الحضور المسيحي في الشرق الأوسط، حل النزاعات من خلال التفاوض، المستجدات في سوريا ولبنان، هذه من بين المواضيع الكثيرة التي تحدث عنها الكاردينال بارولين في مقابلة أجراها معه مدير التحرير في الدائرة الفاتيكانية للاتصالات أندريا تورنييلي.
عقب ترؤس أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الاحتفال بتكريس كنيسة معمودية السيد المسيح في الأردن الجمعة ١٠ كانون الثاني يناير أجرى مع نيافته مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي مقابلة تحدث في بدايتها عن الاحتفال الذي ترأسه فوصفه بالجميل جدا والمنظَّم بشكل جيد وفي المقام الأول بالمفعم بالرجاء، فمن اليوم الاحتفال هذا يمكن أن تنطلق رسالة وهي أن في هذه المنطقة التي تعذبها نزاعات كثيرة ويمزقها التوتر قد أصبحت أرض كانت في السابق ملغَّمة قد حقولا مزروعة ممتدة وهذا هو في حد ذاته علامة رجاء، كما وكانت علامة رجاء المشاركة الكبيرة والحية للأشخاص في هذا الحدث. وتحدث الكاردينال في هذا السياق عن أن المسيحية بإمكانها بنعمة الله أن تساعد في التوصل إلى طرق من أجل حل النزاعات القائمة. وتوقف أمين سر عند كون الحضور المسيحي في الشرق الأوسط يعود إلى زمن قديم، مضيفا أن المسيحيين يواصلون كونهم جزءً من دول ومجتمعات المنطقة وإن كانت جماعات مسيحية كثيرة تقل حجما بسبب أوضاع وأحداث تدفع المسيحيين إلى الرحيل. وأراد الكاردينال بارولين التشديد من جهة أخرى على كون الحضور المسيحي في هذه المنطقة حضورا مؤسِّسا يتمتع ببعد بَنّاء ويمكن للمسيحيين الإسهام في كل المجالات.
أجاب أمين الس بعد ذلك على سؤال حول الوضع في سوريا فقال إنه قد قرأ تصريحات إيجابية تم الإدلاء بها تسير في الاتجاه الذي تمناه البابا فرنسيس خلال لقائه مؤخرا أعضاء السلك الدبوماسي. وتحدث بالتالي عن الرجاء في أن يبدأ بالنسبة لسوريا زمن جديد يكون للجميع فيه الحقوق ذاتها، وهذا هو مفهوم المواطنة الذي يقترحه الكرسي الرسولي على الدول كافة أي مساواة جميع المواطنين وتمتعهم بمساواة في الحقوق امام القانون. وتابع نيافته راجيا أن تطبَّق التصريحات المذكورة وأن تتم حماية حقوق الأقليات وحقوق المسيحيين.
وكان سؤال آخر حول انتخاب الرئيس اللبناني أخيرا وهو ما يعتبره الكاردينال بارولين علامة إيجابية، وذكَّر بأن الكرسي الرسولي كان يؤكد خلال انتظار هذا الانتخاب أهمية هذا الأمر من أجل استمرار لبنان في أن يكون وكما قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني بلدا رسالة يشهد تعايشا بين أطراف مختلفة اجتماعيا وسياسيا ودينيا. وواصل أمين السر راجيا أن يكون انتخاب الرئيس مؤشرا لمرحلة جديدة تشترك فيها القوى السياسية كافة للتوصل إلى أرضية مشتركة وتعمل معا من أجل خير البلاد وخاصة لتحقيق الإصلاحات التي يحتاج إليها لبنان بشكل كبير. وأشار هنا على سبيل المثال إلى تحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت وعائلاتهم، وبلوغ استقرار اقتصادي يغيب حاليا ما أسفر عن الكثير من الفقر والمعاناة.
انتقل الحديث بعد ذلك إلى الحروب والنزاعات والتي يؤكد البابا فرنسيس ضرورة حلها من خلال التفاوض، وقال الكاردينال بارولين إنه من المثير للحزن أنه لم تَعد هناك قدرة على التفاوض بل يتم تفضيل قانون القوة على قوة القانون. وعاد نيافته هنا إلى لقاء البابا فرنسيس أعضاء السلك الدبلوماسي حين أشار إلى أجواء عدم ثقة وخوف متبادل تؤدي إلى استقطاب متزايد بين الدول والجماعات ما يَحول دون التوصل إلى حلول متقاسَمة. وشدد الكاردينال بارولين على غياب الحد الأدنى من الثقة الضروري للتفاوض والحوار، كما وهناك أمر آخر ضروري يشدد عليه البابا فرنسيس ألا وهو القدرة على الخروج من الذات والدخول في وجهة نظر الطرف المقابل الذي قد يكون العدو او الغريم، القدرة على الأقل على أخذ بعين الاعتبار منطق الآخر. وإلى جانب هذه الأسباب التي تؤدي إلى صعوبة التفاوض يضاف أيضا ما يشير إليه البابا فرنسيس أي أزمة المؤسسات التي تأسست من أجل دعم الحوار، أي الهيئات الدولية التي تجد صعوبة في مواصلة القيام بالدور الذي نجحت في القيام به بعد الحرب العالمية الثانية. وتابع أمين السر متحدثا عن روح هلسنكي التي يدعو البابا فرنسيس إلى العودة إليها، وقال الكاردينال بارولين إن روح هلسنكي تعني تجاوز العقلية التي تعيق التفاوض. وفي عودة إلى تلك الفترة قال نيافته إن العالم كان منقسما إلى كتلتين وربما كان التفاوض أكثر سهولة لكونهما كتلتين اثنتين فقط، بينما الأطراف اليوم هي أكثر تفككا وأكثر عددا. وتابع أن روح هلسنكي تعني تجاوز كل طرف لوجهة نظره ولاعتبارها وجهة النظر الوحيدة، وقبول أن تكون هناك وجهات نظر أخرى يمكنها أن تتوافق مع وجهة نظري من خلال التنازل عن بعض الأمور. وفي إجابته عل سؤال حول ما يُعرف بالسلام العادل قال الكاردينال بارولين إنه السلام الذي يقوم على القانون الدولي وعلى قرارات الأمم المتحدة. ثم توقف عند العدالة في الفكر المسيحي فقال إنها ليست مجرد منح كل شخص ما يحق له حسب عدالة التوزيع، بل هي العدالة التي يشير إليها يسوع، عدالة أسمى، تكمن في المحبة والمغفرة إزاء الجميع.
هذا ووُجه إلى أمين السر في ختام المقابلة سؤال حول اعتبار البعض الاتفاق مع الصين حول تعيين الأساقفة تنازلا من الفاتيكان، وفي إجابته قال إنه من المنطقي أن تكون هناك آراء مختلفة إزاء وضع معقد مثل هذا هو نتاج تاريخ صعب. إلا أن هذا هو الاتفاق الذي رأى الكرسي الرسولي أنه الأكثر فعالية، وتحدث الكاردينال هنا عن أن الاتفاق حول تعيين الأساقفة يطرح أمرين يسيران في الاتجاه الصحيح، شركة الأساقفة جميعا مع البابا وهو أمر أساسي بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، ثم السعي إلى وحدة الكنيسة من خلال تجاوز الاختلافات وضمان حياة عادية للكنيسة. وأضاف أن هذا الاتفاق ليس سحريا لكنه الحل الذي يقترح مسيرة بطيئة وليست سهلة ولكن يبدو أنها تعطي ثمارها. وذكَّر نيافته هنا بحديث البابا فرنسيس عن دبلوماسية الصبر.