في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر يوم الأحد 6 تشرين الأول 2024، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الرابع بعد عيد الصليب، ورفع الصلاة من أجل انتهاء الحرب وإحلال السلام والأمان في لبنان، وذلك في كنيسة رعية سيّدة النجاة في بروكسيل – بلجيكا.
شارك في القداس صاحب السيادة Franco COPPOLA السفير البابوي في بلجيكا وكولسمبورغ، وصاحب السيادة مار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب توما حبّابة كاهن رعية سيّدة النجاة في بروكسيل، والأب اليان غانم كاهن رعية هاسّيلت، والأب شربل الحاج رئيس دير مار شربل للرهبانية اللبنانية المارونية في بروكسيل، والأب أنطوان بشعلاني، والأب مارون توما. وخدم القداس شمامسة الرعية، وأدّت الترانيم جوقة سيّدة النجاة، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء رعية سيّدة النجاة في بروكسيل ومن مختلف المدن في بلجيكا، والذين قَدِموا بلهفة بنوية لنيل بركة غبطته.
كما حضر القداس سعادة رئيس البعثة الديبلوماسية الدائمة السورية لدى الاتّحاد الأوروبي عمّار العرسان، وسعادة القنصل العراقي في بلجيكا والاتّحاد الأوروبي حيدر حسن، وسعادة قنصل لبنان والسكرتير الأول في السفارة اللبنانية في بلجيكا والاتّحاد الأوروبي ولوكسمبورغ مايا سماحة ممثّلةً سعادة السفير فادي الحاج علي، وعمدة منطقة Woluwe Saint Lambert في بروكسيل السيّد Olivier MAINGAIN، ورئيس رابطة المغتربين السوريين في بلجيكا ولوكسمبورغ أنطوان قسّيس.
بدايةً استُقبِل غبطتُه أمام المدخل الخارجي للكنيسة من قِبَل الفرقة النحاسية في حركة مار فرنسيس الكشفية في رعية سيّدة النجاة، فأدّت الفرقة نشيد الترحيب برؤساء الأحبار. ثمّ دخل غبطته إلى الكنيسة بموكب حبري مهيب، مباركاً المؤمنين.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة البطريرك كلامه شاكراً الأب توما حبّابة على كلمات الترحيب اللطيفة والتمنّيات التي قدّمَها باسم هذه الرعية المباركة، وقال: “سمعنا، أيّها المبارَكون بالرب، كلمات مار بولس الرسول، بولس الذي، على طريق دمشق، تعرّف على الرب يسوع، ومن يهودي فرّيسي، ابن للديانة اليهودية، والذي كان يضطهد المسيحيين، أصبح رسولاً عظيماً، لا بل أحد هامتَي الرسل مع مار بطرس. يذكّرنا طريق دمشق أيضاً بالمعاناة التي ظلّ المسيحيون يعانونها في الشرق الأوسط، وبولس الرسول يذكّرنا أنّ إيماننا يطلب منّا أن نعيش المحبّة الحقيقية للرب يسوع، والأمانة له وللكنيسة، رغم كلّ الصعاب والمآسي”.
ونوّه غبطته إلى أنّه “في الإنجيل المقدس يعلن مار لوقا كلمات يسوع، بأنّ علينا أن نكون مستعدّين كي نتبع الرب يسوع، أولاً على طريق الآلام، إلى الصليب، حتّى مجد القيامة. وأنتم، أيّها الأحبّاء، من عانى الكثير، ومن ترك كلّ شيء في بلادنا في الشرق الأوسط حيث نشأتم، وذلك أمانةً للرب يسوع ولكنيسته”.
ولفت غبطنه على أنّنا “نعم، نحن معكم نشكر الرب لوجودكم في هذا البلد المضياف، وفيه تعيشون نوعاً من الاستقرار، ومن الكرامة الإنسانية والحرّية الدينية. نفرح معكم، كما نفرح مع أولادنا وأحبّائنا المغتربين والمغرَّبين قسراً من بلادهم، أكان من سوريا والعراق ولبنان، بحثاً عن الملجأ الأمين حيث يعيشون بحرّية دينية وإنسانية”.
