البابا فرنسيس: الصلاة المسيحيّة ليست أن نتكلم مع الله من طرف واحد، وإنما الله هو الذي يصلّي فينا!

“إنَّ الروح القدس يشفع ويعلمنا أيضًا أن نشفع بدورنا من أجل إخوتنا وأخواتنا؛ هو يعلمنا صلاة الشفاعة. هذه الصلاة هي مرضية لله بشكل خاص لأنها صلاة مجانية وبدون مصالح” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في مقابلته العامة مع المؤمنين
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول إن عمل الروح القدس التقديسي، بالإضافة إلى كلمة الله والأسرار المقدسة، يتم التعبير عنه في الصلاة، وهذا ما نود أن نخصص له تأمل اليوم. إنَّ الروح القدس هو في الوقت عينه رائد الصلاة المسيحية وموضوعها. أي أنه هو الذي يعطي الصلاة وهو الذي يُعطى بالصلاة. نحن نصلّي لكي ننال الروح القدس، ونحن ننال الروح القدس لكي نصلّي حقاً، أي كأبناء لله، وليس كعبيد.
أولاً تابع البابا فرنسيس يقول، علينا أن نصلّي لننال الروح القدس. في هذا الصدد، هناك كلمة دقيقة جدًا ليسوع في الإنجيل: “فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة لأبنائكم، فما أولى أباكم السماوي بأن يهب الروح القدس للذين يسألونه”. في العهد الجديد نرى الروح القدس ينزل دائمًا أثناء الصلاة. نزل على يسوع في المعمودية في الأردن بينما “كان يصلي”؛ ونزل على التلاميذ في يوم العنصرة بينما “كانوا يواظبون جميعا على الصلاة بقلب واحد”.
تابع البابا فرنسيس يقول إنها “السلطة” الوحيدة التي نملكها على روح الله. على جبل الكرمل، كان أنبياء البعل الكذبة يرقصون لكي يُنزلوا نارًا من السماء على ذبيحتهم، ولكن لم يحدث شيء؛ أما إيليا فصلى ونزلت النار وأكلت المحرقة. والكنيسة تتبع هذا المثال بأمانة: فهي تضع على شفتيها على الدوام التضرع “تعال!”، في كلِّ مرّة تتوجّه فيها إلى الروح القدس. وهي تفعل ذلك بشكل خاص في القداس لكي ينزل كالندى ويقدّس الخبز والخمر من أجل الذبيحة الإفخارستية.
ولكن أضاف الأب الأقدس يقول هناك أيضاً الجانب الآخر، وهو الأهم والأكثر تشجيعاً لنا: الروح القدس هو الذي يعطينا الصلاة الحقيقية. وكذلك فإن الروح أيضا – يؤكد القديس بولس – يأتي لنجدة ضعفنا لأننا لا نحسن الصلاة كما يجب، ولكن الروح نفسه يشفع لنا بأنات لا توصف. والذي يختبر القلوب يعلم ما هو نزوع الروح فإنه يشفع للقديسين بما يوافق مشيئة الله”. صحيح أننا لا نعرف كيف نصلي. وسبب هذا الضعف في صلاتنا تمَّ التعبير عنه في الماضي بكلمة واحدة، استُعملت في ثلاث طرق مختلفة: صفة واسمًا وظرفًا. من السهل أن نتذكّر هذه الكلمة حتى لمن لا يعرف اللغة اللاتينية، وهي جديرة بأن تُذكر، لأنها وحدها تحتوي على أطروحة كاملة. نحن البشر، كما يقول المثل: ” mali, mala, male petimus”، أي: لكوننا أشرار (mali)، نطلب الأشياء الخاطئة (mala) وبالطريقة الخاطئة (male). يقول يسوع: “اطلبوا أولا ملكوت الله وبره تزادوا هذا كله”؛ أما نحن، من جهة أخرى، فنطلب الزائد أولاً، أي مصالحنا الخاصة، وننسى أن نطلب ملكوت الله.
تابع الحبر الأعظم يقول إنَّ الروح القدس يأتي، نعم، لنجدة ضعفنا، لكنه يفعل شيئًا مهمًّا جدًّا أيضًا: هو يشهد أننا أبناء الله ويضع على شفاهنا الصرخة: “أبا، يا أبت!”. لأن الصلاة المسيحيّة ليست أن نتكلّم مع الله من طرف واحد، لا، وإنما الله هو الذي يصلّي فينا! نحن نصلّي إلى الله من خلال الله. في الصلاة تحديدًا يُظهر الروح القدس نفسه كـ “بارقليط”، أي محامٍ ومدافع. هو لا يتهمنا أمام الآب، بل يدافع عنا. نعم، هو يقنعنا بحقيقة أننا خطأة، ولكنه يفعل ذلك لكي يجعلنا نتذوق فرح رحمة الآب، لا لكي يدمّرنا بمشاعر الذنب العميقة؛ وحتى عندما توبخنا قلوبنا على شيء ما، هو يذكرنا بأن “الله هو أكبر من قلوبنا”.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إنَّ الروح القدس يشفع ويعلمنا أيضًا أن نشفع بدورنا من أجل إخوتنا وأخواتنا؛ هو يعلمنا صلاة الشفاعة. هذه الصلاة هي مرضية لله بشكل خاص لأنها صلاة مجانية وبدون مصالح. فعندما يصلي كل فردٍ من أجل الجميع، يحدث – كما لاحظ القديس أمبروسيوس – أن يصلي الجميع من أجل الجميع؛ فتتضاعف الصلاة. إنها مهمة ثمينة وضرورية جدًا في الكنيسة، لاسيما في زمن الاستعداد لليوبيل: أن نتحد بالبارقليط الذي “يشفع فينا جميعًا بحسب مخطط الله”.