استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في الفاتيكان المشاركين في الندوة العالمية للجامعات حول موضوع “خدمة التعليم والميثاق التربوي العالمي”، ووجه لهم كلمة سلط فيها الضوء على فن طرح الأسئلة وتوقف عند المشهد الأخير من فيلم “مجتمع الشعراء الأموات” عندما صعد الطلاب على طاولاتهم ليبدلوا وجهات النظر، لافتا إلى أنهم مثال لتربية تبدل الحياة ولا تقتصر فقط على نقل المضامين.
تحدث البابا في كلمته عن ثقافة الفضول التي تختلف تماما عن ثقافة الثرثرة لكونها تثمن فن طرح الأسئلة، وهذا ما يعلمنا إياه الأطفال في سن الـ”لماذا” عندما يستفسرون من الوالدين عن كل شيء. وطلب من المشاركين في الندوة أن يتكلموا دائماً بواسطة القلب وأن يكونوا دوماً مستعدين للدفاع عن أنفسهم إزاء الأيديولوجيات الراهنة، التي هي العدو اللدود لمسيرة النضوج.
بعدها توقف الحبر الأعظم عند اهتمام الكنيسة بهذا الموضوع الذي يناقشه المشاركون في اللقاء والذي يهدف، كما قال فرنسيس، إلى تعزيز أسلوب تربوي مرتبط بالخدمة، وإرساء أسس المسؤولية الجماعية للطلاب من خلال مشاريع اجتماعية، تكون جزءا لا يتجزأ من مسيرتهم الأكاديمية.
في هذا السياق شاء البابا أن يتوقف عند الفيلم الأمريكي الشهير “مجتمع الشعراء الأموات” الذي يتحدث عن طلاب يترددون إلى مدرسة ثانوية مرموقة في “نيو إنغلاند” ويدرسهم أستاذ فريد من نوعه مادة الآداب، وذكّر فرنسيس بالمشهد الأخير لهذا الفيلم عندما يصعد الطلاب على طاولاتهم لينظروا إلى قاعة الدراسة من وجهة نظر مختلفة. وأضاف البابا أن التربية ينبغي ألا تقتصر على نقل المعلومات والمضامين وحسب، إذ لا بد أن تبدل حياة الأشخاص. وهي ليست عبارة عن ترداد كالببغاء، بل تدريب على رؤية العالم وتعقيداته.
لم تخل كلمات البابا من الحديث عن النمط التربوي الذي اختاره الرب يسوع، إذ استخدم الأمثال في تعاليمه، وهي وسيلة بسيطة وبمتناول الجميع، وتسمح للمستمع أن يدخل في صلب الرواية ويتفاعل مع شخصياتها. وبهذه الطريقة، قال فرنسيس، شاء يسوع ألا يقتصر دور المستمع على كونه متلقي الرسالة وحسب، إذ يتعين عليه أن يتفاعل معها في المقام الأول.
بعدها حذر الحبر الأعظم من المصالح السياسية والاقتصادية التي تسببها ظاهرة العولمة الراهنة، وتؤدي إلى تجانس في البرامج، وهذا الأمر يحمل في طياته تكييفا أيديولوجيا يزيّف العمل التربوي، ويجعل منه أداة لغايات مختلفة تماماً عن تعزيز الكرامة البشرية والبحث عن الحقيقة. وأضاف أن الأيديولوجية تحجّم الإنسان دائماً ولا تسمح له بالنمو والتطور، من هذا المنطلق لا بد أن نكون حذرين وندافع عن أنفسنا من الأيديولوجيات الراهنة.
هذا ثم شاء البابا أن يشيد بالجهود التي تبذلها شبكة الجامعات في وسط أمريكا اللاتينية الساعية إلى تعزيز خدمة التعليم على صعيد التعليم العالي الكاثوليكي، لافتا إلى أن هذا الأمر يتطلب نمطاً تربوياً وتعليماً منسجماً مع الإنجيل، وأوضح أن هذه ليست أيديولوجية إنجيلية إنما هي أنسنة بحسب الإنجيل. وعلما أن هذه الرسالة التي تقوم بها الجامعات انضمت إلى الميثاق التربوي العالمي، وهي مبادرة أطلقها البابا فرنسيس في العام ٢٠١٩ تهدف إلى إعادة إحياء الالتزام من أجل ومع الأجيال الفتية، وتجديد الشغف حيال تربية أكثر انفتاحا واشتمالا، قادرة على الإصغاء الصبور، والحوار والبناء والتفاهم المتبادل، أشار البابا إلى أن هذا يصبح ممكناً إذا ما عملنا بحسب المثل الأفريقي الشهير القائل: إن تربية طفل واحد تتطلب قرية بكاملها. من هذا المنطلق دعا فرنسيس إلى بناء قرية التربية، حيث نتقاسم الالتزام في تعزيز العلاقات الإنسانية الإيجابية والثقافية الأصيلة.
أكد الحبر الأعظم أنه من الواضح أن التربية تصبح نشاطاً يتخطى قاعات المدرسة والمكتبات، لأنها تستمر في الحياة وفي اللقاءات وفي الطرقات التي نسلكها كل يوم. وأضاف أن درب التعليم تتطلب الإصغاء إلى الآخر وممارسة الحوار، قائلا إن هذا التحالف المطلوب يولّد السلام والعدالة والضيافة، ويعزز الحوار بين الأديان والاعتناء ببيتنا المشترك.
في ختام كلمته إلى المشاركين في الندوة العالمية شجع البابا فرنسيس ضيوفه على التكلم بواسطة القلب، لأنه من خلال القلب فقط سوف تتمكن جماعاتنا من توحيد الذكاء والإرادة كي يتمكن الروح القدس من قيادة خطواتنا كشبكة من الأخوة.