الثقة والرجاء في الله الذي لا يُعجزه شيء، فما يبدو مستحيلا للإنسان هو ممكن لله، والصلاة من أجل السلام. كان هذا محور عظة الكاردينال بييترو بارولين الذي ترأس اليوم كموفد خاص لقداسة البابا فرنسيس القداس الختامي لحج مؤمني كنيسة اللاتين في أوكرانيا إلى مزار برديتشيف المريمي.
ترأس صباح اليوم الأحد ٢١ تموز يوليو أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، كموفد خاص لقداسة البابا فرنسيس، القداس الختامي لحج مؤمني كنيسة الكاثوليك اللاتين في أوكرانيا إلى مزار برديتشيف المريمي. وفي بداية عظته أعرب أمين السر عن سعادته لوجوده هنا موفدا من البابا فرنسيس الذي أراد، وحسبما تابع الكاردينال بارولين، أن يرلسني إلى هنا كي أؤكد لكم أنه يحمل في قلبه بلدكم الحبيب ويقاسمكم الألم، ولكي أنقل لكم قربه الخاص وأحمل إليكم عناقه الأبوي المحب وبركته.
تحدث أمين السر بعد ذلك عن هذا المزار المريمي والذي أصبح، حسبما قال الكاردينال، إلى جانب مزار زارفانيتسيا الهام جدا بالنسبة لكنيسة الروم الكاثوليك، واحدا من المراكز الروحية للجماعة الكاثوليكية في أوكرانيا والذي ترتفع فيه إلى الله لا فقط صلاتنا وشكرنا عمّا نلنا من نِعم، بل في المقام الأول تضرعنا من أجل ما قد يبدو لكثيرين مستحيلا، من أجل معجزة، معجزة السلام المنشود. وواصل الكاردينال بارولين مشيرا إلى أن هذا المكان كان بالفعل شاهدا لمعجزات عديدة، وعاد نيافته إلى تأسيس هذا المزار سنة ١٦٢٧على يد حاكم كييف وجيتومير والذي كان أسيرا خلال القتال مع التتار ووعد في حال تحرره من الأسر أن يفعل شيئا ليكرِّم الله والعذراء.
وقال أمين السر مواصلا عظته إنه يتذكر هذا التاريخ ليؤكد الإيمان بأن ما هو مستحيل بالنسبة للإنسان هو ممكن بالنسبة لله، وهو ما نجده يتكرر في الكتاب المقدس. وذكَّر على سبيل المثال بكلمات رئيس الملائكة جبرائيل إلى مريم: ما من شيء يُعجز الله. ومن هذا اليقين فلنَعُد إلى كلام الله الذي استمعنا إليه في قراءة اليوم، قال أمين السر، وذلك كي نستنير ونتقوى ونتحفز في حياتنا المسيحية. توقف الكاردينال بالتالي عند القراءة من سفر الملوك الأول والذي يروي لنا ابتعاد إسرائيل عن درب الرب خلال مُلك أحآب الذي أخذ يعبد البعل ويسجد له، وكيف أنذر النبي إيليا بوقوع جفاف كبير وهو ما حدث بالفعل. وواصل الكاردينال بارولين متحدثا عن ذبيحة الكرمل حين طلب النبي إيليا من الملك أحآب أن يجمع بني إسرائيل والأنبياء على جبل الكرمل. وتوقف الكاردينال بارولين عند صلاة النبي إيليا حين قال: “أجبني يا رب أجبني. ليعلم هذا الشعب أنك، أيها الرب، أنت الإله؟ وأنك أنت رددت قلوبهم إلى الوراء”. ويتابع الكتاب المقدس: “فهبطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب… فلما رأى ذلك كل الشعب سقطوا على وجوههم وقالوا: الرب هو الإله، الرب هو الإله”. وواصل أمين السر أن المعجزة التي تُحدثنا عنها هذه الصفحات ليست نار الرب التي هبطت بل هي ارتداد قلب الإنسان، أي نار النعمة التي تأتي لتغيره في داخله.
