ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “في الأحد الواقع بين عيدي الصعود والعنصرة نعيد للآباء القديسين المجتمعين سنة 325 في المجمع المسكوني الأول في نيقيا. فبعد قيامة الرب وبدء الرسل بشارتهم بعمله الخلاصي، أي آلامه وموته ودفنه وقيامته وظهوره للتلاميذ، الأمور التي تشكل فحوى الإنجيل، أي البشرى السارة بالخلاص (1كو 15: 1-5)، ظل الشك يواجه هذه البشارة في ما يتعلق بطبيعة الرب يسوع كإله وإنسان: من هو؟ من أين أتى؟ ما علاقته بالله؟ لذا رتبت الكنيسة الآحاد التي تلي الفصح: توما، حاملات الطيب، المخلع، السامرية والأعمى حيث نقرأ عن الشك الذي رافقهم حتى التقوا بالرب القائم من بين الأموات، وأعلنوا أنه هو في الحقيقة المسيح ابن الله مخلص العالم. هذا ما تنقله لنا الكنيسة اليوم أيضا. فآباء المجمع المسكوني الأول، المنعقد في نيقيا سنة 325، وضعوا القسم الأول من دستور الإيمان، كما وضعوا قانون الكتاب المقدس، أي حددوا الكتب التي هي حقا كلمة الله”.
أضاف: “بدأ الشك مع بدء البشارة. فقد واجهت الرسل تساؤلات حول صحة تعليمهم، فاضطروا أن يواجهوا عن طريق البشارة المكتوبة، موضحين حقيقة تجسد المسيح ابن الله، الذي أرسله الله الآب إلى العالم بسبب محبته للبشر، باذلا إياه على الصليب «لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16). لقد حاول بعض من قبلوا البشارة تحوير الإنجيل، لأنه لم يكن يناسبهم، ولم يكن باستطاعتهم قبول الرب كما أعلن لهم، فأخذوا يعلمون بطريقة تخالف تعليم الكتاب المقدس، فتصدى لهم الرسل معتمدين على الكتاب المقدس، ليقطعوا الطريق أمام التعاليم الخاطئة. يقول الرسول بولس: «عجبت لسرعة ارتدادكم هذا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح، إلى بشارة أخرى، وما هي بشارة أخرى، بل هناك قوم يلقون البلبلة بينكم، وبغيتهم أن يبدلوا بشارة المسيح. فلو بشرناكم نحن أو بشركم ملاك من السماء بخلاف ما بشرناكم به، فليكن محروما!» (غل 1: 6-7).
إستمرت المواجهة في الكنيسة، إلى أن وصل الأمر بالشماس آريوس وأتباعه إلى التشكيك بألوهية الرب يسوع، كما يفعل أتباع شهود يهوه في أيامنا، مدعين أن الرب يسوع ليس إلها، مفسرين تعليم الكتاب المقدس بشكل خاطئ، ما دفع بالكنيسة، ممثلة بالملك القديس قسطنطين ورؤساء الكهنة، للتصدي لهذا التعليم، على صعيد الكنيسة جمعاء. دعا الملك إلى عقد مجمع في مدينة نيقيا، في آسيا الصغرى، حضره 318 من آباء الكنيسة، ووضعوا نصا حددوا فيه الإيمان القويم، إستنادا إلى تعليم الكتاب المقدس، فاعترفوا ب«ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق» التي تعني أنه ذو جوهر واحد مع الآب، أي أن الرب يسوع هو ابن الله الآب، وهو إله كامل ومساو للآب في الجوهر، كما رفضوا كل تعليم آخر يخالف هذا التعليم”.
وتابع: “الإيمان بأن يسوع هو ابن الله يشكل الركيزة الأساسية للكنيسة، وهذا جوهر تعليم آباء المجمع المسكوني الأول. عندما سأل يسوع تلاميذه: من تقولون إني أنا «أجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي، فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى16-18). على صخرة إيمان بطرس بنى الرب الكنيسة التي سنعيد لتأسيسها يوم العنصرة”.
