كان تميز واختلاف الاتصالات الاجتماعية للكنيسة، وذلك أيضا في ضوء المسيرة السينودسية، محور مداخلة باولو روفيني عميد الدائرة الفاتيكانية للاتصالات في احتفال في نيجيريا بذكرى تأسيس لجنة مجالس أساقفة أفريقيا للاتصالات الاجتماعية.
شارك عميد الدائرة الفاتيكانية للاتصالات باولو روفيني بعد ظهر الأحد ١٩ تشرين الثاني نوفمبر في لقاء نُظم في لاغوس النيجيرية احتفالا بالذكرى الخمسين لتأسيس لجنة مجالس الأساقفة الأفريقية للاتصالات الاجتماعية والتابعة لاتحاد مجالس أساقفة أفريقيا ومدغشقر، وقد اختير موضوع اللقاء “نحو تعزيز كنيسة سينودسية في أفريقيا من خلال الاتصالات الاجتماعية”. وفي بداية مداخلته أعرب السيد روفيني عن الرجاء في أن تكون لحظة التذكر والشكر هذه نقطة إنعاش حقيقي وفعال لإعادة التنظيم على المستويات كافة في قارة تقدم فيها الجماعات الكاثوليكية الكثير من الرجاء من خلال شبابها وديناميتها.
ثم تحدث عميد الدائرة عن الجمعية العامة لسينودس الأساقفة حول السينودسية التي اختُتمت قبل أسابيع قليلة، وقال إن بلوغنا منتصف هذه المسيرة، التي نحن فيها مدعوون إلى إعادة التفكير في أنفسنا ككنيسة وكعائلة الله، يأتي في وقت نجد فيه أنفسنا في عالم يطبعه الاستقطاب وقد فقد طريق السلام، عالم فَضَّل قاين على هابيل، وفي كوكب يتوجه على الأرجح إلى نقطة حاسمة. وفي هذه اللحظة المظلمة، حسبما ذكر البابا فرنسيس في الصلاة من أجل السلام في ٢٧ تشرين الأول أكتوبر، قال روفيني، فإننا نجتمع هنا لتذكر ما قامت به الكنيسة من مسيرة في مجال الاتصالات خلال السنوات الخمسين أو الستين الأخيرة عقب صدور الوثيقة المجمعية المرسوم حول الاتصالات الاجتماعية Inter Mirifica سنة ١٩٦٣والإرشاد الرعوي Communio et progression سنة ١٩٧١.
وواصل باولو روفيني متسائلا إلى أين وصلنا في هذه المسيرة وفي أي اتجاه نسير. وتابع متحدثا عن كون السينودسية مسيرة تهتم بكيفية مواجهة التحديات الكثيرة أمام الكنيسة، وشدد على أن هناك كلمة تصف السينودسية بشكل جوهري، ألا وهي المحبة والتي توحد أعضاء الجسد الواحد. وأضاف أن علينا أن نكون كنيسة تنقل فرح الإنجيل: المحبة، وأكد بالتالي أن سر الاتصالات لا يكمن في التقنيات بل في المحبة. وتابع أن الاتصالات هي أيضا وسائل الاتصالات ونقل المعلومات والمعرفة والمشاعر ولكن الأصل اللاتيني لكلمة communication يعني أيضا الكون معا والعطاء ما يجعل الاتصالات عطاء ذات متبادَلا ينطلق من العلاقات التي نقيمها مع الآخرين. وأضاف روفيني أن هذا كان ينبوع الاتصالات الأول لدى المسيحيين الأوائل، فقد كانت المحبة والشفقة لغتهم. وفي حديثه عن الكرازة قال عميد الدائرة إنه لم تكن هناك في البداية شبكات أو تقنيات تواصل بل كان هناك تلاميذ هم الشهود الأوائل، وكانت الكرازة تتألف من مضمون، أي الإنجيل، ومن شهود ينقلون الرسالة لا فقط من خلال الكلمات بل بأجسادهم وحياتهم وما يبنون من علاقات. وذكَّر في هذا السياق بما كتب البابا فرنسيس في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”: “يريد يسوع مبشرين بالإنجيل يعلنون البشرى السارى لا بالأقوال فقط، بل بالأخص بحياتهم وقد حولها حضور الله”. وتابع روفيني الحديث عن الاتصالات فقال إنه لا يمكن اختزالها في قائمة من أشياء يجب القيام بها أو أدوار يجب توزيعها أو وظائف يجب تأديتها، فنحن لا نبيع منتَجا بل ننقل الحياة ونتقاسم جمال اللقاء.
