محاضرة لمحمد السماك عن أبعاد *وثيقة الأخوة الإنسانية* في طرابلس

نظم “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” محاضرة للمفكر محمد السماك في “مركز الصفدي الثقافي” في طرابلس بعنوان “العلاقات الإسلامية – المسيحية بعد صدور وثيقة الأخوة الإنسانية”، في حضور النواب أشرف ريفي وإيلي خوري ةجميل عبود، الوزراء السابقون فيوليت خير الله الصفدي وعمر مسقاوي ويوسف سلامة، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد طارق إمام، رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، المطران يوسف سويف، الأب إبراهيم دربلي ممثلا المطران إفرام كرياكوس، المونسنيور الياس بستاني ممثلا المطران إدوار ضاهر، الشيخ أحمد عاصي ممثلا رئيس المجلس الإسلامي العلوي سماحة الشيخ علي قدور، عضو المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى فضيلة الشيخ فايز سيف، رئيس فرع مخابرات الشمال في الجيش اللبناني العميد الركن نزيه بقاعي، أمين عام وزارة الخارجية السابق السفير محمد عيسى، السفير السابق خالد زيادة، أمين عام المحامين العرب عمر زين، نقيب المهندسين في الشمال شوقي فتفت، نقيب أطباء الأسنان في الشمال ناظم الحفار ومهتمين..
وتمثل “اللقاء” برئيس الهيئة الإدارية الوزير السابق محمد الصفدي ونائبه النائب إيلي خوري وأمين سر اللقاء مصطفى الحلوة، وشارك من مجلس الأمناء المطران يوسف سويف المفتي مالك الشعار، الدكتور سابا زريق، الدكتور نبيل عقيص ورئيسة المجلس النسائي اللبناني عدلى سبليني زين.
استهلت الفعالية بالنشيد الوطني، ومهد للندوة الحلوة، وقدم الصفدي لإلقاء كلمة “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” التي قال فيها: “بإسم اللقاء نرحب بعلم من أعلام الفكر اللبناني والعربي والإسلامي، الباحث الدكتور محمد السماك، أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي في لبنان، الذي تجاوز إلى العالمية، وغدا من أبرز الشخصيات الأكاديمية الناشطة في قضايا الحوار بين أتباع الديانات والثقافات. وقد حاز مؤخرا على “جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام “للعام 2024”.
أضاف: “في احتفال الإعلان عن “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” في 17 شباط 2024، أطلقنا وثيقة، حددنا فيها المبادئ والتوجهات التي نسعى إلى تحقيقها، مشددين على التوجه إلى الشرائح الشبابية، لاسيما طلبة الجامعات والمدارس، بهدف تعميم الوعي الديني بين صفوفها، مركزين على القيم المشتركة الإسلامية المسيحية. ولقد نظمنا حتى الآن ندوتين تميزتا بحوار تفاعلي مع تلامذة الجامعات. وإذا كنا اليوم، ننظم هذه المحاضرة، فلأنها تتقاطع مع وثيقتنا في “اللقاء”، وتستوحي الكثير من المبادئ والقيم التي تقوم عليها ” وثيقة الأخوة الإنسانية”، التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات. وهذا المساء نتمنى على العلامة الدكتور محمد السماك أن يعلمنا ماذا تحقق من هذه الوثيقة”.
وختم: “باسم “اللقاء”، باسم هيئته الإدارية ومجلس الأمناء، نرحب بالحضور الكرام، والشكر موصول، أولا وأخيرا لمحاضرنا الدكتور محمد السماك، مقدرين له حضوره، آملين أن تكون لنا لقاءات أخرى”.
السماك
وقدم السماك مداخلة قال فيها: “وثيقة الأخوة الإنسانية، كانت لها مقدمات وممهدات وإرهاصات، استمرت لما يزيد على نيف وستة عقود، مبرزا هذه المسيرة، عبر محطات، كان للمجموعتين الإسلامية والمسيحية فيها اليد الطولى. هكذا جاءت “الوثيقة” تتويجا لتحولات بنيوية، هي نتاج حراك مديد وبناء، إسلامي مسيحي. ولعل المجمع الفاتيكاني الثاني (الكاثوليكي)، الذي عقد بين عامي 1962 و 1965، شكل الخطوة الأولى في مسار التصالح والتقارب بين المسيحية والإسلام، فتم الاعتراف بالإسلام من قبل الكنيسة الكاثوليكية، كواحد من الأديان السماوية التوحيدية. وإسنادا لذلك استل السماك من مقررات ذلك “المجمع” الفقرة الآتية :”… وتنظر الكنيسة بعين الاعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون خالق السماء والأرض، المكلم البشر (..) وهم يجلون يسوع كنبي وإن لم يعترفوا به كإله، ويكرمون مريم العذراء(..) ويؤدون العبادة لله، لاسيما بالصلاة والزكاة والصوم. وإذا كانت قد نشأت، على مر القرون، منازعات وعداوات كبيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع المقدس يحض الجميع على أن يتناسوا الماضي وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعززوا أفق العدالة الاجتماعية والخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة الجميع”.
أضاف: “هكذا راحت تطوى صفحات من العداء بين المجموعتين المسيحية والإسلامية، التي شابت العلاقات بينهما، عقب ما دعي بالحروب الصليبية، والتي استتبعت حديثا بالاستعمار الغربي “المسيحي” لعدد من البلاد العربية والعالم الإسلامي” .
