احتفل معهد الدراسات الإسلامية والمسيحية في جامعة القديس يوسف ،في إطار تكريمه وجوها حوارية، باطلاق كتاب “مغامرة الحوار: سيرة القاضي عباس الحلبي الحوارية”، واقام ندوة في حرم الابتكار والرياضة، في حضور شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى على رأس وفد من المشايخ، المطرانين بولس مطر وشارل مراد ، فاعليات سياسية ودبلومسية ودينية.
تلحوق
بداية، تحدثت الإعلامية الديكو إيليا مرحبة، تلتها مديرة المعهد البروفسورة رولا تلحوق لافتة إلى أن “المعهد ما زال مستمرا في رسالته بالإضاءة أكاديميا على قامات ساهمت في إعلاء الحوار الإسلامي-المسيحي، فبعد اللقاء حول نهج السيد العلامة محمد حسين فضل الله وحول التجديد اللاهوتي في فكر المطران جورج خضر، نجتمع لتظهير فكر القاضي عباس الحلبي واسهاماته في الحوار الإسلامي-المسيحي خصوصا بين السنوات 2010-2020″، منوهة ب”الحلبي الذي أغنى الحوار بكتاباته ومحاضراته”، شاكرة الدكتور أنطوان أفرام سلامه من أساتذة المعهد الذي أعد الكتاب.
دكاش
ثم تحدث رئيس الجامعة البروفسور الأب سليم دكاش اليسوعي واعتبر ان “القاضي عباس الحلبي يكلل هذه الوجوه الحوارية بصفته العلمانية والحكومية، وأن سنوات الوزارة الحالية تزيد من رونق هذه السيرة التي تعلمنا أن التحديات الأساسية بالنسبة إلى العاملين في الحوار وإلى الوزير خصوصا هي تحديات قيمية، اي إن ما ينظر إليه صاحب السيرة والمسيرة هي القيم من خلال الحوار”.
وقال:”من يحمل هم الحوار والوساطات، إنما تعنيه الحقيقة والعدل والسلام والعيش المشترك وإعلاء شأن المواطنية والإخاء بين الناس. اننا بحاجة إلى هذه القيم لنسترشد بها من خلال شخص عاشها ومارسها في خضم الصعوبات والقتل والإبادة خلال فترة الحرب في لبنان، وأن التغيير يحققه أفراد رياديون مؤمنون صابرون يضحون من أجل الحوار في عز الأزمات ولا مصلحة لهم سوى الخير العام اللبناني”.
وختم:”هذه السيرة الإيمانية الملتزمة للحلبي تصلح أن تكون مرجعا وكتابا أساسيا شاهدا للماضي من دون الانغلاق عليه، بل يتجه صوب طاقات المستقبل وأمنياته”، شاكرا للوزير الحلبي “شهادته الحوارية المميزة التي نحتفظ بها من أجل الأجيال الجديدة، دليلا على أن لبنان يستحق التضحية من أجله”.
متري
بعدها تحدث الوزير السابق رئيس جامعة القديس جاورجيوس الدكتور طارق متري عن “صداقته بالقاضي الحلبي التي تميزت بالتجدد والانفتاح”، واعتبر أن “الصداقة هي أول ثمار الحوار، معترفا بقيمة الجدل بين فردانية الشريك وانتماءاته”، مشيرا إلى ما “تعلمه من الحلبي عن الموحدين الدروز من كتابه الفرنسي الدروز les druzes وما تعلمه من كتاب حياته حيث تبدو يده ممدودة نحو الآخر”.
وقال:”فالحوار عند الحلبي، هو شرط للتفاعل مع الآخرين وليس مسايرة أو تلفيقا أو استخفافا بالتنوع. فأسئلة الحوار ولاسيما حوار المواطنة الطالعة من السياقات اللبنانية والعربية لم تغب عن بال الحلبي الذي كان خائفا على حوار الحياة في أزمنة التوتر، حيث الحيرة بين صون الوحدة من جهة والحفاظ على التنوع من جهة أخرى”.
وختم:”أمام هذه الصعوبة سعى الحلبي باستمرار، إلى الكشف عن احتمالات الحوار عالما علم اليقين أن الحوار هو رغبة في إيضاح الفوارق وإحلالها في مواضعها. وان الحوار عند الحلبي لا يقوم بين الأديان والثقافات بل بين المؤمنين والمواطنين الذين يلتمسون الطاعة لله ويسعون وراء الخير العام”، مشيرا إلى أن “عباس الحلبي قد استجاب للدعوة إلى الكلمة السواء”.
السماك
كما هنأ الدكتور محمد السماك مهنئا الكاتب على “بحثه الذي يشكل مرجعا قيما في مجال الحوار”، وتحدث عن “تجربته الحوارية مع الحلبي”، معتبرا أن “المسلمين كانوا دوما مدعوين إلى الحوار ولم يكونوا مبادرين إليه، وأن دخول المسلمين إلى الحوار للمرة الأولى كان عبر مجلس الكنائس العالمي في جنيف عندما كان الدكتور طارق متري مسؤولا فيه عن لجنة الحوار ودعا الحلبي والسماك إلى المشاركة في الحوار، وأن نشاطهما الحواري توسع لاحقا بعد تأسيس الفريق العربي للحوار الإسلامي-المسيحي الذي يرأسه القاضي الحلبي وما يزال، وقد انطلقا فيه مع جميع أعضاء الفريق في مسيرة حوار لبنانية وعربية ودولية”.
