مسيحيون قلقون على مصير أحبائهم في قطاع غزة

لم يعد خليل صايغ قادرًا على النوم أو العيش بشكل طبيعي منذ شهرين نتيجة شعوره بالخوف والقلق على عائلته في غزة. قبل أيام من عيد الميلاد، تلقى خبر وفاة والده داخل كنيسة نزح إليها.

ويروي صايغ المقيم في الولايات المتحدة عبر الهاتف “ذهب والداي إلى كنيسة العائلة المقدّسة. أختي موجودة أيضًا في تلك الكنيسة. أختي الأخرى وزوجها في كنيسة القديس برفيريوس مع أطفالهما الثلاثة، وقد ولد أحدهم خلال الهدنة” التي حصلت في تشرين الثاني واستمرت أسبوعًا.
ويضيف “تلقيت خبر وفاة والدي عن طريق قريب في رام الله تواصل معه كاهن”، موضحًا أن الوفاة حصلت بسبب نقص الرعاية الطبية الملائمة له.
وانهار النظام الصحي في شمال قطاع غزة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ويشير صايغ (29 عامًا) الى أن التواصل نادر للغاية مع أفراد عائلته في ظل انقطاع كبير في الكهرباء والإنترنت والاتصالات منذ بدء الحرب. ويتابع “لم أتواصل معهم مباشرة منذ أسابيع. ما يحدث عادة هو أن نازحًا الى الكنيسة لديه شريحة هاتف إسرائيلية يتواصل مع أحد ما في الخارج، ويتولى هذا الأخير نقل الخبر. ونخبر بعضنا البعض: عائلتك بخير”.
ويصف خليل الذي يعمل باحثًا سياسيًا في الولايات المتحدة كيف تمرّ “أيام وأيام من دون أن نسمع أي شيء. نعيش في خوف وشعور بعدم اليقين. لا نعرف إن كانوا على قيد الحياة أم لا، إذا كانوا جياعًا أو يأكلون، إذا كان لديهم إمكانية الوصول إلى الماء أم لا”. ويضيف “لا يوجد طعام. ويوجد نقص شديد في المياه ونقص في الغذاء، ونقص في الاحتياجات الأساسية”، واصفًا الأمر بـ”الصعب للغاية”.
“لا صوت للناس في غزة”
ويقول خليل إن حياته توقفت بالفعل. “لا أستطيع العمل بنسبة مئة في المئة. الأمر الوحيد الذي يدفعني للاستمرار هو أنني أتحدث عمّا يحدث. أتذكّر أن الناس في غزة لا صوت لهم”. وأوقف صايغ دراسته للحصول على شهادة في حقوق الإنسان بعد الحرب، “لأنني لم أعد أرى طريقة لتطبيقها في هذا الوقت”، بالإضافة إلى الضغوط التي يشعر بها وتمنعه من التركيز.
ونشأ خليل في غزة، لكنه لم ير عائلته منذ سنوات. ويروي أن شقيقته أنجبت طفلا “وقت الهدنة وأسمته خضر. لم أر صورته كل ما أعرف عنه أنه موجود”. وله شقيق أصغر في مدينة خان يونس في جنوب القطاع. “هو مريض (..). يقوم بغسل الكلى هناك”.
وتعرّضت كنيسة القديس برفيريوس في 19 تشرين الأول الماضي لقصف إسرائيلي، وفق ما ذكرت البطريركية الأرثوذكسية. وفي 16 كانون الأول الحالي، قتلت امرأتان في كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة بعد قصف إسرائيلي.
الوضع تعيس للغاية
ويفيد مسؤولون في كنائس مسيحية في قطاع غزة بأن عدد المسيحيين الذين يعيشون في قطاع غزة اليوم يقارب الألف، بعد أن كانوا سبعة آلاف قبل العام 2007 وسيطرة حماس على القطاع. وتروي راهبة في القدس طلبت عدم الكشف عن اسمها لوكالة فرانس برس إن راهبتين من رهبنة “الوردية” موجودتان حاليًا داخل كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة.
وتقول “التواصل يتم بصعوبة شديدة، كلّ ثلاثة إلى أربعة أيام. كل ما نسمع منهما أنهم (الموجودون في الكنيسة) بخير. وتطلبان منّا أن نصلي لهم”. وتوضح الراهبة أن الاتصال ينقطع في بعض الأحيان “نحصل على رسائل صوتية عبر واتساب. قالتا لنا الإثنين إنه لا توجد مياه. الناس جميعًا هناك لم يستحموا منذ أسبوعين، ومياه الشرب بالكاد تكفي”. وتضيف “الوضع تعيس للغاية. الله يساعدهم”.
وتتابع “نحن نخجل أمام المعاناة التي يعانيها أهل غزة جميعا مسلمين ومسيحيين”.
عيد الميلاد هذا العام
في القدس، يقول الأب إبراهيم نينو، مسؤول التواصل في البطريركية اللاتينية، لوكالة فرانس برس “يتم التواصل مع أهلنا في كنيسة العائلة المقدسة من خلال الكاهن المساعد المتواجد هناك أو الراهبات أو بعض الأفراد. بعد محاولات كثيرة (..) نتمكن من سماع أخبارهم”.
وعن الموجودين حاليًا في كنيسة العائلة المقدسة، يقول “هناك طعام وماء وكهرباء لأيام معدودة لذا يعملون على التقليل من استخدامها قدر الإمكان”.
واتخذ بطاركة ورؤساء الكنائس في الأرض المقدسة قرارًا الشهر الماضي بعدم تنظيم أية مظاهر احتفاليّة لعيد الميلاد والاقتصار على الشعائر الدينيّة، تضامنًا مع سكان غزة. لكن بحسب الأب نينو، سيحتفل المسيحيون في غزة “بقداس عيد الميلاد”.
بالنسبة لصايغ، “عيد الميلاد يجب أن يكون وقتا للأمل. من الصعب جدًا الاحتفال أو الشعور بأي بهجة بينما المذبحة مستمرة في غزة للمسلمين والمسيحيين، ومدنيون أبرياء يموتون”. ويضيف “أنا في الواقع مرهق جدًا ومكتئب. ولكنني ما زلت أفرح بحقيقة أننا نعلم أن الله معنا. (..) هو يشعر بألم الناس، كل الناس، ليس المسيحيين فحسب، بل كل الناس في غزة الذين يعانون الألم والجوع والموت والدمار”.