كلمة البطريرك بيتسابالا في لقاء الملك مع القيادات المسيحية والإسلامية

صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظّم،
يسعدنا أن نلتقي في هذا الوقت المبارك -وفقًا للتقليد السنوي- هنا في بيت جميع الأردنيين. نشكر جلالتكم على تمنياتكم الصادقة بعيد الميلاد المجيد، ونحن نصلي بدورنا أن يحفظكم الله القدير والعائلة الهاشمية الغالية وشعبنا الأردني الحبيب.
جلالة الملك،
اليوم نحن مثقلون مما يجري اليوم في قطاع غزة، حيث القتل والتشريد وامتهان كرامة الانسان. شيوخ ونساء وأطفال وذوي الاعاقة يدفعون ثمن العنف وعجرفة آلة الحرب المدمّرة. لقد تعرضت المساجد والكنائس والمؤسسات وبيوتٌ لا تحصى إلى الاستهداف العسكري وقد قتل آلاف الأبرياء المسالمين. إنه وضع رهيب يتطلب منا جميعًا أن نرفع أصواتنا وندعو إلى الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائيّة.
نثّمن عاليًا دور الدبلوماسية الأردنية المميّز والتي تقودها جلالتكم وخاصة من خلال الخطابات الحكيمة والمحقة التي ألقيتموها، والمداخلات التي قامت بها جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة، لإحقاق الحق ووقف الحرب وبناء السلام الحقيقي المبنيّ على العدل وتعزيز كرامة الانسان. ولا يفوتنا أن نقدّم الشكر العميق للدور الإغاثي الإنساني الذي يقوم به الجيش العربي من خلال المستشفيات الميدانيّة في غزة والضفة الغربية، والعمل الجاد التي تقوم به الهيئة الخيرية الهاشمية في إيصال المساعدات الأساسية لشعب غزة الجريح، وقد كان لمؤسساتنا الكنسيّة شرف التعاون مع الهيئة للمساعدة في أعمال الإغاثة.
جلالة الملك،
إنّنا معكم نسعى بكل الوسائل الممكنة لحثّ العالم والمجتمع الدولي لإعلان الحق وللوقف الفوري للحرب وإدخال المساعدات الإنسانيّة والبدء سريعًا بخطوطات جادة لحلٍ يضمن السلام العادل والشامل والدائم والذي يحقق للشعب الفلسطيني الحرية وتقرير المصير وبناء الدولة، وبذات الوقت ضمان الأمن للشعب الإسرائيلي. ومن المؤكد أن تدّخل المجتمع الدولي سيكون ضروريًا للمساعدة في إيجاد منظور جديد وواقعي لمستقبل غزة والفلسطينيين. ولذلك فمن الضروري التحدث معهم، وليس فقط عنهم. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن تحقيق هذا المنظور دون الدور المركزي للأردن وجلالتكم. ومن الضروري، في الواقع، أن تكون لدينا رؤية جديدة، ليس فقط لغزة، بل لجميع الفلسطينيين وللمنطقة بأكملها، حيث مساهمة الأردن ومساهمة جلالتكم أساسيّة.
إنّ القدس البوصلة للجميع، فهي مدينةٌ مقدسةٌ، رسالتها روحيةٌ وانسانيّة، هي اليوم خالية من الحجاج تنشد السلام. نصلي إلى الله أن تعود القدس مكانًا للعبادة والوئام بين البشر، مدينةً مفتوحةً للجميع. إن رسالتكم ودور العائلة الهاشمية الخاص يا صاحب الجلالة هو في غاية الأهمية. إنكم صوت قوي في كافة المحافل الإقليمية والدوليّة من أجل الحفاظ على هوية المدينة المقدسة وعلى “الوضع الراهن” وضمانة التنوع الديني والثقافي في كل الأماكن المقدسة. ونحن معكم نسير وندعو الى الحفاظ على روحانية المدينة واحترام القوانين والمواثيق الدولية من أجل الحفاظ على تلك الهوية الفريدة. نسير من أجل السلام ونعمل بجدٍ من أجل إحقاق العدل ونشجب كل عمل يهدد تلك الهوية وينزع الوئام.
جلالة الملك،
إنّ قداسة البابا فرنسيس والكرسي الرسولي يقدّرون عاليًا شخص جلالتكم والمملكة الأردنية الهاشمية، التي وبفضل قيادتكم الحكيمة جعلت من المجتمع الأردني العزيز أنموذجًا حيًا للاستقرار في منطقتنا. إن مكونات المجتمع الأردني تلتف حول قيادتكم الحكيمة وتسعى ليبقى الأردن متماسكًا وقويًا أمام كل التحديات. إن قيم العيش المشترك والحوار بين المسلمين والمسيحيين تجد في الأردن البيئة الحاضنة والتي عززتموها بنهجكم المنفتح والذي يضع القيم على أعلى سلم الأولويات. إن كنائسنا ومؤسساتنا الاجتماعية والتعليمية تسعى كل يوم وتحمل رسالتها الإنسانيّة وتسعى من أجل تعزيز كرامة الإنسان الأردني. من خلال تنشئة الشباب خصوصًا وليس فقط، نسهم مع كثير من المؤسسات الوطنية لتمكين كل الأردنين ورفع قدراتهم ليكونوا مواطنين فاعلين، يسعون من خلال قيمهم وعلمهم في تعميق الوئام والانفتاح وزرع المحبة حيثما وجدوا.
جلالة الملك،
إنّ عيد الميلاد هو عيد فرح وسيبقى كذلك رغم الصعوبات، وسنبقى شهودًا للرجاء ولثقافة الحياة رغم مظاهر الموت. نشكر جلالتكم مجددًا، وندعو الله تعالى أن يبارككم ويحفظ العائلة الهاشمية الكريمة والعائلة الأردنية الكبيرة، وأن يحفظ الأردن الغالي بالسلام والازدهار.