من النائب الرسولي إلى الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين وأبناء أبرشية اللاتين في سورية. إنها رسالتي الأولى اليكم بعد أن تسلمت مهامي الأسقفية بعد اختياري من الرب يسوع لأكون خادمًا للكلمة، ولكي أقود قطيع الرب إلى المراعي الخصبة.
لقد اخترت شعار خدمتي الأسقفية كالآتي: الصليب المقدس الذي يعلو كل شيء، هو درب الخلاص وخشبة النجاة ورمز افتخارنا، اشارة إلى الكرامة الأسقفية. في أعلى اليمين شعار رهبنة الاخوة الأصاغر الفرنسيسكانية التي أنتمي إليها، حيث نرى ذراعي السيد المسيح والقديس فرنسيس المتقاطعين أمام الصليب، في إشارة واضحة الى الدعوة الفرنسيسكانية. وفي اعلى اليسار، صليب أورشليم الكوني المخمَّس رمز حراسة الأراضي المقدسة الذي يرمز الى جراح المسيح الخمسة.
في يمين الجزء السفلي من الدرع، رسم للخارطة الجغرافية لسورية، حيث ولدت وترعرعت وأكرمني الرب بأن جعلني أسقفا عليها.
وفي وسط الشعار، حمامة تحمل غصن الزيتون رمزا للسلام الذي أرجوه لهذا البلد المتألم من حرب طاحنة ما زال يعاني من آثارها. والى اليسار شجرة زيتون، ترمز إلى محافظة ادلب الخضراء التي انحدر منها كي تذكرني بأن أصلي من أجل أهلنا هناك، لينعموا، هم أيضاً، بالأمن والسلام والاستقرار. وعند تقاطع الدرع، تم ادراج الشعار المريمي مع تاج مخصص للسيدة العذراء، امي وأم الكنيسة، التي وضعت خدمتي الأسقفية تحت حمايتها. وتحت الشعار وضعت شعار اسقفيتي: “أنا بينكم كالذي يخدم” ليكون الرب قدوتي في المحبة والخدمة.
واليوم، بمناسبة الأعياد الميلادية المجيدة، ادعو ابنائي المؤمنين الى شحذ الهمم ونفض غبار الرتابة عن الإيمان، ليتسنى للذين اثقلتهم ظروف الحياة الصعبة أن يحافظوا على اتزانهم النفسي والعاطفي حيال تفاقم الضغط الإجتماعي والاقتصادي الذي تجلت عواقبه من خلال غلاء الأسعار وشبح العنف والفقر الذي أثقل كاهل المجتمع السوري.
جل ما اخشاه في هذه الأيام المباركة ان يفرغ عيد الميلاد من معناه، فيتحول اهتمامنا بالميلاد من صاحب العيد الى شجرة ومغارة ولباس جديد. فالميلاد أكبر من مجرد ذكرى، انه تحقيق لوعد الله بالخلاص لشعبه. فالميلاد هو دعوة لنا إلى اتباع نهج جديد في الحياة حتى وإن كان عكس التيار.
لطالما حلم الصغير ان يكبر، والضعيف ان يقوى، والفقير ان يغتني، فتلك سمة الحياة البشرية؛ فالصراع مستمر فينا وبيننا وحولنا، وهيرودس العصر يذكي الحرب كل يوم وتحت كل سماء، والكل بدوره يصارع ليصبح أكبر ليحتل مساحة أكبر، مدافعا عن مواقع وعن حدود احتلها، مع الأسف، هذا هو التاريخ في هذه الأيام.
كلنا نبحث عن ملكوت مبني على القوة، لنشعر بأننا في أمان، بينما الميلاد يقدم لنا مولوداً جديداً أعزل بلا حماية، يقول لنا أنه يجب ان نتحلى بالتواضع بدل الكبرياء وبالمحبة بدل التسلط وبالعطاء بدل الجشع، حينها نكون في الميلاد.
اليوم نحن أمام قوى تتصارع، ونحن ضحية استراتيجيات أكبر منا. لكن الميلاد يظهر لنا عمل الله، ويبين لنا من نحن وماذا يجب أن نكون كمسيحيين. يجب أن نكون علامة متواضعة لقدرة المحبة وبداية سلام وحقيقة. في الميلاد نقدر أن نقول مع بولس: عندما أكون ضعيفاً أكون قوياً، عندما أكون صغيراً إذ ذاك أكون كبيراً، عندما أكون فقيراً إذ ذاك أكون غنياً على مثال كلمة الله الذي افتقر من اجلنا وهو الغني.
إننا أقوياء بذاك الذي قوانا، الذي انحدر من الأعالي ليتخذ جسداً ويصير واحداً مثلنا، أراد أن يولد فقيراً في مذود كي يقول لنا بأن الحياة ليست فقط بالمادة والمال وإنما بالبذل والعطاء والاخلاص للأُسس التي تربينا عليها. أتمنى للجميع سنة مباركة وأعيادًا مجيدة.