تشير التقارير إلى زيادة مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال بمقدار عشرة أضعاف
الجشع وشهوة القوة التي يغذّيها النظام الرأسمالي، يقفان خلف مآسي عشرات آلاف العائلات. أطفال سرقت براءتهم لأنهم عبارة عن بيانات. نحن جميعاً لسنا بشراً، إنما مُستخدِمون. هذا ما يمكن استخلاصه من الجلسة العاصفة التي شهدها مجلس الشيوخ الأميركي قبل أيام مع رؤساء منصّات التواصل الاجتماعي الكبرى
واجه الرؤساء التنفيذيون لمنصات التواصل الاجتماعي الكبرى، قبل أيام، وابلاً من الأسئلة الصعبة التي طرحها أعضاء اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأميركي في ما يتعلق بجهودهم الرامية إلى حماية المستخدمين الأطفال من المحتوى الضارّ على المنصات. الجلسة التي تحولت إلى مسرحية مليئة بالاتهامات والاعتذارات والدموع والصراخ، حملت عنوان «شركات التكنولوجيا الكبرى وأزمة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت» شهدت مواجهة مع المديرين التنفيذيين لشركة ميتا وتيك توك وسناب تشات وديسكورد وX. مسرحية يعيد إنتاجها مجلس الشيوخ كل مدة، من دون أي إجراء حقيقي أو تبعات قانونية على آلهة العالم الرقمي.كان مقرّراً عقد الجلسة أواخر العام الماضي، لكن أُعيد جدولتها لضمان حضور جميع الرؤساء التنفيذيين. أتاح اللقاء لرؤساء الشركات عرض إستراتيجيتهم لمكافحة مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال (CSAM) والرد على الانتقادات الموجهة ضد منصاتهم. في بياناتهم، حدد الرؤساء التنفيذيون مبادراتهم الرامية إلى حماية القاصرين عبر الإنترنت. تحدث مارك زاكربيرغ من ميتا عن استثمار الشركة الكبير في السلامة والأمن، الذي يصل إلى أكثر من 20 مليار دولار منذ عام 2016. كما تحدى التقارير السابقة بشأن التأثير السلبي لمنصات التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للمراهقين، مستشهداً بنتائج الأبحاث التي تشير إلى خلاف ذلك. وكرّر زاكربيرغ اقتراح ميتا بأن تتحمّل متاجر التطبيقات مسؤولية التحقق من العمر وموافقة الوالدين على تنزيل التطبيقات من قبل القاصرين.
الرئيسة التنفيذية لشركة X، ليندا ياكارينو، أكدت على سياسة عدم التسامح مطلقاً مع مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال، وشرحت بالتفصيل جهودها الرامية إلى إيقاف ملايين الحسابات التي تنتهك هذه السياسات. سلّطت الضوء على نظام الإبلاغ الآلي الجديد الخاص بـ X، الذي يسهّل عملية الإبلاغ إلى «المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين» (NCMEC). مع ذلك، فقد أثيرت مخاوف بشأن عدم الدقة المحتملة في التقارير الآلية وتأثيرها على قسم الموارد البشرية داخل X.
الرئيس التنفيذي لشركة سناب تشات، إيفان شبيغل، أكد على فعالية تصميم الشركة الذي يركز على الخصوصية، مشيراً إلى أنّ النظام الأساسي خاص بشكل افتراضي يُعطي الأولوية للطبيعة الموقتة للمحتوى المنشور. وأكد على التزام سناب تشات بالإبلاغ عن حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال، إذ قُدِّم أكثر من 690 ألف تقرير إلى NCMEC في العام الماضي.
بالنسبة إلى تطبيق تيك توك، تحدث الرئيس التنفيذي للشركة، شو زي تشيو، عن الاستثمار الكبير للمنصة في تدابير الثقة والسلامة، بما في ذلك تخصيص أكثر من ملياري دولار لهذه الجهود في العام الحالي. وأكّدت تيك توك ريادتها في اكتشاف مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال وتعهدت بمواصلة تعزيز قدراتها. لكن الكونغرس استغل الجلسة لتوجيه أسئلة مكثفة بشأن تعامل المنصة مع الحكومة الصينية وشركتها الأم ByteDance. وأعرب أعضاء مجلس الشيوخ عن مخاوفهم بشأن نفوذ الحكومة الصينية داخل التطبيق وكيفية تعامل المنصة مع المحتوى الحسّاس. وأثارت ردود تشيو، بما في ذلك وصف واقعة ميدان تيانانمين بأنها «احتجاج ضخم»، مزيداً من الاستهجان من الأعضاء.
