تحت عنوان : “يوسف بك كرم في أرشيف بكركي” وقّع الخوري حنا مخلوف كتابه الجديد في باحة كاتدرائية مار جرجس إهدن (الكتلة) برعاية وحضور النائب البطريركي العام على نيابة إهدن-زغرتا المطران جوزيف نفاع السامي الإحترام ، الخورأسقف اسطفان فرنجية، رئيس دير مار سركيس وباخوس الأب زكا القزي، كهنة الرعية، وبمشاركة وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، السادة النواب ميشال معوض، طوني فرنجية، ميشال الدويهي، السيدة مارينا سليم بك كرم، السيد أسعد بك كرم وعقيلته، نقيبة المحامين السابقة الاستاذة ماري تيريز القوال، رئيسة مؤسسة يوسف بك كرم ريتا كرم صفير، رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في استراليا ونيوزيلاندا ميشال الدويهي، كما الجمعيات واهل الثقافة ومهتمين.
بداية الحفل كانت بالنشيد الوطني اللبناني ومن ثم استهله الأديب محسن يمين كلمته معرفاً ومُرحباً بالحضور والخوري يوحنا مخلوف:
كلمة الأديب محسن يمين:
في كل ولادة فرح ولكنّ الفرح بظهور كتاب جديد اليوم شاءت اهدن أن يكون مغمورا بالضباب ومحمبّتكم. فالشّكر لكم جميعا لحضوركم ومشاركتم الخوري يوحنا مخلوف بعنوانه “الكَرَمي” المطل على الحياة: “يوسف بك كرم في أرشيف بكركي”.
تحت ظلال تمثال بطل لبنان يوسف بك كرم يبدو كل كلام منه وعنه وإليه على بُعد خطوات من جثمانه الطاهر وكأنه ينبثق من النّقطة التي تتوسط الآن دائرة الاهتمام الواسع والمتصاعد بكل ما يخصّه، فالارض كانت مهده قبل أن تكون ضريحه الذي بات يجاور ذخائر الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي السائر على طريق القداسة، كأنما ليختصر هذا المكان الذي يجمعنا هذه العشية إلى مائدة حِبر جديدة، حكاية البطولة والقداسة مضافة اليها حكاية قلمين سيّالين سَطّرا بعضاً عزيزاً من تاريخ وطن وكنيسة بشق القلم وصليب السبحة وحد السيف. حكاية قرون من الصمود في وجه العواصف. ولحكمة يعرفها راسم الاكوان، شاء ربك أن يكونا كلاهما من اهدن وتكون سائر المنارات المشعة وأن تكون اهدن المحور والقطب بجاذبيتها مارونيا ووطنيا.
منذ العام ١٩٩٠ والخوري يوحنا مخلوف يجتهد في وضع المؤلفات المضيئة على تاريخ اهدن ورجالاتها لتكون غذاء للعقول والقلوب والنفوس، وواجباته الكنسيّة التي يكرس لها شطرا من وقته مكرسا وقتا آخر لتعليمه في المدارس، لم تحل يوما دون اقتطاعه حيزا منه للدرس والبحث والتأليف مضيفا الى كل ذلك في المرحلة الراهنة ما يخص به اخوية قلب يسوع من ارشاد وانتباه ورئاسته اقليم كاريتاس زغرتا اهدن من عناية واهتمام.
وفي القائمة حتى الساعة ١٣ كتابا مطبوعا، و٣ إضافين قيد الطبع، بينها اربعة كتب عن كرم بالذات. واضعا بذلك ما منّ به الله عليه من قدرة على البحث في خدمة المعرفة التاريخية. ويحتل كتابه الصادر اليوم رأس هذه القائمة بصفحاته ٦١٦ قطعاً كبيرا مع انه لم يتناول في طياته سوى ٢٨٠ وثيقة من اصل ٣٨٠ وثيقة يحتويها جارور كرم في المكتبة البطريركية في بكركي، وهو كتاب دعمت الخوري مخلوف في اصداره معنويا وماديا السيدة هدى جميل كرم وخروجه من مطبعة القارح في زغرتا بالحلّة التي أخرجته به الفنانة التشكيلية ياسمين فوزي الجعيتاني…”
وقد أعطى الأديب يمين الكلام للدكتور آميل يعقوب الذي يقود منذ اشهر الجهود الرامية إلى اعداد “موسوعة كرمية” ستكون الأولى من نوعها إنصافا للرجل في ما خلّفه من آثار أدبية في لبنان والخارج، والذي بدأ حديثه بأبيات شعرية عن البطل كرم:
كلمة الدكتور آميل يعقوب :
إن زرت لُبْنانَ اسَألَ عَنْ اهدن العَلَمِ.
