صلاة النوم الكبرى في ابلح بمشاركة المطران ابراهيم

تابع رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك زياراته الراعوية الى رعايا الأبرشية في زمن الصوم العظيم المقدس، وشارك ابناء وبنات رعية سيدة الإنتقال في ابلح صلاة النوم الكبرى بحضور كاهن الرعية الأب فادي الفحل ومجلس الرعية والوكلاء وعدد كبير من ابناء البلدة.
وبعد انتهاء الصلاة كان لسيادته كلمة جاء فيها :
” أخي الكاهن المحترم، قدس الأب فادي الفحل، أيها الأحباء بالمسيح،
باسم الآب والابن والروح القدس، الاله الواحد. آمين.
“أمّا أنت فاجعلْ بيتَكَ سماء” يوحنا الذهبي الفم
نقرأ من القديس يوحنا الذهبي الفم النص التالي: “أما أنت فاجعلْ بيتك سماء. لا حاجة إلى زعزعة الأساسات وتغيير الجدران، ادعُ فقط ملك السماء. الله لا يخجل من هكذا مائدة حيث التعليم الروحي والوفاق والاعتدال. وحول المائدة رجل وامرأة وأولاد تربطهم المحبة والفضيلة والمسيح في وسطهم. لا يطلب الرب سقفًا مذهبا ولا أعمدة لماعة كالبرق ولا جمال الرخام والمرمر، لكنه يطلب تألق النفس وروعتها، يطلب مائدة يملؤها البرّ وتحمل ثمار العطاء. وإذا وجد هكذا مائدة يحضر اللقاء ويشترك فيه وهو القائل: «كنت جائعا فأَطعمتموني» (متى ٢٥: ٣٥). إذن عندما تسمع صوت الفقير ينادي في الشارع وتحمل المأكولات التي على المائدة وتعطيها للذي يطلب، تكون قد استضفت السيد على مائدتك وملأتها بالبركات، وحصلت، بتقديم هذه البواكير، على نقطة انطلاق لتكثُر كنوزك. ان إله السلام والمحبة الذي «يقدّم بذارا للزارع وخبزا للأكل سيقدّم ويكثّر بذاركم وينمّي غلاّت برّكم» (٢كورنثوس ٩: ١٠) يعطيك نعمة من لدنه.””
واضاف” تدعونا هذه الكلمات من القديس يوحنا الذهبي الفم، “أمّا أنت فاجعلْ بيتَكَ سماء”، إلى التأمل في كيفية تحويل حياتنا اليومية إلى مصدر للسمو والقداسة. إنها دعوة لإدراك عمق المعنى الحقيقي للمنزل، وكيف يمكن أن يصبح مكانًا للعبادة، والمحبة، والتضامن، والسلام.
عندما نعتبر بيوتنا كمكان للعبادة، نفتح أبواب قلوبنا لاستقبال الله في كل يوم. لا حاجة لتغيير منازل الحجر، بل يمكننا ببساطة أن نخصص أوقاتًا للصلاة والتأمل داخل جدران منزلنا، حيث نلتقي بالله ونجعل من حياتنا عبادة مستمرة.
وعندما نرى بيوتنا كمكان للمحبة والتضافر، ندرك أهمية العمل الخيري وتقديم المساعدة للآخرين. يحضر الله على مائدتنا عندما نساعد الفقراء والمحتاجين، فنكون بذلك قد جعلنا من بيوتنا مكانًا للبركة والسخاء.
وكما يجب أن تكون بيوتنا مكانًا لتربية الأجيال، يجب أن نضع في اعتبارنا كيف يمكننا توجيه أبنائنا نحو طريق الخير والإيمان. فنحن نلعب دورا حاسما في تشكيل قيمهم ومعتقداتهم، ويجب علينا أن نسعى لجعل بيوتنا بيئة صحية لتنمية شخصياتهم.
أخيرًا، عندما نفكر في بيوتنا كمدارس للسلام والوفاق، ندرك أهمية بناء جو من السلام والتفاهم داخل جدرانها. فالتسامح والاحترام يمكن أن تصنع فارقًا كبيرًا في عالم مليء بالانقسامات والصراعات.”
وتابع سيادته ” دعونا نتفاعل مع هذه الدعوة ونعمل جميعًا على جعل بيوتنا سماء، حيث يسكن فيها الله وتزدهر فيها الحياة بكل جمالها وروعتها. إنها فرصة لتحويل حياتنا اليومية إلى شيء يتجاوز البساطة العادية، إلى شيء يمتد إلى أبعد من مجرد جدران منزلنا، إلى مكان للتجليات الإلهية والمعاني العميقة للحياة.
