد في إرسالية العائلة المقدسة وفي رعية مار يوسف بطرابلس، والشمامسة، وجمع من المؤمنين.
في موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث المونسنيور حبيب مراد عن “عيد تهنئة العذراء مريم بميلاد الرب يسوع، هذه المناسبة التي رتّبَتْها الكنيسة السريانية في ثاني أيّام عيد الميلاد”، مشدّداً على “ضرورة شكر الرب وتمجيد اسمه القدوس على كلّ حدث وعمل، وبخاصة في ميلاد الرب الذي هو بشرى الفرح والنور”، مجدِّداً التهاني بهذا العيد المجيد لغبطته والآباء وجميع المؤمنين.
وتأمّل بمريم “الصبيّة الصغيرة، التي أصبحت أمّاً لهذا الطفل الإلهي العظيم، الذي كان ميلاده معجزة، بل أعجوبة كبرى. فعندما تحدث ولادة، نجد الناس تذهب وتهنّئ الأمّ بالولادة، هكذا رأينا الرعاة والمجوس، في حين كانت مريم تحفظ هذا الكلام في قلبها، وإلى جانبها يوسف البارّ، يحميها مع طفلها الإلهي”.
وتكلّم عن “الشكّ الذي كانت تعاني منه مريم وقد تبدّد مع ميلاد الرب يسوع، فالعذراء التي سلّمت حياتها إلى الرب من لحظة البشارة عندما قالت للملاك: أنا أمةٌ للرب فليكن لي حسب قولك، نرى كيف عاشت دائماً مع الرب. فقد أسرعت فوراً إلى بيت أليصابات، وبدأت تخدم وتبشّر وتعلن هذا الفرح الكبير، إذ انطلقت مسرعةً لتعلن هذا الفرح في كلّ مكان حولها. وبعد البشارة والخدمة وتبادُل الخبرة مع قريبتها الكبيرة في السنّ والخبيرة في الحياة، نجد المرحلة الثالثة لدى العذراء، وهي مرحلة التأمّل والانذهال بهذا الميلاد العجيب والاندهاش به وحفظ الكلام، فلم تكتفِ العذراء أن تفرح بالميلاد، بل أكملت بحفظ شريعة الرب وتنفيذها في كلّ لحظة من لحظات حياتها، بدءاً من قانا الجليل حيث تدخّلت، فتحنّن يسوع على أهل العرس وحوّل الماء إلى خمر”.
وأشار إلى أنّ “مريم بقيت إلى جانب ابنها يسوع حتّى أقدام الصليب والقيامة، وكانت تدرك جيداً أنّ هذا الطفل يسوع الذي وُلِدَ في بيت لحم، وهذا النور الذي سطع من المذود سيتابع المسيرة وسيقود إلى الآلام والصليب وإلى القيامة، حيث سينبعث النور من القبر الفارغ ويكون هادياً للعذراء ولنا في حياتنا. لذا لم تكن مريم تنسب إلى نفسها أبداً القوّة أو القيادة، بل جعلت نفسها متخّفيةً وراء ابنها ومخلّصها، وكانت على الدوام تلك الفقيرة التي تغتني بمعلّمها وسيّدها وربّها الذي هو ابنها الحالّ فيها، على حدّ تعليم آباء الكنيسة: ܡܓܰܙܰܝܬܳܐ ܕܥܶܬܪܰܬ ܒܒܰܪ ܡܳܪܳܗ̇”.
ولفت إلى أنّ “مريم لم تطلب من أحد أن يكرّمها ويمنحها الطوبى كونها أضحت أمّاً لله، بل قالت: تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي. لقد أعطت فوراً المجد والتعظيم للرب، لأنّها، وهي الممتلئة نعمةً، تقدّست بالرب الذي حلّ فيها وتجسّد منها ووُلِدَ للعالم”، مؤكّداً أنّه “بالميلاد ارتفعت كرامة العذراء من تلك الصبيّة المغمورة وغير المعروفة والتي لم تعرف رجلاً، فصارت أمّاً ووالدةً لمخلّص العالم”.
ونوّه إلى أنّ “دعوتنا اليوم أن نكون كمريم، نؤمن وننشر الإيمان ونتأمّل فيه، ونعيش بحسب تعاليم الرب، وعلى مثال الرعاة أيضاً الذين قبلوا البشارة، لم يفكّروا بشيء ولا حتّى بسلامة قطعانهم والحفاظ عليها، بل انطلقوا مسرعين إلى بيت لحم كي يعاينوا هذا الميلاد الأعجوبي ويحملوا هذه البشرى السارّة، ثمّ فرحوا جداً ونقلوها إلى الناس الذين تعجّبوا من قوّة إيمانهم ولهفتهم وقبولهم للبشرى بفرح، فعكسوه على الآخرين، وهذا الفرح أعطى الثمر في حياتهم وحياة من التقوا بهم”.
وختم موعظته بالتأكيد على أنّ “دعوتنا اليوم على مثال مريم والرعاة أن نعكس نور وفرح ومجد الميلاد وفرح إيماننا بالرب حتّى يضيء هذا النور حولنا أينما كنّا في محيطنا، كما أضاء هذا النور المجيد كلّ لحظة من لحظات حياة مريم، فنجعل هذا الميلاد يتجسّد ويثمر في حياة الناس الذين حولنا”.