وأعرب غبطته عن “جزيل الشكر لسيادة السفير البابوي لوجوده معنا ومشاركته في هذه الذبيحة الإلهية بينكم، أيّها المؤمنون الأعزّاء، وبين جميع الأصدقاء الحاضرين معنا، والذين يريدون أن يُظهِروا ويشهدوا عن محبّتهم الصادقة نحو الذين تركوا كلّ شيء في بلادهم الأمّ في سبيل أمانتهم للرب يسوع ولكنيسته، كي يستطيعوا أن يعيشوا بالكرامة الإنسانية والحرّية الدينية هنا في بلجيكا”.
وتوقّف غبطته عند الظروف العصيبة التي يعيشها لبنان في هذه الأيّام، فقال: “لسنا هنا لكي نصف الأوضاع المأساوية التي يعيشها لبنان، وقد استطعنا أن نغادر بيروت منذ أسبوع كي نشارك في سينودس الأساقفة الروماني في الفاتيكان. ولكنّ الأخبار التي تصلنا من هناك لا تزال تتكرّر، حيث أنّ العنف، عنف الغارات، يسبّب الكثير من الضحايا: أموات، جرحى، ومئات الألوف من النازحين في هذا البلد العزيز الصغير، والذي كنّا نأمل ولا نزال نرجو أن يبقى في هذا الشرق عنواناً للتآخي وعلامةً للتوافق بين كلّ الطوائف والأديان، حتّى يعترف العالم بأنّ المسيحيين في الشرق هم رسل سلام ومحبّة وإخاء، يحترمون الجميع، ويطالبون من الأغلبية حيث يعيشون أن تحترم حقوقهم وإنسانيتهم وإيمانهم المسيحي”.
وجدّد غبطته “النداء العاجل من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار وانتهاء دوّامة الحرب وأعمال العنف، كي يحلّ السلام والأمان”، مطالباً “جميع المسؤولين السياسيين أن يعودوا إلى حسّهم الوطني، وينقذوا لبنان بوحدتهم وتضامُنهم، وأن يبادر النوّاب على الفور بانتخاب رئيس للجمهورية، وأن تتضافر جهود الجميع لإعادة هذا البلد العزيز إلى ازدهاره وتطوُّره”.
وشدّد غبطته على أنّنا “لسنا جماعة التشكّي والتمرمُر من الظروف التي يسمح الرب أن نعيشها، وقد تحمّل آباؤنا وأجدادنا الكثير على مدى العصور، وقدّمنا العديد من الشهداء والمعترفين. ولكنّنا نصلّي إلى الرب يسوع الذي طلب منّا أن نتبعه، كي يعطينا النعمة لنبقى محافظين على محبّتنا وأمانتنا له حتّى نهاية حياتنا”.
وأكّد غبطته على أنّه “بالحقيقة نحن فخورون ومسرورون جداً أن نرى أطفالنا وشبّاننا وشابّاتنا موجودين هنا، وكذلك الكشّاف والأخويات النسائية، والذين يكرّمون العذراء ويصلّون كي يملك الرب يسوع في القلوب والعقول. نعتزّ أن يبقى أطفالنا وشبيبتنا متمسّكين بالرب يسوع وأمناء له، وقد لمسنا بكلّ وضوح أنّ شبابنا يريدون أن يظلّوا متعلّقين بالرب يسوع رغم كلّ الصعوبات والتحدّيات التي يواجهونها في هذا البلد الجديد، ورغم ثقافة العلمنة التي تعترض طريقهم. فلنُصَلِّ إلى الرب يسوع كي يبقى شبابنا على الدوام أبناء وبنات الكنيسة، نحن نعتزّ بكم، تابِعوا شهادتكم للرب يسوع الذي يستقبل كلّ الأطفال والشبّان، فهو ملكنا ومخلّصنا وصديقنا جميعاً”.
