جوانا فرحات
المركزية- من كنيسة سيدة البحار في صور عبقت رائحة البخور حيث كان البطريرك بشارة الراعي يصلي على نية أبناء القرى وبلدات الشريط الحدودي ويوجه رسالة سلام ونداء بوقف لغة الحرب.
وفي ما كانت رائحة البخور تفوح في الكنيسة فاحت روائح القنابل الفوسفورية مزنّرة بلدة رميش ووضعت أرواح الأهالي وأراضيهم وأرزاقهم تحت خط الموت الرحيم. الرسالة وصلت إلى أبناء رميش ويارون ودبل وعين ابل ومفادها هكذا كان سيستقبل البطريرك الراعي وأبناء الرعايا الذين سيواكبونه.أيضا أدركوا أن الرسالة الصاروخية تهدف أولا إلى كمّ أفواه الأهالي والفاعليات في قرى الشريط الحدودي التي طالبت وعتِبت على عدم شمول زيارة الراعي التضامنية قراهم التي لم يعرفوا طعم النوم فيها منذ 7 تشرين الأول الماضي.
يقولون “العتب على قدر المحبة” وهذا ما فُهم من البيان الذي أطلقه رؤساء بلديات القرى المسيحية الممتدّة على طول الحدود الجنوبيّة. وعتبهم على قدر محبتهم وخوفهم على البطريرك الراعي، “الذي خصّ مدينة صور بزيارة دعم لأبناء الجنوب، بدلاً من أن تشمل القرى الحدودية، ليكون على تماس مباشر مع سكانها الصامدين”.هكذا كان لسان حال أهالي القرى الأكثر استهدافاً وتضرراً من جراء القصف الإسرائيلي عقب الزيارة، “وليتها ألغيت أو حصلت خلال فترة الهدنة المعلنة التي التزم بها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني طالما أن النية كانت موجودة وتاريخ الزيارة مقرر سلفا قبل الإعلان عن الهدنة”.
وبالمباشر عبّر الأهالي عن “عتبهم” بعدم المشاركة في الإستقبال الشعبي الذي اقتصر على بعض الأهالي من القرى البعيدة عن خط النار ونواب الثنائي الشيعي وبعض كهنة رعايا قرى الشريط الحدودي”نعم بقينا في بيوتنا وتحت وابل قصف الصواريخ الفوسفورية في ما كانت الشخصيات السياسية تستقبل غبطته وجميعهم دون استثناء ينامون قريري العين ويتوجهون صباحا إلى مراكز عملهم. أما نحن فعقارب الحياة العادية توقفت عندنا حتى اننا لم نعد نعرف طعم النوم، وإذا حصل فتحت سابع أرض ليطلع علينا ضوء الصباح”.
أحد أبناء بلدات قرى الشريط الحدودي يؤكد لـ”المركزية” أن الزيارة “كانت سياسية بامتياز وتحت شعار ما يسمى بالعيش المشترك الذي صار فارغا من مضمونه”. ويستغرب عدم استغلال الوفد برئاسة الراعي فترة الهدنة لتكون الزيارة رعوية وتضامنية بامتياز”.
نداء الراعي كان موجها إلى كل أهالي الجنوب “لكن مدينة صور أبعد ما تكون اليوم عن خط النيران والقصف الإسرائيلي. ويضيف “إذا كانت الذريعة ” خطر أمني” فنحن حماة بكركي وسيدها ولن نسمح بأن تمس شعرة من رأسه وإذا صح أن بكركي تلقت جوابا من الأجهزة الأمنية بعدم التوجه إلى قرى الشريط الحدودي فالأفضل كان أن تُلغى الزيارة أو يتم تغيير عنوانها بحيث تأتي تحت إطار لقاء بين الراعي ووفد من مجلس الأساقفة والبطاركة الكاثوليك مع رؤساء بلديات البلدات الجنوبية وشخصيات سياسية ونواب الثنائي الشيعي. باختصار الزيارة لم تكن تعنينا”.
زيارة الراعي إلى الجنوب وهي الوحيدة لرئيس طائفة في هذا الظرف،هي الثانية بعد العام 2011 لكن حينذاك تخطت الحدود التي ارتسمت اليوم بفعل الواقع العسكري السائد على طول الخط الأزرق. حينذاك كان في استقباله أهالي رميش التي تبعد 40 كيلومتراً عن صور ودبل وعين ابل ويارون التي دمرت غالبية بيوتها اليوم التي تقطنها عائلات من الطائفة الكاثوليكية ومركزا أسقفيا. من سيجرؤ على ترميم جدار منزل بعد اليوم؟ هنا السؤال الذي يرسم خارطة مستقبل قرى الشريط الحدودي.
رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبده أبو كسم يبدي تضامنه الكامل مع صرخات أهالي بلدات وقرى الشريط الحدودي ويؤكد وقوف بكركي إلى جانب أبناء رعيتها وكل الجنوبيين. لكن بالتوازي ثمة واقع عسكري لم يكن بالإمكان تجاوزه ويقول لـ”المركزية”” الزيارة تقررت في اجتماع مجلس الأساقفة والبطاركة في بكركي منتصف شهر تشرين الثاني الماضي وحُددَ إطارها بالرعوية والتضامنية الداعمة لأبناء الجنوب. وكان يمكن الإستعاضة عنها بتوجيه رسائل الدعم والتضامن من بكركي أو أي منطقة أخرى من لبنان. لكن المجلس برئاسة البطريرك الراعي أصر على أن تكون من أرض الجنوب”.
خلال التحضير اللوجستي تم التواصل مع قيادة الجيش واليونيفيل لمعرفة مدى إمكانية الوصول إلى قرى الشريط الحدودي فكان الجواب “يُحبّذ عدم تخطي مدينة صور حفاظاً على أمن الوفد والناس “. أضف إلى ذلك الحساسية التي كانت ستتولد لدى أهالي القرى التي ستثنى لأسباب أمنية”.
يضيف أبو كسم”إنطلاقا من ذلك اتخذ القرار بأن تكون الزيارة إلى مدينة صور حيث أطلق الراعي مواقف تضامنية مع أهالي الجنوب على كافة أطيافهم”. وتعليقا على بيان رؤساء بلديات القرى الحدودية أبدى تفهمه ولو لم تكن لدى الراعي نية بأن تكون مواقفه من أرض الجنوب لاكتفى بإعلانها من بكركي “لكن ثمة وضع عسكري إستثنائي ونأمل أن تنتهي هذه الحرب حتى يزور غبطته كل القرى الجنوبية”.
موقف الكنيسة الداعم لأهالي قرى وبلدات الشريط الحدودي يؤكد عليه أبو كسم ويوضح أن المساعدات التي جمعت من “لم الصواني تضاف إليها التبرعات التي تم جمعها سيتم توزيعها بإشراف كاريتاس عدا عن المؤسسات التي تتولى الرعايا توزيعها من المؤسسات الكنسية والمحلية والروابط المسيحية، لكن الكنيسة لا تحل مكان الدولة والدولة تتفرج.
ويختم أبو كسم “أهلنا الصامدون في قرى الشريط الحدودي هم سياج الوطن وحراس الحدود وهم ضمانة بقاء الكيان اللبناني على ما هو عليه. سنستمر في دعمهم والوقوف إلى جانبهم حتى يصمدوا ويحافظوا على أرزاقهم وإلا فإن خارطة الأرض ستتغير”.