موقع أبونا يحاور البطريرك روفائيل الحادي والعشرون ميناسيان عشية استقبال جثمان خادم الرّب الكاردينال البطريرك كريكور بيدروس الخامس عشر أغاجانيان، وذلك يوم الخميس 12 أيلول 2024، في احتفال وطني في ساحة الشهداء بالعاصمة اللبنانية بيروت، يليه تطواف بالجثمان إلى ضريحه في كاتدرائيّة مار غريغوريوس ومار الياس النبيّ في ساحة الدّباس.
حاوره من بيروت رافي سايغ :
صاحب الغبطة، عشيّة وصول جثمان الكاردينال أغاجانيان إلى بيروت، حيث سيستريح جثمانه الطاهر في كاتدرائية القديسين الياس وغريغوريس المنوّر للأرمن الكاثوليك. ما هي رسالتكم اليوم التي يتوق الجميع لسماعها في هذا الحدث؟
في البداية أريد أن أقول شيء، وهو أن هذه الفرحة ليست فقط لأبناء كنيسة الأرمن الكاثوليك، بل هي لكل أبناء هذا المشرق المتألم، ولا سيما للبنان! حيث أن الكاردينال أغاجانيان كان بطريرك للأرمن الكاثوليك قبل الاستقلال، ولقد كان من بين أول الشخصيات البارزة التي عملت من أجل تحقيق حلم هذا الاستقلال، فلقد كانت حياته متعلقة كثيرا بهذا المجتمع الذي خدمه كأكثر من بطريرك، بل كان كالراعي الصالح الذي يرعى خرافه، حيث لم يتعب من العمل من أجل كل العائلات المتألمة بعد هول الحروب والمآسي التي عاشها شعبنا.
وفي الوقت نفسه كان الكاردينال أغاجانيان يسير على مبدأ مقدّس، وهو “العدل والسلام”، وهذا الشعار هو مسيرة حياته بالقول والعمل. وهنا نرى أنه بدقة كان يتبنى هذه الكلمات حتى في حياته الخاصة. ومن خلال هذه الكلمات القليلة “العدل والسلام” أراد أن تكون مسيرة حياته بسلام مع الله، ومن خلاله مع الآخر، وهذا تجلى في كل ما قام به للكنيسة والمجتمع.
صاحب الغبطة، سيصل جثمان الكاردينال أغاجانيان إلى بيروت، وتحديدًا إلى ساحة الشهداء، في حدث وطني جامع. لماذا اخترتم بيروت اليوم وساحة الشهداء على وجه الخصوص؟
لقد كانت قمة عطاء حياة الكاردينال أغاجانيان بالتزامن مع قمة ازدهار الحياة اللبنانيّة، ومن هذا الربط العاطفي رغبنا أن نكمل المسيرة في قلب بيروت حيث سيستريح جثمانه في آخر كنيسة شيدها الكاردينال أغاجانيان، ومن بعدها انتقل إلى روما ليصبح رئيس مجمع العقيدة والإيمان حيث أن كنيسة القديس الياس النبي وتقديرًا واحترامًا للكاردينال أضافت اسم القديس غريغوريس لتصبح اليوم هذه الكاتدرائية بهذا الاسم. ومن هنا أيضًا كان الجواب لكل من سألنا لماذا لم نضع جثمانه في دير سيدة بزمار أو في البطريركية.
ولماذا ساحة الشهداء؟ لأنها بدورها، وما تمثله من أنها كانت صدى لصوت كل الموجوعين والمتألمين الذين ما غابوا يومًا عن عمل ومسيرة الكاردينال أغاجانيان. رغبت الجهات الرسمية أن تحتضن ساحة الشهداء هذا الاحتفال، ونحن بدورنا باركنا هذه الخطوة. وثم أنَّ بيروت عاصمة وقلب لبنان، كذلك ساحة الشهداء هي قلب بيروت، ومن هذا القلب نعلن أن رسالتنا هي العدل والسلام، لنا ولأبناء الشرق الأوسط الذين بدورهم يعيشون تحديات وصعوبات كثيرة ليروا في كل هذا رجاء وأمل لهم.
