في مقابلة تلفزيونية طويلة أجرتها معه قناة إيطالية أجاب البابا فرنسيس على أسئلة كثيرة حول مواضيع متعددة من بينها الوثيقة الأخيرة حول منح البركة للمثليين وإصلاحات الكنيسة والهجرة والحروب وغيرها.
أجرى برنامج أسبوعي في قناة Nove التلفزيونية الإيطالية مقابلة الأحد ١٤ كانون الثاني يناير مع قداسة البابا فرنسيس تم التطرق خلالها إلى مواضيع عديدة. وكان من بينها الوثيقة الصادرة مؤخرا عن دائرة عقيدة الإيمان Fiducia supplicans حول المعنى الرعوي لمنح البركة والتي أثارت نقاشا خلال الأسابيع الأخيرة حول منح البركة للمثليين. وقال البابا فرنسيس إن لدى اتخاذ قرارات هناك ثمن يُدفع ويمكن ألا يتم قبول القرارات في بعض الحالات، إلا أن هذا يحدث غالبا بسبب عدم معرفة هذه القرارات بشكل جيد. وتابع الأب الأقدس أن مَن لا تعجبه الاختيارات عليه أن يتحدث ويُعرِّف بشكوكه وإطلاق نقاش أخوي، وهكذا تسير الأمور إلى الأمام. هناك بالتالي، وحسبما واصل قداسة البابا، خطر أن نختزن الرفض في قلوبنا فيتحول إلى مقاومة واستنتاجات سيئة، وهذا ما حدث إزاء القرارات الأخيرة المتعلقة بمنح البركة للجميع.
وواصل الأب الأقدس مسلطا الضوء على أن الرب يبارك الجميع، يبارك كل مَن يأتي إليه، إلا أنه يجب على الشخص أن يدخل في حوار مع بركة الله وأن يرى ما هو الطريق الذي يقترحه عليه الرب. علينا أن نُمسك بأيادي الأشخاص، قال البابا فرنسيس، ومساعدتهم على السير على هذه الدرب لا أن ندينهم منذ البداية، هذا هو العمل الرعوي للكنيسة. وتوقف قداسته عند أهمية هذا العمل بالنسبة للمعرِّفين، وذكر في هذا السياق إنه يقول دائما للمعرفين إن عليهم مغفرة الجميع وأن يعاملوا الناس بطيبة مثلما يعاملنا الرب، وحين ترغبون في مساعدة الأشخاص عليكم التحدث إليهم للتمكن من السير قدما، يقول البابا. وأضاف قداسته أنه وخلال سنواته الأربع والخمسين ككاهن لم يمنح سر المصالحة مرة واحدة وذلك بسبب ما وصفه برياء ذلك الشخص. وتابع متحدثا عن هذا البعد للكنيسة والذي يأتي من القلب، أن تكون بيت الجميع. وذكَّر البابا هنا بمَثل وليمة الملك الذي رواه يسوع، فالملك قد أرسل خدمه ليخبروا المدعوين إلى العرس والذين أبوا أن يأتوا فأرسل إليهم خدما آخرين لكنهم لم يبالوا لاهتمام كل منهم بأشغاله، فطلب الملك من الخدام أن يذهبوا إلى مفارق الطرق ويدعوا إِلى العرس كل مَن يجدونه، الجميع، قال الأب الأقدس، هذه هي دعوة الرب الذي لا يكل عن المغفرة بينما نحن مَن نتكاسل عن طلب المغفرة.
تحدث البابا فرنسيس بالتالي عن قلب الرب المنفتح دائما مقابل قلوبنا المتحجرة غير القادرة على طلب المغفرة. وقال قداسته إن الرب ينتظر بل ويقرع أبواب قلوب كثيرة، وتابع متحدثا عن حركة في اتجاهين، أي أن نقترب من الله وأن ندعه يقترب منا، وأضاف أن هناك مَن يصور لنا الله في بعض الأحيان كما لو كان قاضيا قاسيا، صحيح أنه قاضٍ إلا أنه عطوف ورحوم، هذا هو الرب، ولكن تكمن المشكلة في أننا نخشى طلب المغفرة. هذا وشبَّه البابا فرنسيس عقاب الله بعقاب أب أو أم، فالوالدان يفعلان هذا من أجل الإصلاح، إنها معاقبة بمحبة، وحين يضربان طفلا فإن كانا صالحَين فإنهما يفعلان هذا بحيث أن أياديهما هي ما تشعر بألم أكبر مما يشعر به الطفل، وإن لم يشعرا بهذا الألم فهناك شيء خاطئ. وواصل قداسة البابا مشددا على أن الله يريد أن يغير حياتنا ولا يكل عن المغفرة.
