قام راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد الساتر بزيارة رعويّة إلى رعيّة سيّدة الانتقال في رأس الحرف امتدّت على يومي الجمعة والأحد ٩ و١١ آب ٢٠٢٤ رافقه فيها خادم الرعيّة رئيس دير مار الياس الكحلونيّة الأب شربل رعد، ومسؤول دائرة التواصل الخوري مروان عاقوري، ومسؤولة مكتب الخدمة الاجتماعيّة السيّدة نادين أبي راشد إسبر.
استهلّت الزيارة باستقبال سيادته في الكنيسة والصلاة وزيّاح أيقونة العذراء مريم بمشاركة أولاد البلدة وكهنتها. ومن ثمّ توجه إلى المدافن حيث رفع الصلاة لراحة أنفس موتى الرعيّة، لينتقل بعدها إلى مبنى البلديّة حيث التقى رئيسها طوني الأسمر وأعضاء المجلس البلدي والمختار ناصيف الياس، وتطرّق الحديث إلى المشاريع الانمائيّة التي تسعى البلديّة الى تنفيذها على الرغم من التحديات والظروق الصعبة. وأكد رئيس البلديّة التكامل بين البلديّة ولجنة الوقف والمخترة والعمل يدًا واحدة في مختلف المناسبات، متوجّهًا إلى صاحب السيادة بالقول: “نحن فخورون بزيارتكم، وهذه البلدة بلدتكم”، ومشيرًا إلى أنّ رأس الحرف سخيّة على الكنيسة والمطرانيّة بكهنتها وعلى الوطن بعناصر الجيش اللبناني وأعضاء السلك الدبلوماسي. بدوره، شكر المطران عبد الساتر أعضاء المجلس البلدي والمختار على جهودهم وتضحياتهم في ظل غياب الدولة وضعف الامكانيات. ومن ثمّ، توجّه سيادته إلى مركز الدفاع المدني حيث التقى مسؤول المركز جورج بو مرعي والعناصر المثبتين والمتطوعين بحضور المسؤول عن العمليات في الدفاع المدني جوزف بو شعيا ممثلًا المدير العام العميد ريمون خطار. وكان عرض للتحديات التي يواجهها عناصر الإطفاء كالنقص في العتاد الذي يعرّضهم للخطر عند خروجهم في مهماتهم. وأثنى المطران عبد الساتر على اندفاعهم والتزامهم على الرغم من كلّ الصعوبات، مؤكدًا أنه على الدولة إيلاء الدفاع المدني الاهتمام اللازم وتجهيز عناصره بكل ما يلزم لنجاح مهمّتهم. وتوجّه صاحب السيادة إلى المسؤولين والعناصر بالقول: “جئت لأشكركم على كل تضحياتكم ولأقول لكم إنّنا إلى جانبكم وإنّنا جاهزون للتعاون معكم بما يخدم استمرار رسالتكم”.
بعدها، زار المطران عبد الساتر عددًا من العائلات، وناول المرضى والمسنين، قبل أن يقوم بزيارة إلى دير مار الياس في الكحلونيّة.
وفي صالون الكنيسة، اجتمع سيادته مع أعضاء لجنة الوقف حيث استمع منهم إلى المشاريع التي نُفذت مطّلعًا على تلك التي لا تزال في طور التنفيذ. بدوره، شكر صاحب السيادة وكلاء الوقف على غيرتهم على الكنيسة وتفانيهم، قائلًا لهم: “ما قمتم به والعمل المتقن في الكنيسة وصالتها انجاز كبير وذلك بفضل تضحياتكم ومحبّتكم. تذكروا دائمًا أنّ الكنيسة هي البشر أيضًا، لذا أطلب منكم أن تقفوا دائمًا إلى جانب أهل الرعيّة”.
أمّا سيّدات أخويّة الحبل بها بلا دنس عين موفق – الكحلونيّة – رأس الحرف، فعرضن لنشاطاتهنّ التي يقمن بها في مختلف المناسبات والأعياد، كما لمرافقتهن لخادم الرعيّة في زياراته للمرضى والمسنين. من جهته، أشار المطران عبد الساتر إلى أنّ “سيّدات الأخويّة لهنّ أهميّة كبيرة في الكنيسة”، وتابع متوجّهًا إليهنّ بالقول: “من خلال الفرض والقدّاس تعوّضن عن كثيرين بصلاتكنّ. أشكركنّ على ما تقمن به ومرافقتكنّ لكاهن الرعيّة في زياراته إلى المتألمّين والمرضى الذين هم بحاجة إلى مرافقة وإصغاء وصلاة ومحبّة”.
