في طريق عودته من سنغافورة إلى روما يوم الجمعة الماضي، منهياً زيارته الرسولية، الأطول في حبريته، والتي قادته إلى آسيا وأوقيانا عقد البابا فرنسيس – كما جرت العادة – مؤتمراً صحفياً على متن الطائرة أجاب خلاله على أسئلة الصحفيين. وردا على أحد الأسئلة تناول الحبر الأعظم نتائج الحوار بين الصين والكرسي الرسولي واصفا إياها بالجيدة ومشيرا أيضا إلى أن التعاون جار بين الطرفين في إطار الإرادة الحسنة بشأن مسألة تعيين الأساقفة الكاثوليك في الصين.
للمناسبة كتب مدير وكالة فيديس الكاثوليكية للأنباء، جاني فالينتي، مقالاً شاء أن يسلط الضوء من خلاله على العلاقات بين الكرسي الرسولي والصين، متوقفاً عند الطريقة الواقعية التي يتعامل بها البابا فرنسيس مع هذا الموضوع الذي لم يخل من الصعوبات، كما يعلم الجميع. وفي معرض إجابته على أسئلة أحد الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي قال البابا إنه مسرور بشأن الحوار مع الصين، وأضاف أن النتيجة جيدة، وأن العمل يتم في إطار الإرادة الحسنة فيما يتعلق بتعيين الأساقفة.
أضاف فالينتي أن الصحافة الدولية توقفت عند الحوار القائم بين الكرسي الرسولي والصين، وعند الاتفاق الموقت، التي يشكل أداة مهمة لهذا الحوار، مشيرا إلى أن ما كُتب عن هذه المسألة لم يخل من الانتقادات، لكن تقييم البابا فرنسيس تميز بالواقعية المسيحية.
وبغية تقييم الكلمات التي تفوه بها الحبر الأعظم، في معرض إجابته على سؤال طرحته عليه الصحفية ستيفانيا فالاسكا، مراسلة الموقع الإخباري الإلكتروني الصيني Tianou Zhiku – كتب مدير وكالة فيديس للأنباء – لا بد من التوقف عند بعض المحطات الهامة التي طبعت مسيرة الحوار بين الطرفين. كما ينبغي ألا ننسى الماضي الذي سبق المرحلة التاريخية الراهنة.
في الثاني والعشرين من أيلول سبتمبر من العام ٢٠١٨ تم التوقيع على الاتفاق الموقت بين الكرسي الرسولي وحكومة بكين، ومنذ ذلك التاريخ أصبح جميع الأساقفة الكاثوليك في جمهورية الصين الشعبية بشركة تامة وبشكل علني مع البابا. ولم تحصل منذ ذلك اليوم أي سيامات أسقفية غير شرعية، أي تلك التي كانت تتم بدون موافقة الحبر الأعظم، مع العلم أن هذه السيامات الأسقفية بدأت في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وأثرت سلباً وبشكل خطير على الشركة الكنسية مع الكاثوليك الصينيين.
خلال السنوات الست الماضية، تابع فالينتي يقول، التي شهدت تراجعاً في العلاقات بين الطرفين خلال زمن الجائحة، حصلت في الصين تسع سيامات أسقفية كاثوليكية جديدة. وخلال المدة الزمنية نفسها، طلب ثمانية أساقفة كانوا يُعتبرون “غير رسميين” من قبل السلطات لأنهم نالوا سيامتهم خارج الأطر التي وضعتها الأجهزة المعنية الصينية، طالبوا أن يُعترف بهم من قبل حكومة بكين، وهذا ما حصل بالفعل. ومن بينهم أسقف مسنّ توفي في أبريل نيسان من العام الماضي. ما يعني أن عدد الأبرشيات الكاثوليكية الصينية الشاغرة بدأ يتراجع.
في العام ٢٠١٨ كما في العام ٢٠٢٣ شارك أسقفان من جمهورية الصين الشعبية في سينودس الأساقفة بروما، مع العلم أنه في العقود الغابرة لم يُسمح لأي أسقف قادم من الصين القارية بالمشاركة في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أو في سينودس الأساقفة، والذي يعكس شركة الكنيسة الكاثوليكية ووحدتها. وخلال السنوات الماضية تمكنت مجموعات كاثوليكية من الصين القارية من المشاركة في اليوم العالمي للشباب في لشبونة، بالبرتغال. حجاج كاثوليك صينيون تمكنوا من رؤية البابا في روما وخلال زياراته الرسولية إلى تايلاند ومونغوليا وسنغافورة. كما أن عدداً من الأساقفة الكاثوليك الصينيين شاركوا في لقاءات ومؤتمرات كنسية في أوروبا وأمريكا. وقد انعكس هذا التقارب إيجاباً على مسيرة المصالحة بين الجماعات الكاثوليكية في الصين والتي تعاني من الانقسامات منذ عقود.
بعدها اعتبر مدير وكالة فيديس أن تقييم البابا فرنسيس يأخذ في عين الاعتبار وقائع غالباً ما يغض الطرف عنها المحللون عندما يتطرقون إلى العلاقات الفاتيكانية – الصينية. وهذه المعطيات والوقائع تشكل البوصلة التي توجه أسقف روما والكرسي الرسولي كي يتمكنا من مرافقة مسيرة الكاثوليك في الصين، ضمن السياق الذي يعيشون فيه وحيث يشهدون لإيمانهم ومحبتهم للرب. كما أن الاتفاق الموقع مع الحكومة الصينية في العام ٢٠١٨ يتعلق بالطبيعة الحميمية للكنيسة الكاثوليكية، برسالتها الرسولية، ويسعى إلى معالجة الشرخ والانقسامات التي حصلت في العقود الماضية بين المؤمنين العلمانيين والإكليروس، ووسط الجماعات والعائلات.
وذكّر فالينتي في ختام المقال أن نية البابا والكرسي الرسولي ليست التأكيد على سلطة أو تفوق سياسي، بل تتمثل في تثبيت الأخوة في الإيمان، تعزيتهم ودعمهم في مسيرة الصلاة وإعلان الإنجيل والقيام بأعمال المحبة ضمن السياق الذي يتواجدون فيه. هذا ثم تمنى أن تستمر كل تلك الأفعال التي هي علة وجود النشاطات الكنسية، وأن تزدهر وتكتسب طابعاً شرعيا في الصين. وأضاف أن هذا هو الكنز الذي يحرص عليه البابا فرنسيس.