رسالة عيد القيامة 2024 لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بعنوان “فِصْحُنا هو المسيح”

يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل لرسالة عيد القيامة لهذا العام 2024 التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بعنوان “فِصْحُنا هو المسيح”:
ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܟܕ
رسالة عيد القيامة المجيدة 2024
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل،
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في بلاد الشرق وعالم الإنتشار
نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܦܶܨܚܳܐ ܓܶܝܪ ܕܺܝܠܰܢ ܡܫܺܝܚܳܐ»
“فِصْحُنا هو المسيح” (1كور5: 7)
1. مقدّمة
يطيب لنا في مستهلّ رسالتنا بمناسبة عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، أن نتقدّم بالأدعية الأبوية والتهاني القلبية والتمنّيات الخالصة بهذا العيد المجيد، إلى جميع إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة آباء السينودس المقدس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين، اللائذين بكرسينا البطريركي الأنطاكي، في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربي والأراضي المقدسة والأردن ومصر وتركيا، وفي أوروبا والأميركتين وأستراليا.
والربَّ يسوعَ مخلّصَنا، “القيامة والحياة” (يو11: 25)، نسأل كي ينعم على العالم برمّته بفيض بركاته وخيراته وعطاياه، ويزيل الخوف واليأس، ويُحِلّ الأمان والإطمئنان والثقة والرجاء، ويُزيلَ البغض والإستئثار من القلوب والنفوس، ويوقف أساليب العنف والحرب، ويبسط السلام والوفاق والمحبّة، ويبيد الألم والموت اللذين تسبّبهما الخطيئة، وينشر الفرح والنعمة والحياة المنبعثة من القبر الفارغ، علامة خلاصٍ يعمّ الشعوب والمجتمعات والأوطان.
2. المسيح: فصحنا الجديد
في العهد القديم، يُقصَد بفصح اليهود، أولاً، عبور الملاك المُهلِك على البيوت التي كانت تأكل حمل الفصح في مصر. فإذا رأى الدمَ على أبواب البيت، يَعبُر ولا يُهلِك الأبكار، “فإنَّ الربَّ يجتاز ليضرب (الذين استعبدوا شعبه ونكّلوا به)، فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين، يعبُرُ الربُّ عن الباب ولا يدع المُهلِك يدخل بيوتكم ليضرب” (خر12: 23). وثانياً، عبور شعب بني إسرائيل في البحر الأحمر وخروجهم من بيت العبودية بمصر، إلى برّية الحرّية والجهاد الروحي في سيناء، ليَصِلوا إلى أرض الميعاد، أورشليم. وكانت ذبيحةُ حمل الفصح أهمَّ الذبائح المقدَّمة في العهد القديم، وكان حمل الفصح، بكلّ تفاصيل طقس ذبحه، يشير إلى ذبيحة الصليب.
أمّا في العهد الجديد، فهناك علاقةٌ بين حمل الفصح الرمزي، والحمل الحقيقي، يسوع المسيح: “فصحُنا هو المسيح” (1كور5: 7)، إذ صُلِبَ يسوع في وقت الاحتفال بعيد الفصح (مر14: 12). وكان يوحنّا المعمدان قد أدرك أنَّ يسوع المعتَمِد على يديه هو “حمل الله” (يو1: 29)، ودعاه الرسول بطرس: “حملاً بلا عيب ولا دنس” (1بط1: 19)، كما جرى التنويه إليه في سفر الخروج (خر12: 5). فيسوع “بلا عيب” لأنَّه لم يعرف الخطيئة (را. عب4: 14). ويرى كاتبُ سفر الرؤيا أنّ يسوع هو “حملٌ قائمٌ كأنَّه مذبوح” (رؤ5: 6).
وكما أنَّ دم حمل الفصح القديم الذي وُضِعَ في أعلى الأبواب، جعل “المُهلِك” يعبر عن تلك البيوت، كذلك دم المسيح، الحمل الفصحي الجديد، يجعل دينونةَ الله تعبر عن المؤمنين به، وتعطي “الحياةَ الأبدية في المسيح يسوع ربّنا” (رو6: 23). لقد وضع المؤمنون دمَ ذبيحة المسيح على قلوبهم، بصورةٍ رمزيةٍ، وبذلك نجوا من الموت الأبدي (عب9: 12 و14). وكما أنّ الفصح لدى العبرانيين هو علامة على تحريرهم من العبودية في مصر، كذلك دم المسيح هو علامة على تحريرنا من عبودية الخطيئة (رو8: 2). وكما أنَّ الفصح كان تذكاراً سنوياً، كذلك نذكر، نحن المؤمنين، موتَ الربِّ على المذبح أثناء الصلاة الإفخارستية في ذبيحة القداس حتّى مجيئه الثاني (1كور11: 26).