واقصد ضريح سليل المجد والكرَمِ
عرّج عليه، وقف بالدار محترِماً
شبه الوقوفِ بدار الُقدسِ والحرَمِ.
اذ اسمه يوسفٌ بالحُسن مكتملٌ
قد فاق يوسفَ قيل مصر بالهممِ
اسمٌ تسمىّ به والاسم نسبتهُ
فعل المسمى. وذاك الفعل في الكرم
کریم نفس ، كريم الأصل عن سلفٍ
ابن الكرام، وجودٌ فائض القديم،
ابن النعيم ، ودار العز بلدته
اذ كان مَنْشأُه في جنة النعم
فهمٌ سميعٌ حكيمٌ طاهرُ الشّيمِ
برٌّ وديعٌ حليمٌ صادقُ الكلِمِ
حلو الشمائلِ ، منه اللّطفُ مقتبسٌ
وضَاحُ وَجْهِ بِثَغْرٍ فِيهِ مُبْتَسِمِ
سامي المآثرِ صاف الخلق مع خلقٍ
ماض العزائم بالأسياف والقلمِ
دع عنك عنترة والزّيرَ مع عمرٍ
واضرب بهذا مثال البطش للأممِ
فيه التُّقى والنّقا والبأسُ ملتئمٌ
فيه النّهى والدها يزدانُ بالحِكَمِ
فيه الزّمانُ تباهى وازدهى شرفاً
إذ كان في جيدِهِ كالعِقدِ في النّظُمِ
وتابع: “يا أحبة، عندما خلق الله دنيانا رسم مناطقها ، کان منحازا بصورة مكشوفة الى اهدن أرضاً وشعباً . فقد رسم هذه البلدة بأروع أقلامه، فجاءت وكأنها جنةُ الدنيا، بل جنّته كما ذهب بعضهم . اما أهلها ، فانحيازه إليهم ظاهر ، وإلا هاتوا لي بلدة أنجبت طوباوياً وبطلا عز نظيره وهو في طريق التطويب.
انت من إهدن؟ إذن ارفع الرأس ، فهنا القداسة والبطولة . انتَ اهْدني ! إذن اشمخ وافخر فهنا المجد والطهارة. وحده ، لا أحد غيره لقب بـ ” بطل لبنان” ، فإن سئلت : مَن البطل ؟ أو مَن بطل لبنان، أجب دون تردّد: يوسف بك كرم. “عرّتُهُ”لم تقتصر على آل گرم الكرام بل شملت كل عائلات زغرتا، زغرتاوي الولادة ، وكل منطقة في لبنان تتمنى لو كانت ولادته فيها . ماروني المذهب ، والأصح مسيحي بالإيمان والالتزام والممارسة ، وننتظر ، بإذن الله تطويه.
بذل جهده وماله لخدمة وطنه وعزته واستقلاله وأراد أن يخدمه بعد وفاته، وها هو شحماً ولحماً في هذه الكنيسة . وكأنه يريد البقاء معنا إلى الأبد نموذجا عن الوطنية الصادقة والإيمان المسيحي الصحيح.