هذا وكانت الحروب التي يشهدها عالمنا من المواضيع التي تم التطرق إليها خلال المقابلة التلفزيونية مع الأب الأقدس الذي أجاب على سؤال إن كان هناك ما يخيفه، فقال إنها قدرة البشرية اليوم على تدمير الذات. وتحدث قداسته عن الحروب فقال إنها موجودة دائما في التاريخ إلا أنها دائما اختيار أناني بينما هناك في المقابل السلام كفعل معاكس، فهو مد الأيادي. وتوقف قداسته عند الحربين الدائرتين حاليا في أوكرانيا وفي فلسطين واللتين نشعر بهما بشكل أكبر لأنهما أكثر قربا. وسلط قداسته الضوء مجددا على الاتجار بالسلاح وقال إن أحد الاقتصاديين قد أخبره أن إنتاج السلاح هو الاستثمار الأكثر ربحا، وقال قداسته إنه استثمار في القتل. وعن قرار شن الحروب قال البابا فرنسيس إنه من الصعب الحديث عن أسباب عامة، فهناك مَن ينطلق من نزعات وطنية أو من مصالح اقتصادية أو مَن يسعى إلى تأسيس امبراطورية ومَن ينطلق من الرغبة في الهيمنة، إلا أن الحروب وبغض النظر عن المبررات هدفها دائما التدمير. وأشار قداسته إلى أنه يكفي أن نرى ما يحدث في قطاع غزة أو في أوكرانيا. وتابع متحدثا عن تبعات الحرب على الأطفال بشكل خاص مذكرا باستقباله عددا من الأطفال الاوكرانيين، وتذكر كيف أن ليس هناك من بينهم مَن كان يبتسم حتى حين أعطاهم قطعا من الشوكولاتة وذلك على الرغم من كون الابتسام فعلا تلقائيا لدى الأطفال، قال البابا، وأضاف أن جعل طفل ينسى الابتسام هو جريمة، وقال: هذه هي الحرب، تمنع من الحلم.
وفي سياق الحديث عن الأطفال أشار البابا فرنسيس إلى ما يتعرضون إليه من استغلال وإقصاء، وقال إننا ننسى أنهم المستقبل ونحن نحرمهم من المستقبل. وتابع أن الأطفال حين يكبرون قد يرتكبون الأخطاء وينتهي بهم الأمر في السجن فنقول إنه جيل سيء، بينما المجتمع هو مَن رباهم بهذا الشكل وذلك بأن وضعهم على الهامش، وهكذا يشعرون بالإقصاء، ووصف قداسته هذا بحكم بالإعدام على الأطفال. وأراد البابا التذكير هنا باللقاء العالمي الأول للأطفال الذي سيُعقد في شهر حزيران يونيو القادم في روما وذلك للفت الانتباه إلى كون الأطفال المستقبل ولكن حسب ما نمنحهم وكيفما نربيهم.
وفي إجابته على سؤال حول الشر قال البابا فرنسيس إنه يأتي من القلب ولكن لدينا إمكانية الاختيار، فبإمكان القلب أن يصنع الخير أو الشر وهنا تكمن الحرية الشخصية. الإنسان حر، قال البابا وأضاف أنه وكما ذكر في حال الأطفال قد يوضع الشخص في ظروف تفرضها السياسة الاجتماعية إلا أن قلب الإنسان يتمتع بالحرية، وتابع أن حين يقرر زعيم بلد شن حرب فإنه يفعل هذا بحرية.
أجاب قداسة البابا بعد ذلك على سؤال حول الإصلاح الأكثر إلحاحا بالنسبة للكنيسة، فقال إنه إصلاح القلوب، للمسيحيين جميعا. وتابع أن البني والتركيبات يمكن الحفاظ عليها أو تغييرها أو إصلاحها، لكن يمكن لهذه أن تكون أفعالا ميكانيكية إلا أنه من الضروري تحديثها دائما، ولكن القلب يجب أن يتم إصلاحه بشكل يومي، علينا أن نتوب وأن نغير قلوبنا، قال الأب الأقدس.
كانت الهجرة من المواضيع الأخرى التي تم التطرق إليها حيث تحدث البابا فرنسيس عن القسوة التي يتم التعامل بها مع المهاجرين. وذكَّر قداسته بأن الهجرة حق لكل إنسان إلا أن هناك حقا آخر ألا وهو حق الشخص في البقاء في بلده، ودعا إلى وضع سياسات هجرة تأخذ هذا بعين الاعتبار وتحارب ما وصفها بمافيا الاتجار بالبشر وتنظر أيضا إلى احتياجات دول مختلفة إلى يد عاملة بسبب تراجع الولادات.
هذا وردا على الأسئلة الموجهة إلى قداسته قال البابا فرنسيس إن التخلي عن الخدمة البطرسية ليس أمرا يفكر فيه أو يقلقه أو يتمناه، بل هو إمكانية لكل الباباوات. وأضاف أنه ما دام قادرا على الخدمة فسيواصل ذلك، وحين سيفقد هذه القدرة سيفكر حينها في الأمر. أشار الأب الأقدس من جهة أخرى إلى نيته زيارة بولينيزيا كما وهناك خطة لزيارة الأرجنتين.
تطرق الحديث مع البابا فرنسيس أيضا إلى الرجاء حيث أكد قداسته أن الرجاء لا يخيِّب أبدا وعلينا دائما التشبث به. وفي إجابته على سؤال حول ما يجعله يبتسم قال البابا إنها رقة الأطفال، وشدد على أهمية التحدث إلى الأطفال وأيضا إلى الأجداد. ثم سئل قداسته لماذا يطلب دائما من الجميع أن يُصلوا من أجله، فأجاب: لأني خاطئ وأحتاج إلى مساعدة الله للبقاء أمينا للدعوة التي منحني إياها. وفي ختام المقابلة أجاب البابا على سؤال حول تخيله لوجه الله فقال إنه يتخيله كوجه الأب السخي في مَثل الابن الضال، وتحدث بالتالي عن الرب الذي يرافقنا دائما ويجعلنا نواصل السير.