أضحى الرب يسوع، بحياته المنزَّهة عن الخطيئة، وبموته الخلاصي، حمل الفصح الحقيقي، وهو وحده، كونه الإله المتأنّس، قادرٌ أن يمنح المؤمنين الغلبةَ على الخطيئة وثمرتها الموت، ويهبهم يقينَ الرجاء للحياة الأبدية (را. 1بط1: 20-21). أصبح المسيحُ عبورَنا الجديد في بحر عالمنا الهائج، فمثلما عَبَرَ بنو إسرائيل من الظلمة إلى النور، ومن العبودية إلى الحرّية، ومن مملكة فرعون إلى مملكة الله، هكذا يعبر بنا المسيح من ظلمة حياتنا إلى نور قيامته، ومن عبودية إبليس إلى حرّية أبناء الله، ومن مملكة الأرض الزائلة إلى ملكوته السماوي الأبدي.
3. المسيح فصحُ الحياة
في المسيح اكتملت ذبيحة الحمل وطقس الفصح ونصّ الشريعة، إذ به تمَّ كلّ شيء، ليس في الشريعة القديمة وحسب، بل في الكلمة الجديدة. احتوى الربُّ الإنسانَ وتألَّم عمَّن كان يتألَّم، أُوثِقَ عن الذي كان مُوثقاً، وحوكِمَ كمجرم. دُفِنَ في قبرٍ جديدٍ، وقام بالمجد من بين الأموات في اليوم الثالث. لقد زالَ الرمز وأشرقت الحقيقة، فجاء الله بدلَ الحمل، والإنسانُ بدلَ الشاة (را. إش53: 7)، وهذا الإنسان هو نفسه المسيح – الإله المالئ الكلّ.
حقّق الربّ يسوع بانتصاره بالقيامة على الموت “عبورَ البشرية الحاسم، من الموت إلى الحياة، ومن الخطيئة إلى النعمة، ومن الخوف إلى الثقة، ومن التِّيهِ إلى الشركة والوحدة”، على حدّ قول قداسة البابا فرنسيس.
إنَّ فصحنا المسيح المنقذ والمخلّص، قد ظهر لنا بصليبه وقيامته فصحاً جديداً، فصحاً بريئاً من العيب، فصحاً يشفي من الفساد، فصحاً يبيد الموت بالموت، وينعم على الذين في القبور بالحياة الأبدية، فصحاً أخذ على عاتقه جميع ضعفاتنا، فصحاً “طُعِنَ بسبب معاصينا، وسُحِقَ بسبب آثامنا، وبجرحه شُفينا” (إش53: 5).
لقد طُعِنَ يسوع بالحربة في جنبه، فسالَ منه دمٌ وماءٌ لغفران الخطايا. ارتضى الهوان والمرارة والخزي كي يهبنا حلاوة مراحمه. غلب ربُّنا إبليسَ ونزع سلاحه بالكامل، وأزال عنّا اللعنة والموت والخطيئة. فيسوع هو “إسحق الحقيقي” الذي اقتيدَ للذبح في وقت المساء، وهو “يونان الحقيقي” الذي قام في اليوم الثالث وصار باكورة الراقدين.
قام يسوع ليقيمنا معه ويمنحنا عدم الفساد وعدم الموت. فلن نرتعد أو نفزع من الموت، ولن نخشاه بعد الآن، إذ لم يعُد للموت سلطانٌ علينا.
ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ أعظم أعيادنا هو أحد القيامة الذي يلي خميس الفصح ويكلّل غلبة الصليب يوم الجمعة العظيمة. فالرب يسوع أتمّ الفصح في العشاء الأخير مع تلاميذه ليلة آلامه. أمّا القيامة، أساس إيماننا وجوهره، فهي عيدنا العظيم، “فإن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضاً باطل” (1كور 15: 14)، على حدّ تعبير القديس بولس الرسول.