وتوجّه غبطته بالدعاء “إلى الرب معكم، أيّها الأحبّاء، ألا نفقد الرجاء، فموضوع الرجاء مهمّ كثيراً جداً اليوم في مجتمعاتنا الشرقية، وفي كنائسنا الخاصّة في الشرق، وفي الكنيسة الجامعة. إنّ قداسة البابا فرنسيس يطلب منّا أن نكون رسل رجاء في هذا العالم، ومهما كانت الصعوبات والتحدّيات قويةً، فإنّنا سنبقى رسل الرجاء في عالمنا، نتكلّم عن الرب يسوع دون خوف أو خجل، ونكون رسله، ونظلّ على أتمّ الاستعداد كي نتبعه، حتّى في أصعب الظروف”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، أن يحمينا جميعاً، لا سيّما بلادنا في الشرق، وأهلنا وذوينا وعائلاتنا، حتّى نبقى دوماً التلاميذ الحقيقيين للرب يسوع، نتبعه على طريق الآلام، كي نتمجّد معه في السماء”.
وكان الأب توما حبّابة قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطته، مبتدئاً بقول الرب يسوع: “وأنتَ يا بطرس متى رجعتَ ثبِّت إخوتك”، فقال: “كانت هذه إحدى وصايا الرب يسوع الأخيرة لهامة الرسل بطرس في الليلة التي أُسلِم فيها لأجل حياة العالم. لقد تنعّمنا هنا في بلجيكا بزيارة مباركة لخليفة مار بطرس الرسول على كرسي روما قداسة البابا فرنسيس الأسبوع الفائت، وها رعيتنا تتبارك اليوم بزيارة خليفة بطرس الرسول على كرسي أنطاكية غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان. زيارتكم صاحب الغبطة لرعيتنا هي تحقيق لوصية الرب في تثبيتنا في الإيمان، ورعاية رسالتنا الكنسية هنا في بلاد الانتشار والاغتراب عن شرقنا الحبيب والمتألّم”.
وتابع متوجّهاً إلى غبطته: “منذ سبع سنوات وضعتم يدكم على رأسي ومنحتموني سرّ الكهنوت المقدس عن غير استحقاق، لتكون شرارةً لانطلاق هذه الرعية المباركة، كرمة غرسها الرب لأبنائنا المغتربين من مختلف بلدان الشرق الأوسط، خصوصاً من سوريا والعراق ولبنان، هذه البلدان التي لا تزال تعاني وباء الحروب والصراعات والتطرّف والفقر والفساد، وخصوصاً انعدام السلام. صحيح أنّ أبناءنا وبناتنا ينعمون نسبياً بالاستقرار المعيشي في بلدهم الجديد هنا في بلجيكا، لكنّهم يواجهون أخطاراً وجودية وتحدّيات ثقافية، روحية واجتماعية كبيرة وكثيرة. فمسيحيو الشرق الأوسط الذين تبعثروا في كلّ بقاع الأرض، يعيشون فعلاً مسألة حياة أو موت شرقاً وغرباً”.
وختم كلمته قائلاً: “نشكركم صاحب الغبطة على كلّ الجهود التي تبذلونها كراعٍ صالح يذهب وراء رعيته أينما سافرت وحلّت. إنّكم لا توفّرون أيّ جهد روحي أو معنوي أو مادّي لرعاية أبنائكم أينما وُجِدوا”، شاكراً حضور السفير البابوي، وسيادة المطران رامي قبلان، والآباء الكهنة، والرسميين الحاضرين، وجميع أبناء الرعية، ولا سيّما اللجان والأخويات العاملة فيها، والشمامسة والجوقة والفرقة النحاسية الكشفية، طالباً بركة غبطته لهذه الرعية وأبنائها، وداعياً له بالصحّة والعافية والعمر المديد.
وبعدما منح غبطة البطريرك البركة الختامية، استقبل المؤمنين الذين نالوا بركته الأبوية في لقاء جمع الأب الروحي بأبنائه وبناته.