افتتح رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر السنة اليوبيليَّة ٢٠٢٥ – حجّاج الرجاء، في قدّاس إلهي احتفل به في كاتدرائيّة مار جرجس في بيروت عاونه فيه النائب العام المونسنيور اغناطيوس الأسمر والنائب الأسقفي لشؤون القطاعات المونسنيور بيار أبي صالح وأمين سرّ المطرانيّة الخوري شربل شدياق ومعاون خادم الكاتدرائيّة الخوري جورج قليعاني، بمشاركة المطران بولس مطر ولفيف من الكهنة والآباء رؤساء الأديار والرهبان الذين يخدمون رعايا الأبرشيّة، وبحضور الرئيسة العامة لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات الأم ماري أنطوانيت سعادة، والرئيسة العامة للراهبات الأنطونيات المارونيّات الأم نزها الخوري، والرئيسة العامة لجمعيّة راهبات القلبين الأقدسين ليسوع ومريم الأم برناديت رحيّم، والرئيسة الاقليميّة لراهبات المحبّة في لبنان والشرق الأوسط الأخت لوريس عبيد، والمسؤولة عن جمعيات مرسلات المحبّة الأم ماريا، وعدد من الراهبات، والنواب ألان عون وفريد البستاني والياس حنكش وجهاد بقرادوني وهاكوب تريزيان وملحم خلف وابراهيم كنعان ممثلًا بالأستاذ بول كنعان، ورئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، ورئيس أمن الأشرفية في مخابرات بيروت العميد رمزي النجار، ورئيس بلديّة الحدت – سبنيه – حارة البطم جورج عون، ورئيس بلدية الحازميّة جان الأسمر، ورئيس المجلس العام الماروني ميشال متى وأعضاء المجلس، ورئيس جامعة الحكمة البروفيسور جورج نعمة وأعضاء مجلس الجامعة وأفراد من الهيئتين الإداريّة والتعليميّة، ورئيسة مدرسة الحكمة بيروت السيّدة نادين أبي راشد إسبر، ورئيسة مدرسة الحكمة – جديدة المتن السيّدة ألين أبي حنا نقولا، وأعضاء الهيئات الإداريّة والتعليميّة في مدارس ومعهد الحكمة، ورئيسة مدرسة القلبين الأقدسين – السيوفي الأخت إيلين ريشا، ومديري المستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي الأخت هاديا أبي شبلي والبروفيسور بيار يارد، وعدد من الأطباء والموظفين فيها، ومدير عام مستشفى أوتيل ديو المهندس نسيب نصر، ومسؤولة المكتب الاجتماعي في مستشفى قلب يسوع الأخت لميا تامر، ومسؤولي المكاتب واللجان والراعويّات وأعضائها، وموظفي المطرانيّة والمؤسسات الإداريّة التابعة لها، وأعضاء المجالس الرعويّة ولجان الأوقاف، وحشد من أبناء الرعايا والمؤمنين.
بدأ الاحتفال برتبة افتتاح اليوبيل والحج خلف الصليب وتجديد مواعيد العماد والنضح بالماء المبارك، وبتقادم ثلاث: البوق كرمز لصوت الرجاء الذي يعلن للكنيسة بداية اليوبيل المقدس، والمرساة كرمز للرجاء الثابت الذي يثبتنا في حبّ الربّ، والشعلة كرمز للنور الذي يبدّد الظلام ويضيء طريق الرجاء.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها: “ها نحن نلتقي في هذا المساء وفي هذه الكاتدرائية، لنعيش معًا والكنيسة جمعاء بداية سنة يوبيلية ارادها البابا فرنسيس تحت عنوان “حجاج الرجاء”. وعيش سنة يوبيلية كان تقليدًا عبريًّا قبل أن يصير أيضًا مسيحيًّا. فالشعب العبراني الذي اختاره الله، بحسب العهد القديم، ليكون شعبًا له وينشر عبادة الله الواحد بين الشعوب الوثنية كان يحتفل بالسنة اليوبيليَّة كل تسع وأربعين سنة فتكون السنة اليوبيلية هي السنة الخمسون.
وكانت تبدأ هذه السنة بالنفخ في قرن الخروف، ومن هنا أصل التسمية، وهي سنة راحة، يرتاح فيها الإنسان والحيوان والأرض. فالإنسان لا يزرع ولا يحصد والثور لا يفلح والأرض لا تُنقب ولا تُزرع. وخلف هذه الراحة والتوقف عن العمل إيمان بأن الله يرعى شعبه وهو قادر على العناية به وإطعامه حين يتوقف عن العمل. وهذه الراحة هي تذكير للإنسان بأن حياته ليست ثمرة تعبه فقط بل هي أيضًا عطيَّة من الله. وهذه الراحة هي تنبيه له حتى لا يحوِّل العمل ذاته إلى إلهٍ يُضحي بحياته كلِّها أمامه.