يؤكّد القديس مار يعقوب السروجي في أحد ميامره (أي قصائده) أنّ الربّ يسوع هو الفصح الجديد الحقيقي الذي أبطل الفصح القديم الرمزي، إذ يقول:
«ܒܒܰܝܬܶܗ ܕܡܰܪܩܳܘܣ ܫܰܠܶܡ ܟܽܠܗܶܝܢ ܥܰܬܺܝܩ̈ܳܬܳܐ܆ ܘܰܒܗܰܘ ܠܺܠܝܳܐ ܟܠܳܐ ܠܣܰܟܺܝܢܳܐ ܡܶܢ ܚܰܝܘ̈ܳܬܳܐ. ܬܰܡܳܢ ܟܬܰܒ ܗ̱ܘܳܐ ܕܺܝܰܬܺܩ̈ܰܐܣ ܟܽܠ ܚܰܕ̈ܬܳܬܳܐ܆ ܘܰܫܪܳܐ ܘܒܰܛܶܠ ܟܽܠ ܐܶܪ̈ܶܣܺܝܣ ܕܰܓܳܠ̈ܳܬܳܐ». وترجمته: “في بيت مرقس (وهو يوحنّا الملقَّب بمرقس، بحسب سفر أعمال الرسل (أع12: 12) أي في العلّيّة) أتمّ يسوع ناموس العهد القديم، وفي تلك الليلة (أي ليلة الفصح) منع السكّين عن رقاب الحيوانات. هناك (في العلّيّة) كتب يسوع العهد الجديد، وحلّ وأبطل كلّ البدع البائدة والمرفوضة”.
4. المسيح قام حقّاً ومنحنا الغلبة
أصابت تلاميذَ يسوع خيبةُ أملٍ شديدة عندما صُلِبَ سيّدُهم على يد قادة الأمّة. ورغم أنّ يسوع سبق وأنبأهم بأنّه سيتألّم ويُصلَب ويموت، وفي اليوم الثالث يقوم، إلا أنَّهم لم يفهموا ذلك، ولم يدركوا قصد الربّ، فعاد كلٌّ منهم إلى حياته السابقة: عاد بطرس إلى الصيد الذي كان قد تركه، وتبعه آخرون من التلاميذ في ذلك. وتوجّه اثنان منهم عائدَيْن إلى قرية عمَّاوس بعد أن غَمَرَ اليأس قلبيهما قائلَيْن: “ونحن كنّا نرجو أنّه هو المزمع أن يفديَ إسرائيل” (لو24: 21). وهل يوجد فداءٌ دون دفع ثمن؟ وهل توجد حياةٌ دون موت؟
لقد قام يسوع حقّاً: فالحجر مُدحرَجٌ، والقبرُ فارغٌ، واللفائفُ مُرتَّبة. ولم تجد النسوة جسده الطاهر فجر يوم الأحد في القبر، كما لم يجده بطرس ويوحنّا بعد أن أسرعا إلى القبر.
لو لم يقم المسيح من بين الأموات، فإنَّ اكتمال كلّ تلك الإشارات والرموز يبقى دون فعاليّة، إذ تكون الكفّارة حينذاك ناقصة. لكن لا يمكن أن يبقى ابن الله القدّوس في القبر، فليس للموت سلطانٌ عليه لأنّه بلا خطيئة. وكما تمّم بدقّة متناهية تفاصيل رموز العهد القديم بموته، نراه يتمّم بقيامته أيضاً تلك الرموز عينها.
وهكذا قَلَبَ الربُّ يسوع القائم نتيجةَ المعركة، فعوضاً عن الهزيمة التي شعر بها التلاميذ جميعاً، رفعوا ونرفع نحن أيضاً معهم رايات الانتصار، ونعلن على رؤوس الأشهاد أنَّ الربّ يسوع انتصر وقام من أجلنا. وها نحن نحيا بنصرته، ونهتف مع بولس رسول الأمم: “أينَ شوكتكَ يا موت؟ أين غلبتكِ يا جحيم؟… شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربّنا يسوع المسيح” (1كور15: 55 و57).
فليكن هذا العيد لكلِّ واحدٍ منّا عبوراً من الضيق إلى التعزية، ولنتذكَّر أنَّنا لسنا وحدنا، فيسوع الحيّ معنا إلى الأبد. “لتفرح الكنيسة والعالم، لأنّ رجاءنا اليوم لن يصطدم بعد الآن بجدار الموت، فالربّ يسوع فتح لنا جسراً نحو الحياة… ففي القيامة تغيّر مصير العالم” (بركة قداسة البابا فرنسيس لمدينة روما وللعالم بمناسبة عيد القيامة 2023).