بعدها، التقى المطران عبد الساتر بمسؤول فوج جمعيّة الكشاف المسيحي غابي جرجس وأعضاء الفوج الذين هم من رأس الحرف وعين الموفق والكحلونيّة، برفقة مرشدهم الأخ نزيه أبو مسلّم، الذين عرضوا لنشاطاتهم ومشاريعهم والتحديات التي يواجهونها، مؤكدين أنّ مرجعيًتهم الدائمة هي الرعيّة. وعبّر سيادته عن فرحه برؤية شبان وشابات وأولاد ملتزمين في حياة الرعيّة قائلًا: “المهم أن تكونوا إسمًا على مسمى وأن تنعكس القيم الكشفيّة والمسيحيّة في أعمالكم وأن يكون يسوع محور حياتكم في كلّ يوم. الصلاة سلاح قويّ اعتمدوا عليه ولا تدعوا أحدًا يحبط عزيمتكم ويثنيكم عن الصلاة وأعمال الرحمة”.
أمّا وفد كاريتاس لبنان الذي ضمّ مسؤول إقليم عاليه – بحمدون بول يمين واللجنة المحليّة في البلدة، فأطلع صاحب السيادة على النشاطات التي يقومون بها والتحديات وضعف الامكانيات نتيجة الحروب والأزمات في المنطقة.
واختتمت الزيارة بالقدّاس الإلهي الذي احتفل به المطران عبد الساتر وعاونه فيه خادم الرعيّة الأب شربل رعد والخوري طوني الياس، بحضور رئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي والمختار وحشد من أبناء الرعيّة وبناتها.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى صاحب السيادة عظة جاء فيها:
– جئت إلى رأس الحرف لأقول لأبنائها وبناتها إنهم في قلب الأبرشيّة وفي قلب راعي الأبرشيّة. جئت لأشجعكم فلقيت عندكم التشجيع والإيمان والرجاء الذي يعمل. عدتم إلى بلدتكم وأعدتم بناء بيوتها وقمتم وبمساهمة الجميع ببناء كنيستها وصالتها بشكل تعجز عنه رعايا أخرى فكانت كالمعجزة التي تحصل بجهد وكلاء ووكيلة الوقف وأمانتهم وسهرهم والذين أشكرهم من صميم القلب.
– أشكر لكم جميعًا حسن استقبالكم لي وللفريق المرافق. لقد أظهرتم خلال يوم الجمعة وفي هذا الصباح محبّتكم للرب يسوع وللكنيسة.
– أشكر أيضًا جميع الذين استقبلوني في عائلاتهم. عندهم شاهدت الطيبة والصدق والايمان الثابت على الرغم من المِحن والمرض والألم. ستكونون دومًا في صلواتي.
– أشكر أيضًا حضرة رئيس المجلس البلدي طوني الأسمر وأعضاء المجلس وحضرة المختار ناصيف الياس على ما يقومون به وأحيانًا كثيرة من مالهم الخاص من أجل بنيان الكنيسة وبلدتهم والإنسان فيها.
– أشكر سيّدات أخويّة الحبل بها بلا دنس لحضورهنّ المحبّ والمصلّي والمميز داخل الجماعة وإلى جانب كاهن الرعيّة.
-أشكر من كلّ قلبي عناصر الدفاع المدني الذين على الرغم من الامكانيّات والتجهيزات الضئيلة يصرّون على خدمة بلدتهم ومنطقتهم باندفاع من دون تذمّر ومن دون خوف من الخطر. نصلّي على نيّة أن يدرك المسؤولون قيمة كلّ واحد منكم.
– أشكر أعضاء فوج الكشاف المسيحي من شبان وصبايا على ترتيبهم وانتظامهم وسرعة خدمتهم لهذه البلدة والبلدات المجاورة. لهم أقول: ليكن الربّ يسوع دومًا محور حياتكم ولتكن محبّتكم لبعضكم البعض علامة فارقة.
– أشكر أعضاء إقليم كاريتاس على سعيهم المستمر لتأمين مساعدات لمن هم بحاجة إليها. لا تحزنوا إذا ما استطعتم، بسبب الظروف، مساعدة كل محتاج، فالمحبّة والحضور والاصغاء أحيانًا أهم من المواد الغذائيّة.
– وأخيرًا أشكر حضرة الأب شربل رعد، الحاضر دومًا بينكم، على خدمته ومحبّته لكم، هو الذي يحتفل كلّ نهاية أسبوع بخمسة قداسات ويزور المرضى والمسنّين من دون ملل ولا تعب، ناسيًا ذاته، باذلًا إيّاها حتى النهاية من أجل من يحب، معزيًا الحزانى، مضمّدًا جراح هذه الحياة في قلوب المتألمين بطيبة قلبه وعفويته. أبونا شربل “نيّال أهل رأس الحرف فيك ونيّالك فيُن”.
وكانت كلمة للأب شربل رعد جاء فيها: “بفرح روحي لا يوصف، يطيب لي باسم رعيّة سيّدة الانتقال- رأس الحرف، أن أرحّب بكم وأشكركم يا صاحب السيادة المطران بولس عبد الساتر السامي الاحترام على حلولكم بيننا أبًا وراعيًا ومدبّرًا في هذه الزيارة الرعويّة المباركة.