هذا وأكد عميد دائرة الاتصالات في مداخلته على أن هدف إعلان الإنجيل هو الشركة، وأضاف أننا نعلم أنه ليست هناك رسالة بدون شركة وليست هناك شركة بدون اتصالات، كما وشدد على أن اتصالاتنا ككنيسة إن لم تُبنَ على الشركة وتشهد لها فستكون مجرد محاكاة للعالم ومحاولة أخرى لبناء برج بابل، وتابع أن معجزة العنصرة كانت وستظل دائما رد المسيحي على هذا الخطر. ثم عاد باولو روفيني إلى تأسيس اليوم العالمي للاتصالات والذي انطلق من ثلاثة أهداف، التكوين والروحانية والتضامن، وأضاف أن هذه الأهداف هي أيضا تلك التي أدت إلى تأسيس المجلس الفاتيكاني للاتصالات الذي أصبح دائرة الاتصالات. وواصل عميد الدائرة مشيرا إلى الوعي بأن الدائرة لم تكمل أهدافها وأن من الضروري إعادة اكتشاف كيفية نسج الشبكة الكنسية من خلال الشركة. وتحدث هنا عن أن المسيرة السينودسية التي دعانا إليها البابا فرنسيس هي أيضا دعوة إلى التأمل حول الاتصالات. وتوقف روفيني عند المسيرة المشتركة للاتصالات والسينودسية مؤكدا أن قبل الاتصالات هناك الفهم، وقبل التكلم هناك الإصغاء. وتابع أن هناك حاجة إلى الإصغاء بالقلوب للتكلم بعد ذلك بالقلوب حسبما يذكر البابا فرنسيس. وانطلاقا من هذه الفكرة أكد باولو روفيني ضرورة القيام بفحص للضمير على الصعيد القاري للتساؤل إن كانت الكلمات التي نطقنا بها مرتبطة بما نعيش، وإن كانت أساليب اتصالاتنا تنسج علاقات، وإن كنا قد فهمنا بالفعل ما يطلبه منا الأشخاص الذين كنا نقدم لهم إجابة. وشدد في هذا السياق على أن الاتصالات لا تعني البيانات الصحفية بل هي في جوهرها علاقات صادقة وعميقة وثابتة.
وخلال تأمله في واقع الكنيسة في القارة الافريقية توقف عند ما يميزها من حيوية، إلا أن هذه الحيوية الكبيرة هي في حاجة إلى هيكل عظمي حسبما ذكر، إلى بنية كي تتمكن من التحرك بفعالية. ولا يمكن بالطبع لهذه البنية أن تكون إقطاعية أو استعمارية في محاكاة لأخطاء الماضي، بل تحتاج الكنيسة إلى بنى مترسخة في الإنجيل وفي أعمال الرسل. وذكَّر روفيني هنا بما جاء في النظام الأساسي للجنة مجالس الأساقفة الأفريقية للاتصالات الاجتماعية “على الكنيسة أن تظل حية ودينامية للاستجابة بفعالية لرسالتها الإلهية، رسالة الكرازة والاتصال”. وتابع أن هذا هو أيضا الهدف الذي تأسست من أجله الدائرة الفاتيكانية للاتصالات، وأضاف أن هذا ما يفسر التحدث بلغات كثيرة، أكثر من ٥٠، ومن خلال وسائل متعددة ما بين صحف وإذاعة وتلفزيون، الشبكة ووسائل التواصل الاجتماعي والبودكاست. وتحدث روفيني هنا عن مَثل الجسد الواحد وأعضائه فقال إن هذا المثل يساعدنا على إدراك أن الحلول التي يتم البحث عنها في أماكن أخرى، مثل التقنيات والتسويق والمؤثرات الخاصة، يجب أن نبحث عنها في دواخلنا. وأضاف عميد الدائرة معربا عن قناعته بأن علينا أن ننطلق من هذا دائما ومجددا إن أردنا إعادة اكتشاف الشهادة التي نحن مدعوون إليها. وختم روفيني مشيرا إلى هدف حمل الإنجيل إلى كل أركان العالم والمساعدة على الصلاة معا وتقاسم القصص الجيدة من جميع أنحاء العالم، وأضاف أن علينا أن ننسج اتصالات الكنيسة من خلال الاتصال وأن نغذي بالحقيقة عالما تلوثه الأنباء الزائفة.