في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد 10 كانون الأول 2023، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد ميلاد يوحنّا المعمدان وعيد القديسين مار بهنام وأخته سارة، وذلك على مذبح كنيسة مار بهنام وسارة في الفنار – المتن، لبنان. وخلال القداس، قام غبطته برسامة شمامسة قرّاء وأفودياقونيين لخدمة الكنيسة.
عاون غبطتَه صاحبُ السيادة مار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة. وخدم القداس الشمامسة وأعضاء من حركة مار بهنام وسارة، وجوق الرعية، بحضور ومشاركة فعاليات الرعية، وعدد من المدعوين، وجموع غفيرة من المؤمنين غصّت بهم الكنيسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان “لا بل يُدعَى يوحنّا”، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن “اليوم الذي هو الأحد السادس من الآحاد التي تسبق عيد الميلاد حسب طقسنا السرياني، وفيه نحتفل بميلاد يوحنّا المعمدان، هذا الذي قال عنه يسوع: أعظم مواليد النساء. إنّنا إذا تأمّلنا بحياة يوحنّا المعمدان، من الحبل به في بطن أمّه أليصابات، ودعوته للتكرُّس الكلّي لله تعالى، ودعوته للشعب كي يتوب ويعتمد في نهر الأردن، والشهادة للحقيقة حتّى قطع الرأس، نرى فيه هذا النبي الذي يصل العهد القديم بالعهد الجديد، والقريب جداً من الرب يسوع الفادي، والذي نحتفل بعد ما يقرب من أسبوعين بميلاده بالجسد، هو الذي أصبح مثلنا بشراً”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “نحتفل اليوم أيضاً، في العاشر من كانون الأول، بكلّ الفرح والفخر، بعيد مار بهنام وأخته سارة ورفاقهما الأربعين شهيداً، والذين يذكر عنهم تاريخنا الكنسي أنّهم استشهدوا في أوائل القرن الرابع. إنّهم شهداء أبرار نفتخر بهم، يذكّروننا أنّ كنيستنا هي دائماً على درب الشهادة، وهذا ليس بغريب عنّا، لأنّنا منذ بدء المسيحية حتّى اليوم، نحن كمسيحيين، نحتمل كلّ أنواع الآلام والاضطهاد بسبب إيماننا بالرب يسوع. وهذا الأمر يجعلنا نستذكر ما كتبه بولس الرسول عن الناموس والإيمان، فالناموس كلمة يونانية تعني القانون، الشريعة، إذ في أيّام بولس كانوا يعتقدون أنّهم إذا تمّموا الشريعة ومتطلّبات القوانين، فهذا يعني أنّهم يتمّمون إرادة الله، فيعود بولس ليركّز على أنّ الإيمان هو أهمّ من الشريعة”.
وأشار غبطته إلى أنّنا “حتّى اليوم نعرف أنّ هناك من يعتقد أنّه إذا تمّم بعض الفرائض، فيكون حينها قد أكمل كلّ متطلّبات الإيمان. وهذا ليس فعلاً متجاوباً مع دعوتنا المسيحية، فالإيمان هو أهمّ، وبالطبع القوانين والشرائع، أي الناموس، هي ثمرة إيماننا. فإن لم يكن لنا إيمان، لا تعطي هذه الثمرة المفعول الذي نحتاجه”.
ولفت غبطته إلى أنّ “القديس بولس يذكّر المؤمنين أيضاً أنّه يتمخّض بهم، أي أنّه هو الذي وَلَدَهم بالإيمان، وهذا الأمر يؤكّد أنّ المكرَّسين للخدمة في الكنيسة هم الآباء، بمعنى الآباء الروحيون الذين يلدوننا بالإيمان، ويمنحوننا ولادة الروح، وهنا يبرز دورهم وكيف عليهم أن يعكسوا حقيقةً الرب يسوع في حياتهم. وهذا الشيء مطلوب من كلّ أعضاء الإكليروس، من كاهن الرعية، وإخوته الكهنة، والمطران، والبطريرك، فعليهم جميعاً أن يعرفوا دورهم الخطير بولادة المؤمنين روحياً، كي يونوا لهم الآباء الحقيقيين”.
