“إنَّ الذي يحمي يعرف أنه لا يمكن قبول الصمت أو التكتم في موضوع الإنتهاكات وأنه من المهم أن نسعى إلى التحقق من الحقيقة وإعادة إرساء العدالة داخل الجماعة الكنسيّة، حتى في تلك الحالات التي لا تُعتبرُ فيها بعض السلوكيات جرائم بموجب قانون الدولة، ولكنها جرائم بموجب القانون الكنسي” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في اللقاء الأول لشبكة مجلس أساقفة إيطاليا لحماية القاصرين والأشخاص الضعفاء
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في اللقاء الأول لشبكة مجلس أساقفة إيطاليا لحماية القاصرين والأشخاص الضعفاء وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أرحب بكم في ختام لقائكم الوطني الأول، في اليوم الذي تشارك فيه جميع الجماعات الكنسية في إيطاليا، للسنة الثالثة، في الصلاة وطلب المغفرة والتوعية بهذا الواقع المؤلم. وهذا أمر مهم: مشاركة شعب الله بأسره. وأهنئكم أيضًا لأنكم استجبتم لدعوتي بسرعة من خلال التقرير عن شبكتكم الإقليمية.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد اخترتم لهذا اللقاء موضوع الجمال الجريح. “سأَلأَمُ جرحَك وأشفيكَ من ضرباتك”. في خدمتكم، اسمحوا بأن يقودكم هذا اليقين الذي أعلنه النبي إرميا: إنَّ الرب مستعد لكي يشفي كل الجراح، حتى تلك العميقة. ولكن لكي يحدث هذا، من الضروري أن نتوب ونعترف بنقائصنا. لا يمكننا أن نتوقف عن العمل من أجل حماية القاصرين والضعفاء، وفي الوقت نفسه، عن مكافحة أي شكل من أشكال سوء المعاملة، سواء كانت جنسية أو سوء استعمال للسلطة أو للضمير. وفي هذا الصدد، أود أن أقترح ثلاثة أفعال يمكنها أن ترشدكم في كل مبادرة: الحماية، والاصغاء، والعلاج.
أضاف الأب الأقدس يقول أولاً الحماية: المشاركة بشكل فعال في آلام الأشخاص الذين جُرحوا والعمل لكي تكون الجماعة بأكملها مسؤولة عن حماية القاصرين والأشخاص الأكثر ضعفاً. على الجماعة المسيحية برمتها، في غنى مكوناتها ومواهبها، أن تُشارك لأن عمل الحماية هو جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة في بناء ملكوت الله. إنَّ الحماية تعني توجيه القلب والنظر والعمل لصالح الصغار والعُزَّل. وهي مسيرة تتطلب التجديد الداخلي والجماعي، في العدالة والحقيقة. إنَّ الذي يحمي يعرف أنه لا يمكن قبول الصمت أو التكتم في موضوع الإنتهاكات وأنه من المهم أن نسعى إلى التحقق من الحقيقة وإعادة إرساء العدالة داخل الجماعة الكنسيّة، حتى في تلك الحالات التي لا تُعتبرُ فيها بعض السلوكيات جرائم بموجب قانون الدولة، ولكنها جرائم بموجب القانون الكنسي. إنَّ الحماية تعني أيضًا الوقاية من فرص الشر، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نشاط تنشئة مستمر يهدف إلى نشر الوعي والاهتمام بحماية الأشخاص الأكثر هشاشة.
تابع الحبر الأعظم يقول العنصر الثاني هو الاصغاء. لكي نحمي، علينا أن نعرف كيف نصغي، وأن نضع جانبًا جميع أشكال النزعات البطولية والمصالح الشخصية. الإصغاء هو حركة القلب وهو أيضًا خيار أساسي لكي نضع في محور كل عمل من أعمالنا الأشخاص الذين تألّموا أو ما زالوا يتألمون والأشخاص الأكثر ضعفًا وهشاشة. لنفكر في يسوع الذي يستقبل الأطفال وجميع “الصغار”. إن الاصغاء إلى الضحايا هو الخطوة الضرورية لتنمية ثقافة الوقاية، والتي تتجسد في تنشئة الجماعة بأسرها، وفي تنفيذ الإجراءات والممارسات الجيدة، وفي اليقظة ووضوح العمل الذي يبني الثقة ويجددها. وحده الاصغاء إلى آلام الأشخاص الذين عانوا من هذه الجرائم الفظيعة يفتح على التضامن ويدفعنا إلى بذل كل ما في وسعنا لضمان عدم تكرار الانتهاكات. هذه هي الطريقة الوحيدة لكي نشارك حقًّا ما حدث في حياة الضحية، فنشعر هكذا بأننا مدعوون إلى تجدد شخصي جماعي. نحن مدعوون إلى رد فعل أخلاقي، ولكي نعزز القرب ونشهد له إزاء الذين جُرحوا بسبب الانتهاكات. أن نعرف كيف نصغي هو اعتناء بالضحايا. إن ترميم أنسجة التاريخ الممزقة هو عمل فدائي، إنه عمل العبد المتألم، الذي لم يتجنب الألم، بل أخذ على عاتقه كل ذنب. هذا هو درب التعويض والفداء: درب صليب المسيح.
