احتفل راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي بقداس الفصح المجيد في كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا برازيليا، عاونه فيه النائب الاسقفي العام المونسنيور رافائيل طرابلسي والشمامسة.
شارك في القداس عدد من ابناء الطائفة الكلدانية وأبناء الرعية، وخدمت الرتبة جوقة الكاتدرائية وجوقة مار يوسف سد البوشرية.
بعد الانجيل المقدس ألقى المطران قصارجي عظة تناول فيها معاني العيد، جاء فيها:
“من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر ؟” (مرقس 16/3)
هذا السؤال الذي يعبر عن تفصيل ثانوي ربما، أراده القديس مرقس نقطة أرتكاز للمفاجأة القادمة ورسالة خاصة لكل منا؛ إذ لما جاءت النسوة يتساءلن “من يدحرج لنا الحجر؟” كان الرب قد خرج من القبر فالحياة لا يضبطها حجر وعدم الفساد لا يقيد من عالم الفساد.
لكن ما يضبط الحياة ويؤجل القيامة هي جدران القلب المبنية والتي أساسها حرية الخلائق. وهذه الجدران لا يستطيع الله أن يحركها، إنما رغبة الإنسان وتوبته فقط.
الجدار الأول الذي يحول دون القيامة هو “أن نحصر القيامة في العبادة”، أي أن نعيد لقيامة يسوع في الطقوس والصلوات والترانيم، وبالأصوام التي تسبقها والصلوات التي تليها، وذلك دون أن نفتت فينا كل هذه الصلوات شيئا من حجارة قلوبنا متذكرين أنه عندما تبدل بولس الرسول سقطتﹾ عن عينيه قشور. وللعبادة هذا الدور: أن تكسر جدرانا قاسية بنتها ظروف الحياة وتهاون النفس، ودون هذا التبديل تبقى الحياة في القبر!
الجدار الثاني هو “أن نحصر عيد القيامة في العادة”. أي أن نعيد بالعادات. فقد نحيا من العيد عاداته، ونجد في العيد علاقات اجتماعية. وهذا كله وإن كان مباركا، لكن حين يبقى وحيدا في العيد ينقلب إلى جدار يأسر الحياة . العادات هي ألوان للتعبير عن جدة الحياة. والموت هو أن نفرغ العبادة من مضمونها. وجب أن تكون العادات انعكاسا لنور الحياة الجديدة على زوايا الحياة اليومية. فانعكاس القيامة والحياة الجديدة على المجتمع، هي العلاقات الطيبة. وانعكاس نور الحياة الجديدة على الثياب هو بياض ألوان المعمودية. وكل عادة جميلة في العيد يجب أن تكون تعبيرا عن القيامة الروحية كحياة جديدة . لأن النور من القيامة، ودون شعاع النور كل انعكاس هو ظلمة.
هذا هو إيماننا، وهذه قوة الله التي لا يمكن للموت أن يقوى عليها. ابن الله تجسد ليكون معنا، ويحمل في جراحاته أوجاعنا، وهو قام من الموت لنعبر معه ونمشي على درب قيامته صعودا ونحن حاملون ملامح الانسان الجديد المفتدى.
والجدار الثالث هو أن “نحصر القيامة في التاريخ” أي أن نعيد وكأننا نحيي مجرد تذكار لقيامة المسيح قبل ألفي عام كما نعيد لأي تذكار آخر؛ أي أن نظن أن حياتنا مفصولة عن حياة الرب يسوع، أو أن قيامته لا تمس حياتنا إلا في إحياء الذكرى لها.
هذا هو ايماننا، فالرب يسوع قال لتلاميذه: “ها أنا معكم إلى منتهى الأيام”. (متى 28/20) وقال أيضا: “لست أترككم يتامى”.(يوحنا 14/18)
من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ نحن ندحرج جدران الرتابة في العبادة، ونستمد من العبادة الحياة بدل أن ندفن الحياة في العادات. نحن من يهدم جدار سطحية الأعياد، إذ نحيا في العيد مضمونه وليس الشكل منه فقط. نحن من يحطم جدار الزمن ونجعل ما حصل بالماضي فعلا حاضرا حافلا فلا ندفن الحياة في مجرد الذكريات. نحن من يدحرج الحجر عن قبر الوطن والكنيسة والشرق المتألم بوحدتنا وتماسكنا ومحبتنا وقوة إيماننا.
لا نستطيع الحديث عن دحرجة الحجارة دون أن نناشد أصحاب القرار بدحرجة حجارة الحرب عن الأطفال والشيوخ والنساء في غزة. لا نستطيع الحديث عن دحرجة حجارة القبر دون الإشارة الى ضرورة دحرجة الحجر الثقيل عن شعب أوكرانيا وعن شعب لبنان في المناطق الحدودية الجنوبية، وما يتهدد أبناءنا في بيروت والبقاع أيضا إثر المناورات الإسرائيلية والتعديات على امن وسلامة المواطنين.
نطالب اليوم بقيامة لبنان من كبوته وبقيامة العراق وسوريا وفلسطين من لجج الموت والخوف، ونطالب على وجه الخصوص، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يعيد الى الشعب شيئا من ومضات الأمل المسلوب، نصلي ونطلب من يسوع القائم من الموت أن يعيد للكنيسة الكلدانية وكل الكنائس في العراق، التمتع بالصلاحيات التي كانت تتمتع بها، خدمة لمؤمنيها وأبنائها.
نطالب باستعادة أموال المودعين المنهوبة في المصارف، بعد أن عادت أسعار السلع الى سابق عهدها كما في مرحلة ما قبل الأزمة المالية، فيما رواتبهم لا تكفيهم للنهوض بأعباء المعيشة ومتطلبات الحياة، في ظل احتدام الأزمة الاقتصادية الخانقة. نطالب بإحقاق الحق وإعلاء صوت العدالة في جريمة مرفأ بيروت.
المسيح قام وكل شيء جديد، المسيح قام ونحن قد حيينا، المسيح قام والحياة أشرقتﹾ من القبر. فلنعش كأبناء القيامة الحقيقيين، علنا ننهض الوطن ومسيحيي العالم وشرقنا الحبيب من كبوة طال زمانها وآن لنا أن نضع حدا لها.
فليلهم نداء المسيح ضمائرنا من جديد وليعطنا سلامه مزيدا من الرجاء، ولنخرج من التشكيك بقدراتنا على النهوض، ولتمنحنا قيامته صفاء في القلوب وسلامة في النوايا، ومقدرة على الغفران، عندئذ يدخل العيد الى حياتنا ويحق لنا أن نتبادل تحية القيامة.
أتقدم من جميع أبناء هذه الأبرشية الحبيبة حاضرين وغائبين بأصدق تعابير التهنئة الفصحية، سائلا الناهض من القبر في اليوم الثالث أي يشملنا ببركات قيامته المجيدة ويغزر علينا رحمته وينعم علينا بسلامه الذي لا يزول.
المسيح قام، حقا قام”.
قصارجي في قداس الفصح: نطالب بقيامة لبنان من كبوته وانتخاب رئيس يعيد الى الشعب شيئا من ومضات الأمل