وتكلّم غبطته عن رسامة الشمامسة الجدد، فقال: “اليوم أيضاً نفرح بمنح الرسامة بدرجات المرنّم والقارئ والأفودياقون أي الرسائلي لثمانية من أولادنا الأعزّاء الذين يتقدّمون بكلّ اندفاع كي يخدموا الكنيسة، ويكونوا مثالاً في الخدمة، ليس بالكلام فقط، بل بالفعل يضاً، وهذا ما نحتاج إليه من خدّام الكنيسة، ونحن نعلم أنّ الشمّاس بالسريانية تعني الخادم. نسأل الرب أن يباركهم في هذا الخطوة التي يقومون بها، كي يصبحوا مثالاً لرفاقهم الشباب ولآباء العائلات، فيُضحُوا بالحقيقة المؤمنين الخادمين حسب قلب الرب”.
وتناول غبطته الوضع الراهن في لبنان، فقال: “تعلمون أنّنا اليوم نتهيّئ للاحتفال بعيد ميلاد الرب يسوع، وعلى غرار السنوات الأخيرة، فالجوّ الذي نعيشه ليس كما كنّا نتمنّاه، جوَّ فرح وارتياح نفسي، جوّاً عائلياً، وجوَّاً محبَّباً لأولادنا الأعزّاء. ومع ذلك، علينا أن نجعل كلّ ما يسمح الرب أن يحدث في حياتنا سبباً لفرحنا الداخلي. فالبارحة، على سبيل المثال، أدخَلْنا الفرح والبهجة بعيد الميلاد إلى قلوب ما يقرب من 350 طفلاً وطفلة، وهم بشكل عام من المهجَّرين العراقيين في لبنان، كي يشعروا ويعيشوا فرح الميلاد رغم كلّ الظروف الأليمة التي تحيط ببلدنا وبكنائسنا”.
وتطرّق غبطته إلى “الزيارة التي قمنا بها يوم الخميس الماضي إلى الجنوب اللبناني، بمعيّة غبطة أخينا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وأساقفة ورؤساء رهبانيات، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، كي نعلن تضامننا الكامل مع أولادنا في الجنوب في هذا الزمن الأليم الذي يقضونه بسبب النزوح والتهجير، وبسبب القذائف التي تنهمر على بيوتهم ومدارسهم ومؤسساتهم، فنؤكّد لهم أنّهم سياج الوطن، سياج لبنان، لو مهما حصل. فقد سمح ربّنا أن يتألّموا كي يشاركوا في آلام الوطن لبنان، لينهض من هذه المعاناة المخيفة التي أوقعه فيها الذين هم مسؤولون فيه، ولا نريد أن نعدّد الأسباب الآن، فللأسف لم يكن هؤلاء المسؤولون أهلاً لمسؤولياتهم في الفترة الأخيرة”.
وتضرّع غبطته “إلى الرب يسوع كي يخفّف عن أولادنا في الجنوب آلامهم، ويقوّيهم في محنتهم، كي يكونوا حقيقةً معترفين بالإيمان، ومستعدّين للشهادة والاستشهاد من أجل الرب يسوع والكنيسة وبقاء المؤمنين في تلك المنطقة التي نقدّرها كثيراً ونفكّر دائماً بأهلها الأحبّاء”.
وختم غبطته موعظته سائلاً “الرب يسوع أن يجعلنا دائماً الرسل الحقيقيين، مثلما عرفنا من إنجيل لوقا عن الأحداث التي حدثت قبل عيد الميلاد، من بشارة زكريا وبشارة العذراء مريم وزيارتها إلى أليصابات واليوم ميلاد يوحنّا. نبتهل إليه كي يجعلنا على الدوام متجذّرين بإيماننا بالرب يسوع، وشهوداً لإنجيل المحبّة والفرح والسلام، والذي حمله يسوع إلى العالم، بشفاعة أمّنا مريم العذراء التي هي أمّ الكنيسة، وبشفاعة مار بهنام وأخته سارة ورفاقهما الشهداء، فيعيننا الرب ويقوّينا في مشوارنا المسيحي نحو سعادة السماء”.
وقبل المناولة، قام غبطته برسامة ثمانية من أبناء الرعية شمامسة مرنّمين وقرّاء. ثمّ رقّى غبطته ستّة منهم إلى درجة الشمّاس الأفودياقون (الرسائلي). وألبسهم غبطته القمصان البيضاء والهرّارات، وسط الترانيم السريانية وأهازيج الحضور والتصفيق.
وفي نهاية القداس، منح غبطته البركة الختامية بذخيرة القديسين مار بهنام وأخته سارة. ثمّ تقبّل غبطته التهاني من المؤمنين بهذا العيد المبارك، فنالوا بركته الأبوية. كما قدّموا التهنئة للشمامسة المرتسمين الجدد، في جوّ من الفرح الروحي.