وقال: “لم يكن دستور الإيمان النيقاوي أول دستور إيمان في الكنيسة. فقد وضعت اعترافات إيمان متعددة، لاستعمالها في خدمة المعمودية، لكي بواسطتها يعبر المقبلون إلى المعمودية عن إيمانهم. كان هدف دساتير الإيمان وضع الأساس الصحيح لحياة كل من يقبل الرب يسوع كسيد لحياته، لكي يسلك الطريق الصحيح الذي سلكه الرب يسوع «حتى موت الصليب»، أي طريق طاعة الله. الدستور الذي أقر في المجمع المسكوني الأول كان دستور إيمان المعمودية المستعمل في قيصرية فلسطين. تكمن الخطورة في محاولة تحوير صورة الرب يسوع عما هي في الكتاب المقدس، الأمر المؤدي إلى الإرتباط بيسوع آخر (2كو 11: 4)، مصور على قياسنا، وفق ما يناسبنا. هكذا، لا تحور فقط صورة الرب يسوع، بل تعليمه أيضا. هذا يؤدي إلى تحويل الطريق الذي وضعه الله في الكتاب المقدس، وعوضا عن الوصول إلى الله، نصل إلى إله آخر، ولا ننال الحياة الأبدية التي وعد بها الله كل من يؤمن بابنه الوحيد يسوع المسيح (يو 3:16).”
أضاف: “منذ أيام الرسل وحتى أيامنا، هناك دائما من لا تناسبه حقيقة ما فيعمل على تحويرها أو تشويهها أو خلق حقيقة أخرى تناسبه وتتماشى مع مصالحه. أليس هذا ما حصل ويحصل عندنا منذ ما قبل الإستقلال؟ ألا ترى كل جهة إلى الأمور بحسب ميولها ومصالحها؟ لذا نسمع دائما تفسيرات مختلفة لحدث واحد كالفتن التي شهدتها القرون السابقة، أو الحرب المشؤومة التي عشناها في ثمانينات القرن الماضي، والحروب الكثيرة التي مر بها لبنان، والتي يراها البعض انتصارا والبعض الآخر انكسارا. إن مفهوم الإنتصار يختلف بين مجموعة وأخرى، ما يولد تباعدا بينها واختلافا في الحكم على أحداث التاريخ ورجالاته، وما يمنع كتابة التاريخ بشكل موضوعي ويصالح البشر مع ماضيهم”.
وتابع: “التباين، والإختلافات، والهرطقات التي ظهرت في القرون الأولى، عالجتها الكنيسة بواسطة المجامع المسكونية التي شارك فيها كبار آباء الكنيسة، وثبتوا التعليم القويم، إلى جانب قديسين شاركوا في المجامع وعلى أجسادهم آثار العذابات التي تحملوها في زمن الإضطهادات ولم ينكروا إيمانهم أو يساوموا عليه. لذلك على حكماء هذا البلد وكباره في النفوس والأخلاق والإنسانية والعلم والإختصاص، البعيدين كل البعد عن أية مصلحة أو غاية دفينة، أن يتلاقوا ويتفقوا على مبادىء واضحة وتفاسير موضوعية لكل ما يختلف عليه اللبنانيون، بما في ذلك مواد الدستور، علنا نتخطى الأزمة التي طالت وكانت نتائجها كارثية على الجميع”.
وختم: “في أحد آباء المجمع المسكوني الأول تدعونا الكنيسة أن نحافظ على إيماننا ثابتا، في زمن تكثر فيه الآلهة والأوثان المادية والمصالح الشخصية، وأن نتشبث بصخرة المسيح، ونثق بأن لا خلاص لنا إلا به، متذكرين كلام الرسول بولس: «إحذروا لأنفسكم …فإني أعلم هذا أنه سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية، ومنكم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم، لذلك اسهروا”.