هذه السماء التي هي بيتنا لا تأخذ أهميتها من غِناها المادي، بل من غِنى القِيم التي يتحلى بها ساكنوها. ففي زوايا بيتنا تتعانق الذكريات، تنبض أصداءُ الضحك والبكاء وينبض قلب العائلة بدفء الحنان والألفة، وتتراقص الأحلام والآمال كالأوراق الذهبية.
في كل غرفة تتوارى قصصٌ مختلفة، تلك التي تُحكى وتلك التي نحتفظ بها في أعماقنا، المنزل ليس مجرد جدران وأثاث، بل هو معبدٌ للحياة وللحب وللإيمان.
في صمت الليالي، يروي البيت أسرار النفوس، تتعاقب الأفكار وتتشابك الأحلام، هنا ترتاح الأرواح وتستريح القلوب، وتستمر الحياة بعبقٍ من السلام.
البيت يعلمنا دروس العطاء والتسامح، يمحو الألم ويشفي الجراح، هو ملاذٌ نبحث عنه في كل حين، يأوينا في أحضانه كالأمان.
في كل شبر من ذاكرتنا صُوَرٌ لبيتنا، تتسلل الفرحة والسعادة من كل زاوية، فهو ليس مجردُ مكانٍ للعيش، بل هو قطعةٌ منا لا تزول، بل تبقى كوشم دائم.”
واردف المطران ابراهيم ” من ناحية أخرى لنا منزِلٌ آخر، بيتٌ جامع، لا يجوز أن ننساه. إنه الوطن، منزل العائلة اللبنانية الكبيرة وأن هذه الدعوة تنطبق عليه. أما أنت فاجعل وطنك سماء. بين شرفات الوطن ترتسم أحلام المواطن كأنها نجوم لامعة في سماء لا تعرف الغيوم. إن دور المواطن في جعل وطنه سماء لا يقتصر على الواجبات والمسؤوليات المعتادة، بل يتعداها إلى أعماق الوجدان والتفاني.
فالوطن ليس مجرد قطعة أرض، بل هو منزل الأحلام والطموحات، مأوى الهوية والانتماء. والمواطن هو بنّاء هذا الوطن، رافع لراية العز والكرامة، صانع للأمن والاستقرار. عندما يكون المواطن عاملا فاعلا في مجتمعه، يتحوّل الوطن إلى سماء تزهو بنجوم الإنجازات والتطور.
دور المواطن في جعل وطنه سماء يبدأ من التزامه بقوانينه وأخلاقياته، ويتجلى في تقديم العطاء والتضحية من أجل تحقيق الرفاهية العامة. فهو يعمل بجد واجتهاد في مجالاته المختلفة، يسعى للتعلم والتطوير المستمر، ويساهم بفعالية في بناء المؤسسات وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن الدور الجدير بالذكر هو دور المواطن كشريك في صياغة مستقبل وطنه. فهو يشارك في عملية اتخاذ القرارات ويعبر عن آرائه واقتراحاته بحرية ومسؤولية. بالتوازي مع ذلك، يتحمل المواطن مسؤوليته في حماية التراث الثقافي والبيئي، وضمان استمرارية الهوية الوطنية والتلاحم الاجتماعي.
إن دور المواطن في جعل وطنه سماء يحتاج إلى تفاعل وتكاتف جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية أو الاجتماعية. إنه دور يتطلب العزيمة والإصرار، وثقة بأن العمل المشترك سيبني مستقبلاً أفضل للجميع.
فلنكن جميعاً مواطنين فاعلين، يعملون بتفانٍ وإخلاص، لنرسم سماء وطننا بألوان السلام والازدهار، ونجعل منها ملاذاً يحتضن أحلامنا وتطلعاتنا.”
وختم المطران ابراهيم كلمته بالصلاة التالية :
“أيها السيد يسوع المسيح، يا من ناديت بالعدالة والرحمة، أين أنت في هذا الزمان المضطرب؟ هلَمَّ بسوطك الإلهي إلى لبنان، بلد الجمال والأرز العتيق، ولكنه اليوم بيتٌ للفراغ والغياب. اطِلَّ على شعبك المُحتَجز بين جدران البؤس واليأس، وانظر إلى قلوب الذين جعلوا هذا البلد مكانًا للسرقة والفساد والظلم والإحباط. أيها الرب، افتح أعينَنا لنرى طريق الخلاص، وامنحنا القوة لنقاوم الشر ونبني مجتمعًا يسوده العدل والسلام. بارك بلدتنا أبلح وامنح رعيتك السلام والأمان، بارك شبابها وشيبَها وأطفالها وكلَ بيوتها، مانحا إياهم الصحة والفرح والسلام، الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين. آمين.”
بعد الصلاة التقى الجميع في قاعة الكنيسة حول لقمة محبة اقيمت بالمناسبة.