صاحب الغبطة، قبل أعوام قليلة، وفي أثناء فترة التحقيق الأبرشي في ملف الكاردينال أغاجانيان. وفي حوار سابق لنا معكم أطلقنا عنوان: “بطريرك الأمس… قديس الغد”، وقد اعتمدتم اليوم هذا الشعار لهذه المناسبة. فماذا يعني هذا الشعار المليء بالرجاء لكم؟ وأين أصبح اليوم ملف الدعوى؟
هنا أريد أن أقول أننا ممتنين لكم على تقديم الحقيقة بل هذه النبوءة لنا من جديد: “بطريرك الأمس… قديس الغد”. ونحن قمنا بتبني هذا الشعار، وكل الجهات الرسميّة والعالم كله، فإن ما يجري في مسيرة الدعاوى الآن يدلنا لنصل في النهاية إلى درب القداسة، وهي تعطينا رمزًا كبيرًا للشهادة، فالشعب الذي يشارك اليوم في احتفال يوم الخميس بهذا القدر يعطينا الأمل والرجاء أنه بالحقيقة أن الكاردينال أغاجانيان “بطريرك الأمس… قديس الغد”.
فيما يخص ملف الدعوى، لقد أنهينا كل إجراءات المرحلة الأولى، وتمّت الموافقة من الفاتيكان على أن يضع النعش هذه المرة في بيروت ليرى العالم كله جثمان هذا القديس الذي بعد مرور كل هذه السنوات. 53 عامًا وقد بقي جسده كما هو، علمًا أن الكنيسة لا ترتكز فقط على هذه الحقيقة بل إنما هي علامة من العلامات التي تساعدنا على تقديسه، ومن هنا سنكمل اليوم العمل على درب القداسة هذا.
صاحب الغبطة، في الختام ماذا تقول للكثير من شباب كنيستكم، وهم يبحثون عن الأمل والرجاء في حياتهم الخاصة، وحتى في خدمتهم في الكنيسة كشبيبة. ماذا تريد أن تقول لهم، وهم يعيشون تحديات كثيرة؟ نريد منك كلمات من وحي هذه الأيام المباركة وسط استقبال جثمان الكاردينال أغاجانيان؟
أقول لهم خذوا مثال الكاردينال أغاجانيان بتواضعه وبصبره وبتحمله كل الصعوبات التي كان يعيشها في شبابه وحياته عمومًا وأيضًا من ما كان يعيشه من تحديات في خدمته في الكنيسة الجامعة بكل الأماكن والمسؤوليات التي حملها، فلقد تحمل وسار في طريق القداسة، فأنه لا بد لكم أنكم عندما تمتلكون إرادة صادقة. ثقوا أنكم في النهاية تسيرون إلى كمال النجاح والتفوق، لا تيأسوا أبدُا فحياتكم الروحيّة هي نقطة الانطلاق والنجاح.
بكلمات بسيطة، أريد أن أعبّر لكم عن شيء، وهو أنكم عندما ترون أن الكنيسة ليست قريبة منكم، أذهبوا أنتم لها! سيقول لي البعض منكم أنكم لا تشعرون أن الإكليروس ليس قريب منكم، أقول لكم: كونوا أنتم بقربهم، أذهبوا إليهم وتحاوروا معهم، قدموا خدماتكم بكل ثقة للكنيسة، فالمرجع الوحيد ليس الإكليروس، وليست الكنيسة بجدرانها الفارغة بدونكم بل النبع هو المسيح المخلص الذي بمحبته خلصنا، وهو في سبيل سعادتنا قدّم ذاته من أجلنا في هذه الحياة الزمنيّة والأبديّة.