رجالاته: قسمان: ابطال کاربون يفتدونه ويفتدون وطنهم بدمائهم رحم الله أبطال لبنان الخالدين أسعد بولس ، وبولس العاقوري ، وسليمان الغزال وبطرس توما الكوسا ، و مخائيل جبور سعادة ورفاقهم، ورجالات يكتبون قصص بطولاته ويوثقون فضائله وانجازاته ومنهم الأدباء المرحومون : الشيخ سمعان الخازن والأب اسطفان البشعلاني وبطرس يمين، وأنطوان الفوال ورتيب عيد، وغيرهم. ومنهم – أطال الله بأعمارهم – الأدباء يوسف فنيانوس، وسركيس أبو زيد ، ومحسن يمين. وفي مقدمتهم الخوري البحاثة يوحنا مخلوف الذي كتب ثلاثة كتب في بطل لبنان :
1- يوسف بك كرمأيقونة وقربان
2- يوسف بك كرم وروحانية المنفى
3- يوميات يوسف بك كرم الروحية
وها هو اليوم يطل علينا بكتابه النفيس :
يوسف بك كرم في أرشيف بكركي”، وهو موسوعة لكل ما في بكركي ورسائل كتبها كرم بنفسه ، أو ارسلت اليه او كتبت بشأنه . وقد رتبها ترتيبا زمنيّاً وموضوعاتياً في الوقت نفسه ، لكي يسهل على الدارس تناول الموضوعات التي تهم بيوسف بك ويشهد الكتاب لمؤلفه بصبر عجيب في قراءة الرسائل المخطوطة وبالأمانة في إثباتها بحيث أصبحت مرجعاً اسلكه الكرميين.
هذا عن الكتاب، أما الكاتب، فقد عرفته كاهناً تقياً فاضلاً باحثا رصينا “كرمي الهوى” والانتماء ، هو كاهنكم وخادم رعيتكم شكراً له على عطاءاته. يخدم إرث يوسف بك كرم بصفته نائب رئيس لجنة جمع ترات بطلب ، هذه اللجنة التي لشرف خدمتها ، هي ثمرة جهد سيدنا النائب البطريركي على نيابة إهدن المطران جوزيف نفاع، وقد نجحت اللجنة بتوفيق من الله تعالى وبمعونة صاحب السيادة وصاحب الوزنات المتعددة التي يستحقها عن جدارة المونسينيور اسطفان فرنجية في الحصول على موافقة السينودس المقدس على فتح ملف تطويب يوسف بك كرم، وهي تعمل جاهدة بإشرافهما على جمع اثني عشر مجلدا وعلى موافقه الفاتيكان – إن شاء الله – على تطويبه ، فشاركونا الصلاة من أجل هذا التطويب وكم يسرنا أن تمدوا لنا يد العون، فتساعدوا اللجنة في كل ما تجدونه مساعدا بعملها من مخطوطات او كتب أو رسوم او مال. وفقكم الله بشفاعة قديسي: البطريرك الدويهي ويوسف بك كرم .”
كلمة الدكتور الأب الياس حنا:
صدَق الطوباوي العظيم البطريرك اسطفان الدويهي عندما اعتبر اهدن جنة عدن ، وصنّف فيها مؤلفاً يحمل هذا العنوان.
جنة عدن، أي الفردوس لا يسكنها حاليا سوى القديسين. فالبارحة ليس من زمن بعيد الطوباوي البطريرك الدويهي وغدا يوسف بك كرم وبعده البطريرك يوحنا مخلوف وبعدهم من ضاهاهم قداسة في أرض القداسة والقديسين.
كعادته، يصدر كل سنة كتاباً عن اعلام من الهدن، يتحفنا الصديق الأب يوحنا مخلوف يتحفنا اليوم بالكتاب الرابع عن كرم الذي نرجو أن يكون قريباً في عداد المكرمين وهو تحت عنوان ” يوسف بك كرم في أرشيق بكركي، وبذلك يكون الخوري يوحنا مخلوف مع الكتب الثلاثة غير هذا الكتاب بين المراجع الأولى والأهم في تحضير ملف تطويب وتقديس رجل الله يوسف بك كرم الذي وافق سينودس كنيستنا المارونية برئاسة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى برفعه إلى مجمع القديسين فى روما.
إخترت عنواناً المداخلتي اليوم يوسف يك كرم ابن كنيسة ورجل دولة من النادر جداً، لا بل من عشبه المستحيل أن يتوفر النعتان: ابن كنيسة ورجل دولة في شخص واحد ومن النادر جداً أيضاً أن تلتقي القداسة بالسياسية. تلك هي فرادة شخصية يوسف بك أنه قديس وسياسي، وهو من أخضع في حياته السياسة للقداسة ، وهو القائل فى هذا الصدد: الطاعة الروحية هي أساس الطاعة السياسية الاختيارية ومصدرها ، فالديانة أعلمتنا بأن نطيع رؤساءنا، ونخضع لهم ، لأنهم يسهرون على نفوسنا ،من هنا يستحق كرم، وعن جدارة أن يكون مثالاً للسياسيين وشفيعا لهم إذا ما رُفع يوماً على المذابح طوباوياً وقديساً .