أضاف الأب الأقدس يقول إن العلاج ممكن فقط من خلال اتباع درب الحماية والإصغاء. لقد انتشرت في هذا الزمن ثقافة الإقصاء، على عكس ما يقوله الإنجيل؛ ولذلك على جماعاتنا أن تكون بمثابة استفزاز صحي للمجتمع، من خلال قدرتها على تحمل أخطاء الماضي وفتح مسارات جديدة. إنَّ “علاج” الجراح هو أيضًا عمل عدالة. ولهذا السبب بالتحديد، من الأهميّة بمكان أن يصار إلى محاكمة مرتكبي هذه الجرائم، ولاسيما في السياقات الكنسية. ولديهمهم أيضًا واجب أخلاقي يتمثل في ارتداد شخصي عميق، يؤدي إلى الاعتراف بعد أمانتهم لدعوتهم، واستئناف الحياة الروحية وطلب المغفرة المتواضعة من الضحايا على أفعالهم.
تابع الحبر الأعظم يقول لذلك أعبر عن تقديري للواقع الذي تمثلونه، وخدمات حماية القاصرين ومراكز الاصغاء المنتشرة في جميع أنحاء البلاد كأماكن يمكن اللجوء إليها للعثور على آذان صاغية. استمروا في بذل جميع الجهود الضرورية. واحذروا أيضًا من أمر سيء للغاية، وهو الأفلام الإباحية التي يتمُّ فيها استغلال الأطفال. هذا الأمر يحدث، وهو في متناول أي شخص يدفع عبر هاتفه المحمول. أين تصنع هذه الأفلام؟ من هو المسؤول؟ في أي بلد؟ من فضلكم، اعملوا على هذا: إنها معركة علينا أن نخوضها ضدّ هذه الأشياء السيئة التي تنتشر عبر الهواتف المحمولة. استمروا في بذل جميع الجهود الضرورية لكي يتمكن جميع الذين جرحتهم آفة الانتهاكات من أن يشعروا بأنهم أحرار في التوجه بثقة إلى مراكز الاصغاء، ويجدوا ذلك الاستقبال والدعم اللذين يمكنهما أن يطيِّبا جراحهم ويجددوا الثقة التي فقدوها. إنَّ العلاج يعني مشاركة الشغف والمهارات الكنسية مع الالتزام بتنشئة أكبر عدد ممكن من العاملين الرعويين. بهذه الطريقة، يتم تعزيز تغيير ثقافي حقيقي يضع الصغار والأكثر ضعفًا في محور الكنيسة والمجتمع. يمكن لعملكم الكنسي هذا أن يعزز نموَّ الاهتمام في المجتمع الإيطالي بأسره بهذا الوباء الذي يطال للأسف الكثير من القاصرين والبالغين.
أضاف البابا يقول إن نتائج الاستطلاع حول نشاطات الخدمات والمراكز التي سلمتموها لي اليوم تسلط الضوء على الخير الكبير الذي تقومون به في المنطقة، من خلال الاقتراب من الذين عانوا من جراح مُممزِّقة. إن ما تقومون به هو ثمين بالنسبة للضحايا وللجماعة الكنسيّة بأكمله. وهذه الصفحات تظهر الشهادة على التزام مستمر ومشترك. هذا هو الدرب لخلق الثقة، الثقة التي تؤدي إلى تجديد حقيقي.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أخيرًا، أود أن أشكركم على الدعم الذي تقدمونه للمجالس الأسقفية الأخرى؛ وكذلك على الدعم لمخططات اللجنة البابوية لحماية القاصرين تجاه تلك البلدان، ولاسيما البلدان النامية، التي لديها موارد شحيحة للوقاية وتطبيق سياسات الحماية. تسيروا قدمًا! أنا قريب منكم في عملكم وأبارككم من كلِّ قلبي. أصلي من أجلكم، لأن عملكم ليس سهلا؛ وأنتم، من فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي، لأن وظيفتي أيضًا ليست سهلة!