وقال:”للقاضي الحلبي مبادرات تاريخية في مساعدة طائفته الكريمة، طائفة الموحدين الدروز، على الانفتاح على الحوار خارج وداخل لبنان”، مشيرا إلى “أهمية القاضي الحلبي في مؤسسة سانت ايجيديو التي كانت تنظم سنويا مؤتمرا حواريا عالميا وتحرص في جميع مؤتمراتها على أن يكون الحلبي أحد الخطباء وأحد المتحدثين الرئيسيين”.
سلامه
اما سلامه فتحدث عن “مضمون الكتاب وعن الأسلوب الذي اعتمده في نشر محاضرات الحلبي الحوارية بين السنوات 2010 و2020″، معتبرا أن “مغامرة عباس الحلبي الحوارية هي حنين إلى وطن يبنى في العقول قبل الحدود، وشوق إلى دولة تتوافق جماعاتها توافقا متينا مرتكزا على بنى متماسكة”.
وقال:”ميزة الكتاب الجديد تكمن في تفاصيل سيرة الحلبي الحوارية وفي محاضراته التي تسطر في بعضها أحداثا من الماضي القريب، وفي القصص النادرة والاقتباسات الرديفة التي تختتم كل فصل من الكتاب”، شاكرا لرئيس الجامعة ومديرة المعهد اللذين أطلقا المشروع وواكباه”.
وحيا الوزير الحلبي “الذي شق طريق الحوار والانفتاح في المذهب الدرزي، وبنى جسر عبور من الطائفية إلى المواطنة، ومن الدويلة إلى الدولة، وعلم بعباراته أن لا بديل عن الحوار، لأن البديل مدمر، ولا أحد يخرج منه منتصرا”، داعيا إلى “تجديد الثقة بمستقبل لبنان مع الطوائف كلها”.
أبي المنى
من جهته تحدث أبي المنى وعبر عن “سعادته بالمشاركة في ندوة تكريمية لأحد أبرز الوجوه الحوارية المشرقة، ممثل طائفة الموحدين الدروز في اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، معالي الوزير الأستاذ عباس الحلبي”، واعتبر انه “هو المعبر بصدق عن انفتاح بيئته التوحيدية على الحوار، والمناضل في سبيله منذ مطلع شبابه، والمتعمق في موضوعه محليا وعربيا ودوليا، والمساهم الأبرز في نشر ثقافته في مجتمعه”.
وشدد على “أهمية الحوار الذي يجب ألا يظل محصورا بين النخب المثقفة بل أن يحظى باهتمام الدولة، داعيا إلى “نشر ثقافة الحوار”، ومتحدثا عن “أهمية إنشاء وزارة أو هيئة عليا رسمية ترعى الوفاق الوطني، وعن تغيير في النظام السياسي، بالاتجاه نحو إلغاء الطائفية السياسية وإقامة مجلس للشيوخ، الذي ربما سيكون الإطار المناسب لهذا الحوار ولصيانة العيش المشترك، والذي آن الأوان لتحقيقه، بحيث تتمثل فيه الطوائف الأساسية، ويكون مصدر ٱطمئنان لها، ويكون الولاء للوطن أساسا في بناء الدولة”.
الحلبي
أما كلمة الختام فكانت للحلبي الذي اعتبر أن “أجمل شعور يحياه المرء هو اللقاء بالآخر المختلف”، وتحدث عن “تجربته الحوارية التي طبعت تفاصيل يومياته والتي ساعدته في مهامه في وزارة التربية والتعليم العالي التي هي وزارة سيادية”.
وقال:”من لا يتمتع بتجربة حوارية ومن لم يتمرس بلغة الحوار، يصعب عليه تأمين إدارة هادئة سليمة لضمان سير العملية التربوية في الظروف الصعبة”، وحيا فريق عمل الوزارة الذي “يعمل بروح التضامن والتكاتف، على الرغم من التصويب اليومي عليه من قبل بعض الوسائل الإعلامية المأجورة وبعض المواقع الإلكترونية الرخيصة، والتي تدحض افتراءاتها المقولة المأثورة الشمس طالعة والناس قاشعة”. وشكر للدكتور أنطوان سلامه محبته وكتاباته، منوها به ب”أنه مثال التواضع العلمي، والكفاءة الفكرية، والطاقة البحثية، ومثال الصديق والأخ الوفي”، كما شكر رئيس الجامعة البروفسور الأب سليم دكاش “الذي قدم الكتاب بأسلوبه العميق الرصين”، ومديرة المعهد البروفسور رولا تلحوق التي ” أشرفت على العمل وتابعته برصانتها الفكرية وملاحظاتها القيمة”، ثم شكر الحلبي المنتدين “ورفع أسمى آيات العرفان لشيخ العقل على حضوره المشرف”.
ثم قدم الكتاب إلى الحضور للقراءة والإفادة، والتقى الجميع حول نخب المناسبة.