المحور الأول : كرم ابن كنيسة
عرف الناس، وخصوصاً أبناء اهدن زغرتا “كرماً “رجلاً لله ، وابنا للعذراء مريم، وابنا أيضاً للكنيسة المارونية الكاثوليكية، فنشيده في الدفاع عن أهله ووطنه. كانت طلبة العذراء مريم وعَلَمُه في المعارك التي كان يخوضها هو راية العذراء أيضا. هذا ما وصلنا بالتقليد المتوارث عنه . إيمان يوسف بك كرم هو ايمان بطرس أي إيمان الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية والكاثوليكية ، وايمان الناس البسطاء المسلّمين أمرهم للمشيئة الألهية ، الناس الذين يقولون آمين كما قالت مريم للملاك: ليكن لي ما تقول من دون اعتراض، وأيضاً من دون فهم بل بتسليم كامل للعناية الإلهية. وهكذا أعلن كرم انتماءه الى الكنيسة الجامعة حين لم تثبت الحبر الأعظم أخوية مار يوسف التي أسسها ، فقال :إن الحبر الأعظم لم يثَبت جمعيتنا ، إنما لم يرفضها – فنحن متوافقين تحت قوانين الشريعة الكنسية التي تتيح لأي كان من المؤمنين أن يتقف مع مَنْ يتفق معه على خدمة الله ، وخير القريب، تحت نظر وبركة الرؤساء الشرعيين . فنحن هكذا اتفقنا – ونرغب أن نعبد الله ونخدمه بخدمتنا خير القريب بجهدنا وإمكانياتنا البشرية، ولا قصور لنا ، ولا أوطان لنا غير السماء ، ولا جنسية لنا غير النصرانية الكاثوليكية. إضافة الى اعلانه لسلطة البابا ، أعلن خضوعه للكنيسة المارونية بشخص بطريركها آنذاك بولس مسعد في رسالة وجهها له في الاول من تشرين الثاني ، سنة ١٨٦٦ إذ قال :
” أحقق لديكم بأننا ، نحن المؤمنين عبيد الله الحي ، خاضعين على الدوام. والاستمرار للشرائع والقوانين الالهية والبشرية، ونكرّم ونعتبر كل إنسان. على قدر ما توجب له الشريعة من الاعتبار، وبعد أن نتمّم واجباتنا البشرية بدقة فلا يعود يهّمنا أن نموت أو أن نحيا ، لأننا ان متنا فلربنا نموت، وان حيينا فلربنا نحيا “.
إلى جانب التعهد والخضوع للأم الكنيسة المتمثلة بسلطتها العليا والمحلية، كان كرم يجمع في إيمانه بين المعرفة والممارسة : فلناحية العقيدة كان كرم يضاهي. اللاهوتيين فى معرفتها . كما أنه كان على ما يبدو متضلعا بالكتاب المقدس ، وميالاً جداً الى القديس بولس، ويظهر ذلك من كثرة استشهاداته بالكتاب وبرسائل بولس . ولم يكن ليحفظ الوصايا الالهية والكنسية عن ظهر قلب فقط ، بل كان متمما لها ، فلم يكن يترك للخطية معبراً إلى كيانه وإلى حياته. فقد فرض على أعضاء أخوية مار يوسف ما كان يمارسه يوميا :
الاحتفال اليومي بالقداس الإلهي.
المشاركة في تطواف القربان.
تلاوة المسبحة الوردية يومياً
تلاوة التبشير الملائكي يومياً.
تلاوة أفعال الايمان والرجاء والمحبة يوميا – تلاوة صادة الروح القدس يوميًا والاعتراف.
وكان ايمان كرم ينعكس فضائل روحية وانسانية:
الروحية : ايمان ورجاء ومحبة.
الانسانية : الاستقامة، والتواضع والثبات ، والصبر، والحكمة و المسامحة.
والبساطة والتوبة وما سواها ، تجسدت بنوة كرم للكنيسة من خلال
الأهداف التي وضعها الأخوية مار يوسف، وهي:
1- عبادة خالقنا القدوس بقدر ما تسعفنا
عنايته
2- أن تكون المثل الصالح للآخرين بالوداعة.
واللطف وباقي الفضائل
3- نشر روح النصرانية منذ بدايتها المجيدة.