كم هو جميل أن نلتقي معكم وحولكم لنتقاسم “غذاء الشركة والمحبّة”، في هذا اليوم الذي صنعه الربّ، تتويجًا للزيارة الرعويّة التي خصّصتم بها هذه الرعيّة، وقد حللتم في ما بيننا حاملًا وزارعًا الأمل والفرح باسم ربّنا يسوع، إلى هذه البلدة الوادعة من قرى الجبل في أبرشيّة بيروت المارونيّة المحبّة للمسيح، ولاسيّما ببلسمة جراح بعض المرضى والمحتاجين من أبناء الرعيّة، بزيارتكم لهم في بيوتهم، ومواساتكم لهم والاصغاء إليهم، وتزويدهم “بسرّ المحبّة”، وعطفكم عليهم بكرمكم وسخائكم.
باسم أبناء رأس الحرف، وكواحد منهم، أشكر لسيادتكم زيارتكم الأبويّة لرعيّتنا، وكم كان الفرح كبيرًا باللقاء مع سيادتكم من حين وصولكم في الأوّل من أمس، إلى هذه اللحظات المتحلّقين بها معًا حول مذبح الربّ، ننشده الحمد والتسبيح على بركاته ونعمه بصلواتكم. كما لا يسعني إلّا أن أشكر لسيادتكم أيضًا زيارتكم وتشريفكم ومباركتكم لديرنا مار الياس الكحلونيّة، وتقاسمكم مع رهبان الدير والوفد المرافق لقمة محبّة.
صاحب السيادة راعينا المفضال المطران بولس عبد الساتر السامي الاحترام، قد لمستم في زيارتكم الرعويّة طيبة ومحبّة أبناء هذه البلدة، والجميل أنّ لجنة الوقف في الرعيّة وأخويّة عذراء الحبل بها بلا دنس والكشاف المسيحي وكاريتاس والمجلس البلدي والمختار والدفاع المدني، كلّهم ينشدون خدمة الخير العام ونصرة كرامة الشخص البشري تحت شعار مُستَلٍّ من المجمع الفاتيكاني الثاني: “وحدة في الأمور الإلزاميّة، شكّ في الأمور المرتاب فيها، ومحبّة في كلّ شيء”. لذا، الكلّ يعمل لخير هذه البلدة وتقدّمها وتطوّرها. ولا يسعني، كخادم لهذه الرعيّة المباركة، إلّا أن أكون “كلًّا للكلّ”، وعلى مسافة واحدة من الجميع، في شركة ومشاركة وخدمة، في سبيل خير الرسالة الكهنوتيّة التي أوليتموني شرف خدمتها في هذه الرعيّة في التدبير والتقديس والتعليم.
صاحب السيادة، التحديات كثيرة وكبيرة ومتنوّعة، وهي على مساحة الوطن، لكنّنا نتحلّى بالرجاء ونتقوّى بالإيمان ونحيا بالمحبّة، ونعيش معًا في مسيرة واحدة في هذه الرعيّة رغم كلّ الصعوبات والمِحَن، ناظرين إلى العذراء مريم سيّدة الانتقال مع اقتراب الاحتفال بتذكارها المجيد سائلينها أن تعطف بنظرها علينا، وتحرس هذه البلدة التي عانت الكثير عبر تاريخها من تشريد واستشهاد ودمار، ولكنّها كما طائر الفينيق، تنبعث من تحت الرماد أشدّ قوّة وبأسٍ من ذي قبل، وهي بحقّ تدعى بلدةَ ملحمةِ البطولات والصمود بعناد أهلها وبسالتهم وتثبّتهم بأرض الآباء والأجداد، محافظين على جمال بيئة بلدتهم التي تتألّق اليوم زهوًا وفرحًا بحضور سيادتكم.
في الختام، ندعو لسيادتكم بالصحة والعافية والعمر المديد، طالبين بركاتكم علينا جميعًا، وأن تعود هذه الزيارة الرعويّة بالخير الروحي والمادي لهذه الرعيّة، ونعاهد سيادتكم بالسعي لتحقيق كلّ التوصيات والتدابير الناتجة عن هذه الزيارة الرعويّة المباركة، والتي كانت لنا “عنصرة جديدة” نعود وننطلق منها مجدّدًا من المسيح.
باسم أبناء الرعيّة وتذكارًا للزيارة الرعويّة نقدّم لسيادتكم هديّة متواضعة “بطرشيل”، سائلينكم بعفوٍ أن تحملوا بصلواتكم أحياء وأموات هذه الرعيّة، وأبقاكم الربّ لنا راعيًا يحمل لنا صورة حيّة للمسيح الراعي الصالح”.
وبعد القدّاس الإلهي وزيّاح أيقونة أمّنا مريم العذراء، التقى المطران عبد الساتر أبناء الرعيّة وبناتها في صالون الكنيسة حيث كانت كلمة لرئيس البلديّة توجّه فيها بالشكر إلى صاحب السيادة على زيارته قائلًا: “الزرع الذي زرعتموه فينا سيكون في أرض خصبة. وكما نعرفكم من خيرة الرعاة وخيرة الزارعين، نقول لكم إنّ كلّ واحد منّا سيعمل على الوزنة التي أنعم بها الربّ عليه لتبقى كنيستنا شاهدة للمحبّة وللقيامة في محيطها”.