اليوم الكنيسة في أوكرانيا أيضا مدعوة إلى القيام برسالة نبوية، تابع الكاردينال بارولين، ألا وهي الدعوة إلى صلاة لا تتوقف كي يجعل الله ترتد قلوب مَن ابتعدوا عن دربه وأصبحوا عبيدا لعنجهيتهم ليزرعوا العنف والموت ويدهسوا في الآخرين كرامتهم كأبناء الله. وواصل أمين السر مشددا على ضرورة عدم فقدان الثقة والرجاء في الله، خاصة اليوم حين يبدو أن الغلبة هي للشر وحين تضع أهوال الحرب والألم والدمار الإيمان بصلاح الله في أزمة.
هذا وفي حديثه عما تعيش أوكرانيا من أوضاع وآلام أراد أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان التشديد على أنه ورغم صعوبة أن نلمح في الأفق نور السلام فإن قيامة المسيح، التي هي انتصار الحياة، تقوي إيماننا ورجاءنا، وتكشف لنا أن الموت لن تكون له الكلمة الأخيرة. فقيامة المسيح تؤكد لنا أن ما يبدو مستحيلا للإنسان هو ممكن لله. هذا وأراد الكاردينال بارولين التذكير بما وصفه بفعل المحبة العظيم الذي قام به يسوع حين أوكل إلى مريم، أمه، تلميذه الحبيب. وقال أمين السر إن اسم هذا التلميذ غير مذكور في النص واضاف أن بإمكان كلٍّ منا أن يجد نفسه في هذا التلميذ. فمن الجميل والمعزي إدراك أن الرب، وفي شخص تلميذه، يوكل كلًّا منا إلى عناية أمه الحنونةـ فمريم على الجلجلة، أسفل الصليب، قد وسَّعت أمومتها لتشمل البشر جميعا.
وفي ختام عظته مختتما الحج إلى مزار برديتشيف المريمي رفع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الصلاة طالبا بشفاعة مريم العذراء السلام في أوكرانيا. طلب الكاردينال في صلاته شفاعة أم الله كي يكون لأطفال وشباب هذا البلد مستقبل تطبعه السكينة، وأن تكون العائلات بؤرات محبة، أن يتلقى المسنون والمرضى المتألمون العزاء، أن يعود مَن يدافعون عن بلدهم والأسرى إلى أحبائهم، وأن يقبل الرب الضحايا في ملكوته.
هذا وتجدر الإشارة إلى لقاء أمين السر خلال زيارته أوكرانيا أمس السبت ٢٠ تموز يوليو الجماعة الكاثوليكية في مدينة أوديسا وذلك في كاتدرائية الروم الكاثوليك. وفي كلمته خلال هذا اللقاء وجه الشكر على الاستقبال إلى الأسقف والكهنة، كما ووجه التحية إلى الكنيسة الأرثوذكسية والعلمانيين وممثلي الإدارة المحلية وجميع مَن يشاركون في لحظة الصلاة. وشدد الكاردينال بارولين على أن ما يقدِّم من تحية هي بالأحرى تحية قداسة البابا فرنسيس. وذكَّر في هذا السياق باهتمام الأب الأقدس بما يحدث في أوكرانيا وبمتابعته بقلق وألم كبير ما يعيش سكان هذا البلد. وتابع أمين السر أنه قد لمس هذا الألم بمجرد وصوله أوكرانيا وأنه يشاطر الجميع هذا الألم. وتابع الكاردينال بارولين إنه يريد تقاسم الرجاء أيضا، الرجاء في التوصل بنعمة الله إلى سلام عادل، فهذا هو تضرعنا وهذا هو رجاؤنا، جهدنا والتزامنا، قال نيافته. وأعرب عن الرجاء في أن تحمل زيارته هذه، ومثل زيارة الكاردينال ماتيو زوبي سابقا، إسهاما ولو صغيرا في بناء السلام، في مسيرة سلام في هذه الأرض.