4- استخدام الوساطات العقلية والبشرية لأجل نشر الألفة العامة والخير العام.
5- أن نترك لخالق السماء والأرض الأعمال الخاصة به.
6- أن نتوسل إليه سبحانه أن يصنع بنا وبمن أراد كل ما يريد.
7- حفظ الشرائع الإلهية والكنسية لنيل الحياة الأبدية.
8- نشر الأعمال الروحية التي تظهر عظمة الرأفة الالهية التي تحيّر الملائكة.
9- نهجنا ، نحن الخطأة ، أن نسعى بقلب كامل وبنفحات الروح على قارعة الطريق المؤدي الى الحياة الأبدية .
المحور الثاني : كرم رجل دولة
فلأضحى أنا ، وليعش “لبنان” ذهب كرم إلى حدّ الاستشهاد وتقديم الذات ذبيحة من أجل أن يحيا ويبقى لبنان وما دفعه الى هذا القول هو ايمانه وبنوته للكنيسة وانتمائه العميق للموارنة ، فهو الذي رفض أن يقسم لبنان إلى قائمقاميتين لأن جبل لبنان هو للموارنة قبل أن يكون لغيرهم، لكنه كان يؤمن بالمساواة بين الجميع من دون استثناء والسبب الذي يثبت أن كرماً كان بحق رجل دولة هو كلام داوود باشا عنه :
“لا أستطيع أن أحكم في لبنان ما دام يوسف كرم موجودًا فيه”.
وهذا الكلام يعني أمرين اثنين:
الأول : أن لا يستقيم حكم برأسين وأن كرم كان رأساً، ولم يكن تابعاً أو ثانياً في يوم من الأيام.
الثاني : أن كرم كان عادلاً، وأن داوود باشا كان ظالماً، كان حلم كرم قيام امارة لبنانية جامعة يكون هو على رأسها، وتتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي داخل الدولة العثمانية .
إن الامارة اللبنانية الجامعة التي كان كرم يسعى إلى قيامها والى حكمها هي دولة مدنية على غرار دول الغرب التي قامت على إثر ظهور فلسفة الأنوار، واندلاع الثورتين الأميركية والفرنسية ، مع فارق مؤقت وهو تبعية إمارة كرم للدولة العثمانية.
وضع كرم قواعد القيام الامارة المدنية وهي التالية:
1- الجهوزية : تدارك الأزمات قبل وقوعها وعدم التغاضي عنها لئلا تتفاقم، وهذا ما يُعرف بالسلطة الرؤيوية والاستباقية التي تخنق الأزمات في مهدها وتمنع امتدادها.
2- القرار : اتخاذ التدابير والقرارات العازمة لتحقيق الامنيات التامة للناس، واهتمام.
الحكام والولاة برعاياهم، وهذا ما يزيد الناس محبة لأولياء أمورهم.
3- الصدق والكفادة : وجوب اختيار حكام وولاة صادقين في حكيم الدولة والبلاد والمواطنين، ووجوب أن يتمتع هؤلاء الحكام بالكفاة وحسن الإدارة والمقدرة على تطبيق الشرائع ، وتأديب المخالفين
4- الأهلية : وجوب منح المأموريات إلى ذوي الاستحقاق والأهلية، وليس لأصحاب الغنى والرفاهية والرفعة أي لقوم يستحقون توليها بهدف نجاح الحكم وتقدمه .
5- الاستقلالية: وضعُ حاجز بين السلطة الدينية والسلطة السياسية لأن التوفيق.
فيما بينهما هو ضرب من المحال
6- الاقتصاد : الاهتمام بخيرات الانسان التي يجنيها من سهول سورية الخصبة
القادرة على إنتاج محاصيلها الحاضرة ، واثراء أهلها وحكومتها.
7- الانماء : الأمل بإنشاء سكة حديد، وجيش نظامي، ومدارس
ومستشفيات.
8- الخير العام : العمل للخير العام للبلاد من قبل الحكام والمواطنين، وعدم السعي إلى المصالح الشخصية، والحفاظ على اللغة العربية كونها مفتاح التمدن.
في ختام هذه المبادئ التي أرساها كرم القيام الدولة الصالحة، يُطلق صرخة إلى أهل
بلاده، ويقول : ولا تدعوا تلك الفتن أن تحملكم على هجر هذه الفضائل الحميدة.
