توجه راعي ابرشية صور وصيدا للروم الارثوذكس المطران الياس كفوري الى اللبنانيين بكلمة لمناسبة عيد الميلاد وقال: “المسيح ولد فمجدوه، لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه، مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني…” (غلاطية 4:4)، عندما رأى الله ان الوقت مناسب، وعندما اكتملت النبوءات. وبعدما أرسل الله الكثير من الأنبياء والمرسلين، قرر أن يرسل ابنه الوحيد ليخلصنا من الخطيئة. نرى إشارة إلى ذلك في مثل الكرم الوارد في إنجيل لوقا (لوقا 10:20) إرسل الله ابنه مولودا من امرأة. أتى يسوع متجسدا “من الروح القدس ومن مريم العذراء”. أي أتى مولودا كسائر الناس. “حل بيننا”. ورأينا مجده مجد وحيد للآب مملوءا نعمة وحقا. (يوحنا 14:1).
مولودا تحت الناموس. قد يسأل سائل لماذا خضع المسيح للناموس وهو ابن الله القادر على كل شيء؟ الجواب هو أنه فعل ذلك احتراما للإنسان من جهة، ولكي يتحد بنا (أي بالبشر) اتحادا كاملا من جهة اخرى. فعل ذلك لأنه يحبنا. كل عملية التجسد والفداء حصلت بسبب محبة الله لنا. لأنه أراد أن يخلصنا من نير الخطيئة، “هكذا أحب الله العالم، حتى أنه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 16:3).
“ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”. أي أن الله فعل ذلك ليعيد لنا مكانتنا الحقيقية لكوننا أبناء الله بالتبني. يسوع افتدانا بدمه ليجعلنا أبناء الله.”فلست بعد عبدا بل أنت ابن” يقول يوحنا الإنجيلي في هذا السياق: “أما الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا أن يكونوا أولادا لله، الذين يؤمنون باسمه. الذين لا من دم ولا من مشيئة لحم ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا” (يو 1:1)”.
أضاف: “هذا هو المعنى الحقيقي للميلاد أن نكون فعلا أبناء الله. والإبن يحب أباه ويطيعه.ولد المسيح في بيت لحم حسب النبوءات “أما أنت يا بيت لحم أفراثا، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل”(ميخا 5 : 2)
في بيت لحم، مهد المسيح، تمتهن كرامة الإنسان .الإنسان الذي ولد المسيح من أجله، ماذا يحل بأطفال بيت لحم اليوم؟ وكأن التاريخ يعيد نفسه. هيرودس قتل أطفال بيت لحم خوفا على عرشه. واليوم أكثر من هيرودس يقتل ويشرد شعبا بأكمله. لا يقتصر الأمر اليوم على بيت لحم والقدس وسائر الأراضي المقدسة، بل يمتد إلى غزة والمدن والبلدات الفلسطينية التي تستباح وتمتهن كرامتها كل يوم.
منذ ألفي عام ونيف كان العالم يغلي بسبب كثرة الشرور. فرأى الله ان حسن ان يرسل ابنه الى البشرية ليخلصها من تلك الشرور ومن الخطيئة المسيطرة عليه منذ السقوط من الفردوس. “لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه”.
وتابع: “ولد المسيح في مغارة بيت لحم دلالة على تواضعه. أليس هو القائل: “تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم؟”(متى 11: 29 ).
ولد ليعيد للإنسان كرامته التي كانت قد هدرت بسبب عصيانه وإبتعاده عن الله. ولد المسيح بسبب محبته للبشر. أتى لأنه يحبنا. أتى ليخلصنا. “هكذا أحب الله العالم….
بميلاد المسيح انتقلنا من عهد العبودية إلى عهد الحرية: حرية أبناء الله. أصبحنا نخاطب الله بقولنا: “أبانا الذي في السموات” في الميلاد تحررنا في العبودية: “فلست بعد عبدا بل انت ابن…” والبون شاسع بين العبد وبين الإبن. العبد لا يرث أما الإبن فيرث: “واذا كنت ابنا فأنت وارث لله بيسوع المسيح”. (غلا :4:4). في الميلاد تخلصنا من الشريعة (شريعة موسى) لنصبح أبناء الله بيسوع المسيح ربنا”.
وقال كفوري: “ما أشبه اليوم بالأمس. فكما كان العالم يغلي منذ ألفي عام هو يغلي اليوم بسبب الحروب والقلاقل التي تحصل فيه. هذه الحروب التي يقول القائمون بها إنها تحفظ لهم امنهم القومي. أو يقومون بها دفاعا عن النفس. هاتان الحجتان لا تبرران القتل الوحشي والإضطهاد وامتهان كرامة الإنسان، الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. هذا الإنسان أمرت الديانات السماوية بالمحافظة على كرامته. لذلك من يعتدي على الإنسان يعتدي على الله لأن الإنسان ابن الله وحبيبه. الله أراد للانسان الكرامة والعزة والحياة الكريمة. “صار الإله إنسانا ليصير الإنسان إلها” قال القديس أثناسيوس الكبير.
ندعو في هذا العيد المبارك لإحلال السلام في العالم بدل الحرب. ندعو لتسود المحبة جميع الناس بدل الكراهية والاقتتال الذي لا يريده الله. ندعو جميع الأطراف لوقف دائم لإطلاق النار في غزة وفي كل الشرق الأوسط”.
وختم: “أما في لبنان فإننا ندعو للالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 تطبيقا كاملا (من الطرفين). وندعو الأمم المتحدة لتطبيق قراراتها على الجميع وليس على طرف واحد كما ندعو مجلس الأمن لفرض قراراته على الطرف المعتدي (أي إسرائيل)
كما أننا نقدم التعازي الحارة لذوي الشهداء الذين سقطوا في الآونة الأخيرة بسبب الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان. نحيي أهلنا في الجنوب. الذين صمدوا وتمسكوا بأرضهم وبمقدساتهم بالرغم من قساوة الإعتداءات وجسامة الخسائر. كما ندعو المسؤولين في الدولة اللبنانية ليعوضوا عن تلك الخسائر ويعيدوا بناء ما تهدم.ونكرر المعايدة صارخين مع الملائكة والرعاة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”.