5. صدى العيد في عالمنا اليوم
يحلّ عيد القيامة هذا العام وشرقنا المتوسّط يئنّ تحت مطرقة الحروب والقتل والدمار، وكأنّما قيامة الرب يسوع ممجَّداً، معلناً انتصار الحياة على الموت، لم يُسمَع صداها في الأرض التي أتمّ فيها فداء البشر ناشراً السلام على الأرض. منذ سنوات نصلّي ونسعى لمؤاساة المظلومين، ونناشد الدول والحكومات والشعوب في العالم لبذل الجهود بغية وقف الحروب في كلّ مكان، من لبنان وسوريا والأراضي المقدسة وأوكرانيا، وإطلاق المعتقَلين، وإدخال المساعدات الطبّية والإنسانية، ومنع تهجير الشعوب، والحدّ من التغيير الديمغرافي، على غرار ما حصل مع شعبنا منذ أكثر من مئة عام.
في لبنان الحبيب، نرى الأزمات وقد ازداد ثقلها على كاهل الشعب اللبناني الرازح أصلاً تحت وطأة فساد القيّمين على إدارة شؤون البلد. وكم ندّدنا بتقاعُس مجلس النواب عن أداء مهمّته الأولى، وهي انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية دون إبطاء، هذا الرئيس المسيحي الوحيد في بلاد الشرق الأوسط كافّة. ولعلّ أخطرَ الأزمات أمنياً، إقحامُ لبنان في الصراع الدائر في قطاع غزّة، وتداعيات ذلك إنسانياً واقتصادياً ومعيشياً، فيما تتطوّر الأعمال العسكرية في الجنوب اللبناني لتطال مناطق لبنانية عدّة بتصاعُدٍ متواترٍ، منذرةً بنشوب حربٍ تهدّد البنية التحتية للبلد، بعد أن دمّر السياسيون البنية الإقتصادية والمعيشية للبنانيين بما سُمِّيَ “سرقة العصر”، عبر الاستيلاء على مدَّخراتهم وأموالهم في المصارف دون أيّ حسيب أو رقيب أو رادع. فباتت الهجرة من لبنان الهدف الأول، لا سيّما لفئة الشباب، هرباً من هذا الواقع المرير.
لذا نجدّد الدعوة الملحّة لانتخاب رئيس جديد، فينتظم عمل المؤسّسات السياسية والدستورية، للمباشرة بالإصلاحات الضرورية، كي يرجع لبنان إلى إشعاعه، ويعود إليه أبناؤه الذين اضطُرُّوا إلى هجرته.
وها هي سوريا الغالية التي تعاني منذ أكثر من ثلاث عشرة سنةً من العنف والمآسي والدمار، لا تزال تحتضن أبناءنا الذين أبوا مغادرة أرضهم، بل ظلّوا صامدين بالرغم من أوضاع إقتصادية وأمنية تفاقمت بسبب العقوبات الاقتصادية التي نجدّد مطالبَتَنا برفعها، لأنّها تشكّل تعدّياً جائراً على المواطنين المدنيين في وطنٍ مستقلٍّ ومعترَفٍ به دولياً. وإذ ندعو إلى أن تتضافر جهود الشرفاء داخل سوريا وخارجها، كي يقضوا على الفتنة التي جلبت المعاناة والمآسي وسبّبت نزيف الهجرة المتزايدة، نحثّ الجميع على المساهمة في إعادة إعمار بلدهم، على أسس العدالة والحرّية والسلام.
لا تغيب عن بالنا التحدّيات الكثيرة التي يجابهها أبناؤنا وبناتنا في العراق الغالي، سياسياً واقتصادياً، والتي يسعى المسؤولون للعمل جاهدين في سبيل التخفيف من حدّتها، بغية إحلال الأمن والعدالة والمساواة والاستقرار في بلاد الرافدين. إنّنا ندعو جميع المواطنين كي يعملوا معاً من أجل نهضة بلدهم وإعادة بنائه، بروح الانفتاح والاحترام المتبادَل، مؤكّدين تمسُّك المكوّن المسيحي بوطنه العراق، فهو مكوِّن أصيل ومؤسِّس فيه، وسيبقى متجذّراً في أرضه ووفيّاً لها رغم المعاناة والمِحَن والصعوبات.
