استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في الفاتيكان أعضاء أخوية “رومينا” يتقدمهم مؤسس الجماعة والمسؤول عنها الأب لويجي فيردي. وجه الحبر الأعظم لضيوفه خطابا دعاهم فيه إلى الحفاظ دوماً على خبرات ثلاث ميزت الأخوية على مر السنين ألا وهي الضيافة، الرعاية والأخوة.
استهل البابا كلمته معرباً عن سروره للقاء الحاضرين وحيّا الأب فيردي وأعضاء الأخوية، شاكراً الجميع على زيارتهم التي تسمح لهم بالدخول في أجواء واحة السلام والروحانية التي هي أخوية رومينا. بعدها لفت الحبر الأعظم إلى أن ضيوفه يمثلون، منذ سنوات كثيرة، فسحة للجمال والبساطة والإصغاء، التي تساعد العديد من المسافرين والحجاج، خلال استراحتهم، على الغوص في أعماقهم، وعلى مقاسمة التساؤلات والمخاوف التي يحملونها في قلوبهم. ولفت إلى أن الكنيسة التي أبصرت فيها الأخوية النور تأسست في القرون الوسطى، وكانت منذ ذلك التاريخ محطة يجد فيها الحجاج الراحة ويمضون ليلتهم. وتابع البابا قائلا: إن الجماعة التي حلمتم بها والتي ساعدكم الروح القدس على إنجازها تقدم نفسها اليوم كفسحة للقاء والأخوة، تساعد الأشخاص المتعبين على استعادة نشاطهم، وعلى التمتع بجمال الطبيعة وبسحر الصمت وتساعد في البحث عن الله وفي استكمال المسيرة.
هذا ثم تحدث البابا عن كنيسة القديس بطرس في رومينا، مشيرا إلى أنه يفكر في أروقتها الثلاثة والنور الذي يدخل إليها من نوافذها الصغيرة. وقال إنه يود أن ينطلق من هذه الصورة ليفكر في ثلاث خبرات تسمح – في ضوء الإنجيل – بتبديد ظلمات الحياة بالنسبة للأشخاص الذين يتوقفون في رومينا. والخبرات الثلاث هي الضيافة، الرعاية والأخوة. في معرض حديثه عن الضيافة لفت البابا فرنسيس إلى أن أخوية رومينا أبصرت النور بروح الضيافة، كفسحة يشعر فيها أي شخص أنه في بيته، فكل واحد يأتي حاملا على كتفيه المشاكل التي يرزح تحتها ويرغب في إيجاد الراحة الجسدية والروحية، وفي تنشق عطر الإنجيل.
وذكّر الحبر الأعظم في هذا السياق بأن هذا هو صلب الخبر السار، ألا وهو محبة الله المجانية التي لا تضع شروطاً ولا تفرض أعباءً علينا، بل تستقبلنا وتحبنا بمجانية. وشاء فرنسيس هنا أن يذكّر بكلمات الأب فانّوتشي الذي قال إنه قبل أن نوجد، ووسط صمت عالم العدم، لقد أحبتنا محبةٌ قامت بلفظ أسمائنا. هل تساءلتم مرة عما إذا كان الله يحبكم؟ مهما كان واقعنا إن الله يحبنا، ونحن ثمرة محبة لا متناهية، التي هي محبة الله. وشجع الحبر الأعظم ضيوفه على عدم فقدان هذا الروح، طالباً منهم أن يعملوا دوماً كي ينمّوا نمط الانفتاح والضيافة هذا، ويبقوا واحة للحرية التي تعبّر عن محبة الله اللامتناهية والمجانية تجاه كل خليقة.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن الخبرة الثانية ألا وهي الرعاية. وقال إن هذه العبارة تحملنا على التفكير برأفة يسوع وبمشاعره المتأججة حيال آلام العالم، وبمشاركته الداخلية التي تحمله على البكاء مع الباكين. وبهذه الطريقة مارس ابن الله وجسّد حنان الآب الذي يعتني بنا وبجراحنا الجسدية والروحية. وأضاف البابا أن الاعتناء بالجراح يكمن في صلب عمل يسوع، وهذا هو النهج الذي تسير عليه أخوية رومينا.
وأراد فرنسيس في هذا السياق أن يذكّر بالخدمة التي تقدمها مجموعة “نائين” التي تستقبل وترافق الوالدين الذين عاشوا مأساة فقدان أبنائهم. وقال البابا إنها مأساة رهيبة لا يمكن أن تُقابل بكلمات فارغة أو أجوبة سطحية. إذ لا بد أن نبكي معهم ونحمل معاً صرخة الألم إلى يسوع الذي شعر بالرأفة في قرية “نائين” حيال أرملة فقدت ابنها. وأكد البابا أن هذه هي دعوة أخوية رومينا، لافتا إلى أن كنيسة القديس بطرس في رومينا بُنيت في زمن المجاعة والأزمات، كي تكون نوراً صغيرا وسط العتمة في تلك الحقبة التاريخية. والجماعة تذكرنا بأن كوننا مسيحيين يتطلب منا الاعتناء بالجريح والمتألم، كي نضيء أنواراً صغيرة وسط الضياع. وشكر البابا الجميع على النشاط الذي يقومون به.
هذا ثم تطرق الحبر الأعظم إلى الخبرة الثالثة والأخيرة ألا وهي الأخوة التي تشكل قلب نمط الحياة الذي يميز الأخوية. وقال إنه من خلال بساطة العمل في الأرض والتأمل في الخليقة والوعي الإنجيلي تقدم الأخوية لكل شخص يزورها فسحة للأخوة حيث ينمّى جمال التعايش وحيث يُكتشف وجه الأخ الذي ينبغي أن يُحب. واعتبر أن الأخوية مدعوة إلى تحقيق الحلم في عالم أخوي ومتضامن، وإلى زرع بذور السلام والصداقة المجتمعية.
وأضاف فرنسيس أن عالم اليوم المطبوع بالعنف والصراعات هو بأمس الحاجة إلى ذلك، لذا شجع ضيوفه على الاستمرار في ممارسة الضيافة الأخوية وفي توفير فسحة يرتاح فيها كل إنسان ويشعر بأنه محبوب من قبل الله، ومن قبل أخوة كونية، تلك التي شاء الآب أن يحققها من خلال يسوع والتي يدعونا الرب إلى بنائها معه بمعونة الروح القدس. وذكّر الحبر الأعظم الحاضرين بأن مؤسسهم يقول دائماً إن الحياة قصيرة جداً لنكون أنانيين. في ختام كلمته إلى أعضاء أخوية رومينا تمنى فرنسيس أن يتمكن ضيوفه من تحقيق هذا الحلم ومنح الجميع بركاته الرسولية سائلا العذراء مريم أن ترافقهم وطلب منهم أن يصلوا من أجله.