اعددت الراهبات الكلدانيات بنات مريم سلسلة محاضرات عن الرجاء بمناسبة يوبيل الرجاء. وقد افتتح السلسلة غبطة البطريرك ساكو بعد صلاة المساء. وفي الختام رفع المشاركون الصلاة من اجل شفاء البابا فرنسيس، ثم تقاسم الحضور الحلويات في قاعة الدير.
واليكم نص المحاضرة
الرهبانيات كحركات نبوية، انسحب أعضاؤها من العالم لكي يتعلموا اكثر عن المسيح، وان يحاكوه بطريقة جذرية. حالة التذمر والتشكي والخمول لا تنفع، لان ليس فيها رجاء. المسيحي بالمعمودية مدعوٌ الى السير بروح الرجاء، من خلال المشاركة والشراكة والوحدة. هذه المسيرة تحتاج إلى الوعي والتواصل مع الكنيسة والتكاثف بالرجاء.
كل مسيحي مدعوٌ الى السير بروح الرجاء، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة حيث تباع المباديء وتتحكم المصالح في كل شيء، وان ينفتح على بشرى الرجاء مثل الرعاة الذين اتبعوا اعلان الملائكة ليلة الميلاد وساروا لزيارة الطفل يسوع : ” المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء [الخير] للبشر” (لوقا2/14).
الرجاء موقف إيمانيٌّ روحيّ على مثال ابينا إبراهيم الذي “آمن على خلافِ الرجاء، وصار أباً لأمم كثيرة”(رومية 4/18). نفس الرسالة الى رومية تقول كلاماً رائعاً عن الرجاء: ” نَفْتَخِرُ بِالَّرجاءِ لِمَجْدِ الله، لا بل نَفتَخِرُ بِشَدائِدِنا نَفْسِها، لِعِلمِنا أَنَّ الشِّدَّةَ تَلِدُ الثَّباتَ، والثَّباتَ يَلِدُ فَضيلةَ الاِختِبار، وفَضيلةَ الاِختِبارِ تَلِدُ الرَّجاء، والرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا” (رومية 5/2-5).
الرجاء يعني المستقبل
الكلام عن الرجاء كلامٌ عن المستقبل، ففي قلبِ كلِّ انسان توجد رغبة، أمل بالتغيير نحو الأفضل، نحو الخير. بالسريانية الرجاء هو استبشار بالخير: ܣܒܪܐ ܣܘܒܪܐ ܣܒܪܬܐ: الرجاء،الاستبشار والبشرى، انه نفس الجذر للكلمات الثلاث.
الامل بشريٌّ، يُمكنُ ان يُخَيِّب! أما الرجاء فالهيٌّ لا يُخَيِّب، لانه ينبع من الإيمان بالله وبمحبته لنا، ويتحقق حتى عندما نخطأ لان الله برحمته الواسعة يُطوِّل باله علينا، نحن الذين نعدّ أنفسنا بناته وابناءه. رجاؤنا هو ان نفتح له قلوبنا ونتجه صوب الخير وليس صوب الشر. والرسالة الى أفسس تدعو الله: ” ان ينير قلوبكم لتُدركوا ما هو الرجاء” (1/18).
بالرجاء يمكن ان يتحول كلُّ ألم الى الخلاص. هذا ما تجسده العديد من المزامير التي نرتّلها يوميّاً: ” فإِنك أَنت أَيُّها السّيدُ رَجائي، وأَنت أَيُّها الرّب مُنذ صِبايَ مُعتمَدي” (مزمور 71/5)؛ “ إِلى اللّهِ وَحدَه اْطمَئِنِّي يا نَفْسي فإِنَّ مِنه رَجائي”(62/5)؛” أَنتَ سِتْري وتُرْسي وكلِمَتُكَ رَجائي” (119/114). لنتمسك بهذا الرجاء ولنثق به. يقول إبراهيم النثفري(القرن السادس):” إنسَ نفسَكَ أمام الله، ففيه تجدُ الراحة. فالرجاء يجعلُكَ أقوى” (ساكو اباؤنا السريان ص 251).
الرجاء ضّد كل رجاء
المؤمن “يرجو ضد كل رجاء” (رومية 4/ 18). فضيلة الرجاء هي ضد كل الآمال الزائفة التي تُغرينا وتشغلنا عن مواجهة الشر، وتبعدنا عن العالم الحقيقي، حيث ينتظرنا الله. كيف يمكنه أن ينقذنا إذا تعلقنا بهذه الامال الفارغة والتعزيات البشرية؟ رفض هذه الآمال الزائفة هو بالفعل عمل الرجاء. الرجاء نعمة متميزة، تحثنا على بذل الجهود لتذليل الصعوبات الحالية التي نواجهها. يقول بولس الرسول: “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني ” (فيليبي 4/ 13).