أما عدم زراعة الأرض والتوقف عن استغلالها فهما أيضًا لإراحتها وللتذكير بأنَّها ملك الرب الخالق الذي وضعها بين أيدينا لنعتني بها ونحافظ عليها ونأكل من ثمرها. وكذلك بالنسبة إلى الحيوان.
وفي السنة اليوبيليَّة يرتاح المؤمن أيضًا ليكرّس وقتًا أطول للتقرّب من الله وللصلاة وليمضي أيامه مع أهله وأحبائه فيعتني بزوجته ويحبها ويربي أولاده ويخدم والديه.
وفي هذه السنة أخيرًا، يُعفى المديون من دينه وتردّ الأرض المرهونة لصاحبها وذلك أولاً للتأكيد على أنَّ الأرض وكلَّ ما عليها هي ملك الله وليس الإنسان وليتسنى للإنسان المقهور أو المستعبد بسبب دين عليه أن تكون له بداية جديدة ينطلق منها إلى حياة جديدة يعيشها بشكل أفضل وبحكمة أكبر.
وباختصار: إنَّ السنة اليوبيلية التي عاشها المسيحيون مرات ومرات والتي يدعونا قداسة البابا فرنسيس إلى عيشها سنة ٢٠٢٥ هي للتأكيد بأنَّ لله الأرض وما عليها وأنه الخالق والراعي والمدبّر لشعبه. وهي دعوة إلى تكريس وقت أطول للتقرّب من الله والآخر وإلى العناية بالقريب وبالأرض والحيوانات التي عليها.
احتفالنا هذا المساء بسنة اليوبيل هو أيضًا اعتراضنا على الذهنية السائدة في عالم اليوم. هذه الذهنيّة التي تقيّم الإنسان بمدى إنتاجيَّته والتي وصفها البابا فرنسيس بثقافة النفاية لأنها تعتبر العجوز والمريض والضعيف عبئًا وتهملهم كالنفاية لأنهم لا يُنتجون. أمّا نحن فإننا نرى في العجوز أصلنا وتاريخنا وحكمتنا وفي المريض مصدر إيمان ورجاء ومنبع صلاة وفي الضعيف صورة الربّ المعلَّق على الصليب والمنتصر على الموت.
احتفالنا في هذا المساء هو تأكيدنا على أن تكديس المال وتجميع الممتلكات ليسا أهمَّ من الإنسان ولا من الأرض ولا يجب أن يكونا غايتنا وهدف حياتنا بل غايتنا هي محبة الله والقريب. إنه تأكيدنا على أنَّ كلَّ ما لدينا هو عطيَّة من الرب ونحن لسنا سوى وكلاء عليه ولا يحق لنا أن نستعمله إلا من أجل خير الإنسان، كلِّ إنسان ويجب أن نتقاسمه والمعوز أيًا من كان.
إخوتي وأخواتي، لقاؤنا في هذه الكاتدرائية هو إعلان لرجائنا الثابت على يسوع المسيح الإله المتجسد القائم من الموت ومخلصنا الوحيد. وفي هذا المساء أقول لكم:
لا تخافوا! فالشرَّ لن ينتصر لأننا نحن الحاضرين ههنا سنعمل من أجل الخير كلَّ يوم وحيثما وجدنا.
لا تخافوا! فالبغض والحقد لن يغلبا لأننا نحن الحاضرين ههنا سنحب وسنسامح القريب والبعيد، الصديق والعدو.
لا تخافوا! لأن التعصب لن يفوز لأننا نحن الحاضرين ههنا سنقبل الآخر على تمايزه وسنبني معه الجسور.
لا تخافوا! لن نزول أو نفنى لأننا جسد المسيح السري الذي لا يزول ولا يفنى.
إخوتي وأخواتي، فلنجدِّد توبتنا ولنذهب ولننشر الرجاء والفرح والحياة حيثما حللنا. لنصلِ ولنصلِ طويلاً ولندعِ الروح يقدسنا. لنحافظ على عطايا الله ولنستعملها لما فيه خير العالم. لنبتعد عن عبادة المال والأملاك ولنسخّرهم في نمو الإنسان وسلامة حياته. لنردَّ لله قليلاً مما أعطانا ولنرفع إليه المجد صبحًا ومساء”.
وفي ختام القدّاس الذي خدمته جوقة رعيّة مار يوسف – بيروت، التقى المطران عبد الساتر الجمع الحاضر متقبّلًا التهاني بالأعياد المجيدة.