وشدد على أن “الصدامات بين المسيحية والإسلام كانت بين الأوروبيين والمسلمين في الشرق، ولم يكن الدين أساسا فيها، لكنها الأطماع الاستعمارية. مع التنويه بأن هذه المرحلة الحافلة بالتوترات السياسية، تركت تأثيرات سلبية في الوعي الجمعي والصور النمطية المتبادلة”. وأشار إلى “الدور الذي أداه مجلس الكنائس العالمي في إطار تطبيع العلاقات مع العالم الإسلامي، عبر مؤتمرات وفعاليات متعددة، طوال السنوات الماضية. لم يكن يسيرا أن يبدل المسيحيون نظرتهم إلى ذواتهم وإلى المسلمين. فقد تفلتوا من قبضة التاريخ التي أحكمت سيطرتها عليهم لقرون عديدة”.
وتوقف عند سلسلة “السينودوسات التي عقدتها الكنيسة الكاثوليكية الأم، وصبت جميعها في تضييق الشقة بين المسيحية والإسلام”.
وعن المواقف الأوروبية، لفت إلى أنه “لدى وضع مسودة الدستور الأوروبي الموحد، لخمس وعشرين دولة أوروبية، رفض رئيس الجمهورية الفرنسية حينها فاليري جيسكار داستان (1974 – 1981) طلبا للبابا بتضمين مقدمة الدستور ما يفيد بأن المسيحية تشكل جزءا من الهوية الأوروبية، وقد كان الرفض صاعقا”.
توقف عند “صفحات مضيئة في التاريخ الإسلامي”، مستحضرا “علاقة النبي محمد مع النجاشي، ملك الحبشة، إذ كان أول من حمى المسلمين لدى هروبهم من كفار قريش، وقد استمروا في ضيافته سبع سنين، إلى أن استتب الأمر للإسلام. وعندما مات النجاشي، قام الرسول محمد (ص) بأداء صلاة الغائب على روح النجاشي في المدينة”. وتطرق إلى “قضية مسيحيي نجران في عهد الرسول”. وقال: “على مدى التاريخ الإسلامي، كانت مبادرات، من لدن الملك العادل، ابن أخت صلاح الدين الأيوبي، في عهد الدولة الأيوبية، لدى مجيء إحدى الحملات الصليبية إلى مصر. وفي عداد المبادرات الإسلامية المعاصرة، لا يمكن أن نضرب صفحا، عن المبادرات التي تقوم بها “مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي” في الأردن، التي أسسها الأمير الحسن بن طلال عام 1980، في تعزيز التقارب بين المسيحية والإسلام. وليس ذلك بمستغرب، فالمسيحيون، وفق القرآن الكريم، أقرب الناس مودة للمسلمين”.
أضاف: “لعل من أبرز الوثائق التي صدرت، منذ سنوات قليلة في مواجهة إرهاب بعض الشلل “الإسلامية”، التي أسهمت في تصاعد موجات الإسلاموفوبيا في الغرب، جراء ممارسة هذه الشلل عدوانها على المسيحيين في المنطقة العربية وفي بلدان أخرى، “إعلان بيروت للحريات الدينية “، الذي أصدرته “جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ” في بيروت في 23 حزيران 2015. هذا الإعلان، إلى إعلانات أخرى صدرت عن مؤتمرات إسلامية، في عدادها “رابطة العالم الإسلامي” في مكة، ومرجعيات إسلامية عليا … كل أولئك يشكل “ثروة” إسلامية يعتد بها، في مواجهة التطرف الإسلامي، الذي يقول الإسلام ما لم يقله”.
وفي مقاربة “وثيقة الأخوة الإنسانية” قال: “إن المجموعتين الدينيتين اللتين رعتاها تجاوزتا الحدود الدينية إلى الإنسان مطلقا، اسيتحاء من الآية القرآنية الكريمة : “ولقد كرمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ” (سورة الإسراء). هذه الوثيقة، إذ اعترفت بالاختلاف العقدي والتعدد، فإن ذلك يشكل نعمة من نعم الله، فالاختلاف – وليس الخلاف – هو غنى وإثراء للفكر البشري كما للفكر الديني، طالما أن الجميع يعبدون إلها واحدا، ولكن عبر سبل مختلفة”.
وعن ترجمة مبادئ “الوثيقة” الإثني عشر، رأى أن “هذه المبادئ، من أسف، لم تجد طريقها إلى المسجد، ولا إلى الكنيسة، ولا إلى المدرسة، ولا إلى المرجعيات الرسمية، وهي الجهات المولجة بوضعها موضع التنفيذ العملي”. وشدد على أن “لبنان هو بلد الرسالة، وهي الأطروحة البابوية التي أطلقها باباوات روما العظام، واحدا تلو آخر، وصولا إلى قداسة الحبر الأعظم فرنسيس، وذلك من منطلق أن المسيحيين العرب ذوي قدرة مزدوجة على مخاطبة طرفي الحوار العالمي، تيسيرا للتعرف المتبادل والتلاقي”.
وختم: “للأسف أننا كلبنانيين لم نرتفع إلى مستوى الرسالة، التي يعلقها علينا الآخرون”.
في الختام كان حوار تفاعلي بين السماك والحضور.