المسيح رجاؤنا
لم يترك الله البشرية يائسة. فهو يعمل من اجل ان يتحول كل عسر الى يسر مهما طال أمده. أذكر هنا رجاء ابرهيم والاباء والانبياء، وأخيراً في ملْ الزمن اكتمل الرجاء في المسيح مخلصنا. انه يسير معنا الى النهاية ” أكون معكم”. لذا علينا ان نثق به ونتكل عليه.
المسيح هو بشرى الرجاء للبشرية جمعاء: ” فقَد سَمِعتُم بِهذا الرَّجاءِ في كَلِمَةِ الحَقّ، أَي في البِشارةِ الَّتي وَصَلَت إِلَيكم” (كولوسي 1/5-6). و” المسيح مُؤتَمَنٌ على بَيتِه لِكَونِه ابنًا، ونَحنُ بَيتُه( اخوته)، إِنِ احتَفَظْنا بِالثِّقَةِ وفَخْرِ الرَّجاء” (عبرانيون 3/6).
الصليب الفارغ عربون رجائنا
صليب المسيح الفارغ في كنائسنا الكلدانية، رمزٌ للصليب الممجد، لان المصلوب عليه (المسيح) قام. وهو عربون رجائنا. القيامة كلمة رجاء لنا، وعلينا ان نكون شهودا للقبر الفارغ. كلمة الرجاء هي غلبة يسوع على الموت. فلتبق أعيوننا شاخصة عليه، لنستمد منه الرجاء: ” فإِذا كُنَّا نَتعَبُ ونُجاهِد فلأَنَّنا جَعَلْنا رَجاءَنا في اللهِ الحَيّ مُخلِّصِ النَّاسِ أَجمَعين ولاسِيَّما المُؤمِنين” (1 طيمثاوس 4/10).
الرجاء هو بوعد حضور الله معنا. انصتوا الى وعده لارميا النبي: “فإِنِّي ساكون مَعَكَ لِأُنقِذَكَ” (ارميا 1/8). وقول يسوع “أنا معكم كل الأيام” (متى 28/ 20).
الرجاء بانتصار الصليب يتحقق، شيئا فشيئا، وليس دفعة واحدة. لذلك علينا أن نتعامل مع الصعوبات التي نواجهها برجاء، ونقرأوها كعلامات أزمنة. الله يريد ان نلتقيه في العالم الحقيقي وليس الخيالي.
رجاء المسيحي والكنيسة هو رجاء الثقة والفرح (رومية 12/12) حتى في الألم، لان المجد المنتظر عظيم (2 قونثية4/17). الرجاء يعني عدم الخوف من رؤية الواقع كما هو بتناقضاته وصعوباته.
نظرتنا الايمانية ينبغي ان تتسم بالايجابية، فان الله في هذا الوقت المربك، يدعونا الى اظهار ايماننا والمثابرة على محبتنا والتمسك برجائنا بصبر كما يدعو مار بولس: ” كونوا فرحين في الرجاء” (رومية 12/ 12).
لنا مثال آخر لهذا الرجاء في امنا مريم ام الرجاء. إنها واقفة تحت الصليب وتنظر الى ابنها المصلوب برجاء، وليست منهارة ويائسة، بل واثقة. لنتمثل بهأ.
الرجاء بالحياة الأبدية
الحياة ليست أكلاً وشرباً وانجاباً، انما للحياة على الأرض بعدٌ آخر. الرجاء هو الايمان بالحياة الأبدية. والحياة الأبدية مشاركة سعيدة في حياة الله. تقول الرسالة الى تيطس:” مِن بولُسَ عَبدِ اللهِ ورَسولِ المسيحِ يسوعِ لِيَهدِيَ الَّذينَ اختَارَهُمُ الله إِلى الإِيمانِ ومَعرِفَةِ الحَقِّ المُوافِقَةِ لِلتَّقْوى مِن أَجْلِ رَجاءِ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتي وَعَدَ اللهُ بِها مُنذُ الأَزَل” ( 1/1-2).