جلسة الاستماع التي امتدّت إلى أكثر من أربع ساعات، شهدت تعبير أعضاء مجلس الشيوخ عن مخاوفهم البالغة بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين الشباب، بما في ذلك مخاوف الصحة العقلية والادعاءات بعدم كفاية الحماية ضد استغلال الأطفال وإساءة معاملتهم. اتّهم السيناتور ليندزي غراهام الشركات بأن «أيديها ملطخة بالدماء». واستُهدف زاكربيرغ على وجه التحديد، ما دفعه إلى الاستدارة عن مقعده وإصدار اعتذار للعائلات المتضررة من منصات شركته في سابقة نادرة. وأعرب زاكربيرغ عن ندمه على معاناة هذه العائلات، وتعهّد ببذل جهود مستمرة لتحسين إجراءات السلامة. وبالمثل، أعرب إيفان شبيغل من سناب تشات، عن حزنه، عارضاً مبادرات الشركة لحماية المستخدمين الشباب.
مع ذلك، ظهرت أثناء الجلسة معلومات تفيد بأنّ زاكربيرغ قد رفض سابقاً مقترحات لتعزيز موارد ميتا لحماية الأطفال، ما أثار الشكوك حول فعالية مبادرات الشركة. ودعا أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً إلى إجراء تغييرات تشريعية، بما في ذلك تعديل المادة 230، التي تحمي المنصات من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشئه المستخدمون. وأعرب أعضاء مجلس الشيوخ عن غضبهم بشأن الجوانب المختلفة لممارسات شركات التكنولوجيا، بما في ذلك بيع بيانات المستخدمين وإعطاء الأولوية للربح على السلامة. واجهت السيناتور مارشا بلاكبيرن، زاكربيرغ، بشأن وثائق داخلية تتحدث عن «قيمة المستخدمين المراهقين»، بينما انتقد السيناتور جون كينيدي ممارسات تتبّع البيانات في ميتا ووصفها بأنها «مخيفة». وأعربت السيناتور إيمي كلوبوشار عن إحباطها إزاء عدم إحراز تقدم تشريعي، ودعت إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة الضرر عبر الإنترنت. ورغم الانقسامات السياسية داخل واشنطن، اتحد المشرعون في انتقادهم لشركات التواصل الاجتماعي، ما يشير إلى إجماع نادر بين الحزبين في الكابيتول هيل. أعرب كل من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديموقراطيين عن مخاوفهم بشأن التأثير المجتمعي لمنصات التكنولوجيا وشددوا على الحاجة إلى المساءلة. مع ذلك، لا يزال اتخاذ إجراءات تشريعية ذات معنى بعيد المنال، إذ تتركّز معظم الجهود التنظيمية على مستوى الولايات.
أظهرت جلسة الاستماع تزايد الأدلة على المخاطر المتصاعدة التي تشكلها المنصات عبر الإنترنت، ووصلت المخاوف بشأن الاستغلال الجنسي للأطفال والآثار الضارة على الصحة العقلية إلى آفاق جديدة. وأكدت شهادات عائلات الضحايا والإحصاءات المقدمة في الجلسة على خطورة التحديات، إذ تشير التقارير إلى زيادة بمقدار «عشرة أضعاف» في مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال على مدى العقد الماضي. وأُصدر 100 ألف تقرير يومي متعلق بذلك المحتوى في عام 2023 في الولايات المتحدة وحدها.
العائلات المتضررة من وسائل التواصل الاجتماعي، كانت حاضرة طوال الجلسة التي تخلّلتها لحظات من التصفيق والدموع والصمت من جانب العائلات، تعبيراً عن الخسائر البشرية الناجمة عن الأذى عبر الإنترنت، فصنع حضورها بُعداً مؤثراً في المناقشة. ورغم تأكيد الجلسة على الحاجة الملحة إلى تعزيز التدابير لحماية الأطفال على الإنترنت، لا تزال هناك شكوك حول مدى فعالية استراتيجياتهم وملاءمة الأنظمة الحالية. تركت الجلسة سؤالاً بلا جواب: هل سيتحرك الكونغرس لفرض قوانين جديدة على هذه المنصات؟ أمر لا يبدو أنه سيتحقق في القريب العاجل، وخصوصاً مع تعاظم سلطة عمالقة التكنولوجيا وتأثير مجموعات الضغط التي يموّلونها على إصدار قرارات تضرّ بمصالحهم. مجدداً، هو الجشع وشهوة القوة التي يغذيها النظام الرأسمالي تقف خلف مآسي عشرات آلاف العائلات. أطفال سرقت براءتهم لأنهم عبارة عن بيانات. نحن جميعاً في نظر أباطرة العالم الرقمي، لسنا بشراً، إنما مُستخدِمون، أصفار وآحاد تتدفق عبر شبكات الألياف الضوئية في المحيطات وتصبّ في منشآت البيانات الكبرى المركزية. بيانات تُشرى وتباع وتستغلّ في أبشع الطرق من أجل مراكمة الأرباح.