هبوا، إنتبهوا، استيقظوا، شمروا عن سواعد العزم والهمة ، وانبذوا عنكم تعصباتكم الدينية وتحزباتكم المذهبية ، وعداواتكم الطائفية، لأن النزاع يقوم به اصحاب العقول
الضعيفة ”
صب نضوج كرم في ولائه المطلق للكنيسة والوطن في آن معاً، فجمع الولاءين في “شرعة حقوق انسانية كرمية” قبل أن تظهرشرعة حقوق الإنسان اليوم وهي مؤلفة من سته نبود، أختم بها مداخلتي مرفقة بصلاة لكرم:
أولاً: حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها ، لا أن تُفرض عليها السلطة المدينة فرضاً وهذا تكريس للديموقراطية …
ثانياً: حق الانسان بالعيش بحرية وكرامة لأنه صورة الله على الأرض، ولأن كرامته هي أولى حقوقه
ثالثاً: حق الانسان فى الاستقلال والتحرر من كل عبودية بشرية، لأنه تحرّر بالمسيح ..
رابعا: حق الدفاع عن النفس، لأن الحياة هي عطية من الله.
خامسا : حق الشعوب بالترقي ورفض الاستعباد من قبل الدول المقتدرة للدول الضعيفة.
سادسا : الشريعة الطبيعية ليست محصورة في ديانة واحدة، بل هي شريعة كل إنسان ومبادئها راسخة في الصدور، ويكفي لحفظها أن يفعل المرء بالآخرين ما يريد أن يفعله الآخرون به ”
وختم بصلاة من كرم إلى يسوع:
يا يسوع ربنا كم أنت صالح ورحوم ، نحن نقدم قلوبنا فارغة فاملأها أنت مما تريد فكم أنت مُحب وصالح ووديع ”
صلاة إلى مريم العذراء:
أنت الطفلة من عالم الروحكنجمة الصبح في الفجر العميق فلله الحمد والشكر لأجل إحساناته على الجنس البشري بمولد هذه السيدة الجليلة واسطة الحياة الأبدية “.
كلمة الخوري يوحنا مخلوف :
وفي الختام كانت كلمة شكر للخوري يوحنا مخلوف قال فيها:” أشكر الرّب على دعوة الكهنوت وعلى نعمة اظهار الوجوه التاريخية باهدن. أشكر صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى على ثقته بي عندما سمح لي بالحصول على الوثائق التي تخص يوسف بك كرم الموجودة في ارشيف بكركي، كما أحَبَّ أن يُوجه لكل فرد ولإهدن محبته وبركته الابوية.
أشكر سيدنا المطران جوزيف نفاع السامي الإحترام على دعمه وعلى تشجيعه الدائم للمضي قُدُما في إظهار الوجوه الاهدنية.
أشكر الخورأسقف اسطفان فرنجية الذي يشجعنا ويعمل دائما حول اظهار هذه الوجوه”.
كما خصّ الأحبة في بلاد الانتشار والى كل احباء يوسف بك كرم والبطريرك الدويهي.
ثم تابع:” يوسف بك كرم من خلال دراساتي عنه يستحق ان يكون بين القديسين نتيجة الوثائق التاريخية. فالبطريرك اسطفان الدويهي يقول إن الناسك المطران الياس الدويهي تتلمذ على يده ٢٠٠ ناسك في دير مار يعقوب، في اهدن 9 بطاركة، 26 ناسك اهدني ، 32 تلميذ بالمدرسة المارونية، بالإضافة للناسكات اللواتي عشن في دير مار سمعان ايطو… اذاً هذا الكم الكبير من الذين عاشوا بالقداسة ” منو كتير على اهدن انو يكون عنا طوباوي وانشالله طوباوي قريب يوسف بك كرم”.
في كتابي اليوم، الاهداء ليوسف بك كرم حتى تكون هذه الوثائق تعبير عن صدق نواياه، أترك هده الرسائل والوثائق لتأكد صدق نوايا يوسف بك كرم الذي انظلم من الجميع.
نحن سنبرهن عن براءة ووطنيته وقداسته من خلال عِلمٍ والكتابة التاريخية الموثقة حول نتاجه حتى يكون طريق سهل إلى دعوى تطويبه”.