الحياة الأبدية تبدأ منذ الان وتستمر إلى الأبد، وليست بعد موتنا. بموتنا نبلغ “الملء” اذا عشنا ايماننا بامانة وفرح. في ترنيمة صلاة الاحاد نرتل:” على رجاء الحياة الأبدية، لنقد قارب رجائنا بالحب والايمان الى ميناء الفرح” (الصلاة الرسمية حوذرا 1 ص 36)
الرجاء يجعلنا قادرين على القيام بالأفعال الأبدية. هذه الأفعال لها ثمار أبدية، لانها نابعة عن الحب. الموت يبطل الايمان والرجاء امام معاينة الله ووحدها المحبة تبقى(1 كورنتس 13/13).
يقول قورش الرهاوي(القرن السادس): “هذا التحول يحصل بالرجاء في المسيح” (ساكو اباؤنا السريان ص 261) و” ” لنا الرجاء باننا نقوم معه بعدما نموت”(ساكو اباؤنا السريان ص 264).
أما نرساي الملفان(القرن الخامس) فيقول: ” بموته نال البشر الرجاء المفرح بحياة خالدة” ( مقالة 24/22).
لذا الرجاء يحث على الصلاة لتساعدنا على الاستمرار في الرجاء، وفي المحبة الأخوية(1 بطرس 4/7-8، ويعقوب 5/8-9). الصلاة مصدر الرجاء الذي يزرع فينا الفرح. مثال الشهداء والقديسين الذين كانوا فرحين بموتهم- قربانهم، لكن أيضا لا ننسى كل الذين عاشوا وحققوا خيرا كبيرا للبشرية.
للمكرسين
يقول شمعون ده طيبوثيه(القرن السادس):” منذ أن تبدأ حياتك في الصومعة، إسع في تغيير العادات الطبيعية التي نشأت عليها بحياة جديدة، اي ابدأ العمل بالعمل، والمعرفة بالمعرفة، والرجاء بالرجاء( خطاب في الصومعة رقم38). اما اسحق النينوي فيؤكد أن: ” المكرس يتحسَّن بإقترابه من الله، ويثبُت على الرجاء العتيد، حينئذٍ يُبتَلَعُ (الخوفُ) بالمحبة (السيرة الكاملة ص 429-430). ويشددعلى ان على الراهب ان يعيش في اليقظة والرجاء والانتظار.
كيف نعيش الرجاء في سنة اليوبيل؟
شعار اليوبيل هو الرجاء. وفتح الباب المقدس هو بدء زمن الرجاء. واولى علامات الرجاء هو السلام في العالم، اختاره البابا فرنسيس لحاجة عالمنا الى الرجاء.
الرجاء يحمل لنا العزاء ويدفع كلَّ شيء إلى الأمام، لذلك لنُبقِ شعلته مضاءة في داخلنا، ونحمل نوره في ظلام عالمٍ، مشوش، ومنقسمٍ وجريح!
نحن مدعوون لاكتشاف كل يوم آفاق الرجاء في ظروفنا الصعبة وشعورنا بالخوف من المستقبل. على رعاة الكنيسة إحياء روحانية الرجاء من خلال وعظاتهم ورفع معنويات الناس المحبطة. كما على الرهبانيات (المكرسون والمكرسات) فعل الشيء نفسه من خلال نشاطاتهم المتعددة، ليطبقوا (فصل 25/ 31-46) من انجيل متى: كنت فقيرا، مريضا غريبا “الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه”(متى 25/40).
المحبة تجاه الفقراء ( بيوت الرعاية) والايتام ( المياتم) والارامل، وتدريب الشباب( المدارس) على الرجاء من اجل السلام والعيش المشترك، وتفكيك خطاب الكراهية، والمسنين الذين تحولوا من منتجين الى مستهلكين (حاليا عمر الانسان أطول بسبب وجود العناية الصحية)، والمهاجرين والعائلات التي تعيش نوعا من التفكك، والتشجيع على الانجاب لتعود الحياة الى عنفوانها، والاهتمام بنظافة البئة. هذا ما دعا اليه البابا فرنسيس قبل أسابيع.الرجاء مرساتنا كما هي للباخرة. لنعش هذا الرجاء في الصلاة إلى الله لكي يساعدنا على الاستمرار في الرجاء في تفاصيل حياتنا اليومية.
أقترح عليكم أن تبحثوا في العهد الجديد خصوصًا رسائل بولس عن كلمة الرّجاء، اجمعوها وتأمّلوا بها خلال سنة اليوبيل”.
وفي الختام، رفع المشاركون الصّلاة من أجل شفاء البابا فرنسيس.