عُقد خلال الأيام الماضية في المعهد الشرقي بروما مؤتمر حمل طابعاً مسكونياً، شارك فيه لاهوتيون من الكنائس الشرقية الكاثوليكية وتلك الأرثوذكسية، قدموا من أوروبا، لبنان والولايات المتحدة الأمريكية. شارك في الأعمال عميد الدائرة الفاتيكانية لتعزيز وحدة المسيحيين الكاردينال كورت كوخ الذي رأى في اللقاء علامة رجاء وثقة لعالم اليوم المطبوع بحروب رهيبة. وقد تصدرت الأوضاع الراهنة في أوكرانيا والشرق الأوسط النقاشات والمداخلات.
لاهوتيون من بلدان عدة، بينها إيطاليا، ألمانيا، لبنان، النمسا، الولايات المتحدة، فرنسا، أوكرانيا، المجر ورومانيا شاركوا على مدى يومين في هذا المؤتمر تحت عنوان “النظرة المسكونية للكاثوليك الشرقيين للحوار مع الأرثوذكس” وقد نظم في المعهد الحبري الشرقي، بمبادرة من معهد الدراسات المسكونية في جامعة لفيف الكاثوليكية في أوكرانيا، وبالتعاون مع المعهد الحبري الشرقي وبدعم من جمعيات بينها “عمل الشرق”. هدفُ اللقاء عقد حوار بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه الكنائس الشرقية الكاثوليكية على الصعيد المسكوني، لاسيما فيما يتعلق بالحوار مع الكنائس الأرثوذكسية.
من بين المشاركين في الأعمال عميد الدائرة الفاتيكانية لتعزيز وحدة المسيحيين الكاردينال كورت كوخ الذي ألقى مداخلة سلط فيها الضوء على أهمية اللقاء من وجهة النظر المسكونية، مشيرا إلى أنه يشكل علامة رجاء بالنسبة للعالم المطبوع بالحروب والتي تؤثر سلباً على مسيرة الحوار المسكوني. ولفت إلى أن هذا الرجاء ينبع أيضا من مواقف الكنائس الأرثوذكسية التي هي الأقرب إلى مواقف الكنيسة الكاثوليكية، من بين جميع الكنائس المسيحية الأخرى. وتحدث نيافته أيضا عن المسؤولية الخاصة الملقاة على عاتق الكنائس الكاثوليكية الشرقية، في إطار مسيرة المصالحة المسكونية، وذكر بما قاله المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بهذا الشأن إذ أكد أن تلك الكنائس مدعوة بنوع خاص إلى تعزيز وحدة المسيحيين، لاسيما في الشرق، استنادا إلى المبادئ المسكونية التي حددها المجمع.
في أعقاب المؤتمر أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع اللاهوتي الأوكراني Pavlo Smytsnyuk الباحث في جامعة برينستون بالولايات المتحدة والمدير السابق لمعهد الدراسات المسكونية في جامعة لفيف الكاثوليكية. وقال إن الكنائس الشرقية الكاثوليكية هي صغيرة، ولديها أتباع في مختلف أنحاء العالم، لكنها تفتقر إلى التعاون. وأكد أن المؤتمر الذي عُقد في روما يندرج في سياق ثلاثة مؤتمرات ستحاول أن تقيم تواصلاً بين اللاهوتيين والأطراف المسكونية في أوروبا الشرقية وآسيا والشرق الأوسط، وأيضا في بلدان الانتشار، لاسيما في أمريكا.
ولفت على سبيل المثال إلى أن الروم الكاثوليك في أوكرانيا والسريان المالابار في الهند والموارنة في لبنان يطرحون التساؤلات نفسها عن هويتهم الخاصة وعن كيفية كونهم شرقيين وكاثوليك في الآن معا، وعن الدور الذي يمكن أن يلعبوه في إطار الحوار مع الكنائس الأرثوذكسية والأرثوذكسية الشرقية، وعن كيفية تعايشهم مع الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية. من هذا المنطلق أكد اللاهوتي الأوكراني أن مؤتمر روما شكل مناسبة لتبادل الآراء والأفكار بين مختلف الكنائس الكاثوليكية الشرقية، موضحا أنه كان يُنظر إلى تلك الكنائس في الماضي على أنها عائق في وجه الحوار المسكوني، لكن اليوم أصبحت الكنائس الأرثوذكسية تثمن الإسهام اللاهوتي والقانوني والعقائدي الذي يمكن أن يقدمه أخوتهم الكاثوليك الشرقيون لهذا الحوار.
لم تخل كلمات اللاهوتي Pavlo Smytsnyuk من الحديث عن الوضع الراهن في بلاده، التي تعيش حرباً منذ أكثر من عشرين شهرا، وهو موضوع فرض نفسه أيضا على طاولة النقاشات خلال أعمال المؤتمر. وشدد على ضرورة تكثيف الالتزام في الحوار خصوصا في زمن الحرب. وذكّر بأن خبرة الحرب هي جديدة بالنسبة للأوكرانيين لأنه قبل الغزو الروسي كان القتال يقتصر على إقليم دونباس. وقال إنه يتعين على الكاثوليك والمسيحيين عموماً في أوكرانيا أن يتعايشوا مع الحرب وأن يبقوا مسيحيين على الرغم من الصراع ولا بد من تقديم إسهامهم في أي عملية مصالحة قد تنطلق في المستقبل بغية التوصل إلى سلام عادل.
ولفت إلى أن المؤتمرين تطرقوا أيضا إلى الأوضاع التي يعيشها العديد من الأخوة المسيحيين – الكاثوليك والأرثوذكس على حد سواء – الذين نزحوا عن منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هؤلاء أيضا اختبروا أهوال الحروب. وقال إن المشاركين في اللقاء استمعوا إلى شهادات قدمها مسيحيو الشرق الأوسط سلطوا الضوء من خلالها على كيفية تعزيز التعاون لاسيما من أجل مد يد المساعدة إلى ضحايا الحرب، واقتراح حلول ومبادرات سلمية، من هذا المنطلق شكل المؤتمر أيضا مناسبة بالغة الأهمية للاطلاع على هذه الخبرات والتعلّم منها.
في ختام حديثه لموقع فاتيكان نيوز الإلكتروني شدد اللاهوتي الأوكراني على أهمية الحوار مشيرا إلى أن السلام والمصالحة يتطلبان قدرات محددة: القدرة على الإصغاء والحوار، وأضاف أن الحوار الكاثوليكي – الأرثوذكسي، لاسيما بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية وتلك الأرثوذكسية، هو حوار يحتفظ بذاكرة الصراعات الماضية، وهذا الأمر يتطلب قدرة على الإصغاء والحوار، وإمكانية رؤية الأوضاع من وجهة نظر الشخص الآخر، الشخص الذي قد نختلف معه، لذا فإن الدخول في حوار مسكوني يعني تعلم كيفية العيش خلال الحرب والبقاء مسيحيين أصيلين بعد انتهائها.