كلمة البابا فرنسيس إلى المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبريّة

“إن التطورات التكنولوجية التي لا تؤدي إلى تحسين نوعية حياة البشرية جمعاء، بل على العكس تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة والصراعات، لا يمكن اعتبارها تقدما حقيقيا” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبريّة
بمناسبة انعقاد الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبريّة للعلوم وجّه قداسة البابا فرنسيس كلمة إلى المشاركين جاء فيها جميعا نشعر بقلق متزايد إزاء التأثير القوي الذي تحدثه البشرية على الطبيعة والنظم الإيكولوجية. لقد علمت أن أحدكم، بول كروتزن، في وصفه لهذا التأثير على الخليقة، أشار إليه على أنه يشكل عصر الأنثروبوسين. لقد كان بعض أعضاء أكاديميتكم من بين الأوائل الذين حددوا التأثير المتزايد للنشاطات البشرية على الخليقة، ودرسوا المخاطر والمشاكل المرتبطة بها. في الواقع يكشف عصر الأنثروبوسين عن عواقبه المأساويّة على الطبيعة والبشر، ولاسيما في أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
تابع الأب الأقدس يقول لذلك، أنا ممتن لأن الأكاديمية الحبريّة للعلوم تواصل التركيز على قضايا مثل هذه، مع اهتمام خاص لآثارها على الفقراء والمهمشين. إن العلوم، في سعيها للمعرفة وفهم العالم المادي، لا يجب أن تغفل أبدًا عن أهمية استخدام هذه المعرفة لخدمة وتعزيز كرامة الأشخاص والبشريّة ككل. وبينما يواجه العالم تحديات اجتماعية وسياسية وبيئية خطيرة، نحن نرى بوضوح الحاجة الملحة إلى سياق أوسع، لا يعتمد فيه الخطاب العام الشامل على التخصصات العلمية المختلفة فحسب، وإنما على مشاركة جميع المكونات الاجتماعية أيضًا. وفي هذا الصدد، أرحب وأشيد بشدة بعزم الأكاديمية، في مؤتمراتها المختلفة، على الاهتمام بالمهمشين والفقراء، من خلال إدراج الشعوب الأصلية، وحكمتها في مناقشاتها.
أضاف الحبر الأعظم يقول في هذا العام، تنظر جمعيتكم العامة أيضًا في المعارف والابتكارات الناشئة الجديدة، فضلاً عن الفرص المرتبطة بالعلم وسلامة الكوكب. أفكر بشكل خاص في التحديات التي يفرضها التقدم الذي تمَّ إحرازه في الذكاء الاصطناعي. يمكن لمثل هذا التطور أن يكون مفيدًا للبشرية، على سبيل المثال من خلال تعزيز الابتكارات في مجالات الطب والرعاية الصحية، فضلاً عن المساعدة في حماية البيئة الطبيعية وتمكين الاستخدام المستدام للموارد في ضوء التغيرات المناخيّة. ولكن، كما نرى، يمكن أن يكون لها أيضًا آثارًا سلبية خطيرة على السكان، ولاسيما بالنسبة للأطفال والبالغين الأكثر هشاشة. كذلك، من الضروري أن ندرك ونمنع مخاطر الاستخدامات التلاعبية للذكاء الاصطناعي لتشكيل الرأي العام والتأثير على خيارات المستهلكين والتدخل في العمليات الانتخابية.
تابع الأب الأقدس يقول تذكرنا هذه التحديات بالأبعاد الإنسانية والأخلاقية الثابتة لكل التقدم العلمي والتكنولوجي. لذلك، أرغب في أن أُعيد الـتأكيد على اقتناع الكنيسة بأن “الكرامة الجوهرية لكل شخص والأخوة التي تربطنا كأعضاء في العائلة البشرية الواحدة يجب أن تكون أساس تطوير التكنولوجيات الجديدة. إن التطورات التكنولوجية التي لا تؤدي إلى تحسين نوعية حياة البشرية جمعاء، بل على العكس تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة والصراعات، لا يمكن اعتبارها تقدما حقيقيا”. وبهذا المعنى، فإن تأثير أشكال الذكاء الاصطناعي على الأفراد وعلى المجتمع الدولي يتطلب المزيد من الاهتمام والدراسة. ويسعدني أن أعرف أن الأكاديمية الحبريّة للعلوم تعمل، من جانبها، على اقتراح قواعد مناسبة لمنع المخاطر وتعزيز الفوائد في هذا المجال المعقد.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الأصدقاء الأعزاء، في الوقت الذي يبدو فيه أن الأزمات والحروب والتهديدات للأمن العالمي هي التي تسود، تظهر مساهماتكم الهادئة في تقدم المعرفة في خدمة العائلة البشرية أكثر أهمية لقضية السلام العالمي والتعاون الدولي. أشكركم على مشاركتكم في عمل الأكاديمية وأتوجّه إليكم بأطيب تمنياتي لمداولات الجمعية العامة الحالية. عليكم وعلى عائلاتكم وعلى جميع المرتبطين بالتزامكم المهم أستمطر بركات الله الغزيرة وأطلب منكم أن تذكروني في صلواتكم.