لقد فُرِضَت الحرب وساد القتل والدمار منذ أكثر من ستّة أشهر في الأراضي المقدسة عامّةً، ولا سيّما في قطاع غزّة، حيث يدفع السكّان، وخاصّةً الأطفال والعجزة والنساء، ثمنَ مغامرات البعض وعدم تبصُّرهم لنتائج أفعالهم. إنّنا، إذ نؤكّد قربنا الروحي من أبنائنا وبناتنا هناك، كما من جميع السكّان الذين يقاسون الأمَرَّين من شدّة المعاناة، نجدّد مناشدة جميع المعنيين من حكومات وشعوب، للعمل الجادّ على إحلال السلام والأمان في أرض السلام. وهذا يتمّ بإطلاق سراح جميع الرهائن، والوقف الفوري للحرب وأعمال العنف، وتأمين المساعدات والمقوّمات الأساسية لحياة السكّان، من إنسانية وطبّية ومعيشية.
وفي مصر والأردن وبلدان الخليج العربي، نثمّن الدور الذي تؤدّيه السلطات في هذه البلدان لتعزيز الاستقرار والازدهار والرخاء لجميع المواطنين، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.
وفي تركيا، حيث نأمل أن تتكلّل بالنجاح مساعي الغيارى من أبنائنا مع السلطات المعنيّة لاستعادة مقرّ بطريركيتنا في ماردين، نثني على أبنائنا الذين يؤدّون الشهادة الراسخة لإيمانهم في تلك الأراضي التي ارتوت بدماء آبائنا وأجدادنا.
وإلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، نتوجّه بالمحبّة الأبوية والتشجيع على متابعة عيش إيمانهم بالرب يسوع، وأمانتهم لالتزامهم الكنسي وانتمائهم السرياني الأصيل، ومحبّتهم للغتهم السريانية، وتعلُّقهم بتراثهم العريق وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أرضهم وأوطانهم الأمّ في الشرق. ونحثّهم على المحبّة والاحترام والإخلاص للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم ووفّرَت لهم سُبُل الحياة، بالحرّية والكرامة الإنسانية، مشدّدين على أهمّية التمسُّك بالمبادئ الأصيلة للعائلة وقدسيّتها، وتنشئة أولادهم عليها، كي يكونوا مؤمنين ومواطنين صالحين.
كما نحثّ أبناءنا وبناتنا في بلاد الانتشار على القيام بأعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: “فعزمَ التلاميذ أن يُرسِلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية” (أع11: 29).
ولا يفوتنا أن نكرّر المطالبة بحلّ كلّ نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، وخاصّةً من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وقد طال أمدها وخلّفت الدمار، بشراً وحجراً.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
5. خاتمة
أيّها الربّ يسوع القائم من بين الأموات، أنِر بنور قيامتك ظلمات حياتنا ومعضلاتها. أعطِها معنىً جديداً، حوِّل حزننا إلى فرح، واجعلنا نعلن سرّ قيامتك ونزرعه رجاءً لا ينقطع في النفوس والقلوب.
ومع مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة، نعبّر عن الفرح بالخلاص الذي منحنا إيّاه الربّ يسوع بقيامته المجيدة: «ܒܚܰܕ ܒܫܰܒܳܐ ܐܶܬܬܥܺܝܪ ܡܳܪܝܳܐ ܐܰܝܟ ܕܰܡܟܳܐ ܡܶܢ ܓܰܘ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܘܚܰܕܺܝ ܠܰܐܪܥܳܐ ܘܠܰܫܡܰܝܳܐ ܘܰܐܦܨܰܚ ܐܶܢܽܘܢ ܒܰܩܝܳܡܬܶܗ… ܒܰܩܝܳܡܬܶܗ ܦܰܪܩܳܗ̇ ܠܥܺܕܬܶܗ ܘܚܰܪܰܪ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܡܶܢ ܛܽܘܥܝܰܝ». وترجمته: “يوم الأحد استيقظ الربّ من داخل القبر كالنائم، وفرّح الأرض والسماء وأبهجَهما بقيامته… بقيامته خلّص كنيسته وحرّر أولادها من الضلال”.
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. وكلّ عام وأنتم بألف خير.
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ… ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ
المسيح قام من بين الأموات… حقّاً قام
صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت – لبنان
في اليوم السابع والعشرين من شهر آذار سنة 2024
وهي السنة السادسة عشرة لبطريركيتنا
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي