في رسالته لمناسبة عيد الميلاد لعام ٢٠٢٣ أكد بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول أن الديانات هي الحليف الطبيعي لجميع الكائنات البشرية التي تناضل في سبيل السلام والعدالة وحماية الخليقة من الدمار الذي يتسبب به الإنسان.
قبل أيام معدودة على الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وفي وقت تستعد فيه الجماعات المسيحية حول العالم لاستقبال الطفل الإلهي الذي وُلد في بيت لحم أصدر بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول رسالته التقليدية لعيد الميلاد كتب فيها أنه لا يمكن اعتبار السلام شيئاً من المسلمات، بل هو واجب وإنجاز لا بد من السعي من أجله، كما أن الحفاظ عليه يحتاج إلى النضال المستمر ورأى أنه لا توجد حلول تلقائية أو وصفات دائمة لا تتغيّر. وقد شاء غبطته من خلال هذه الكلمات أن يحذّر من المخاطر المحدقة بالسلام في وقت يواجه فيه الإنسان خطر الانجرار وراء العنف، وحثّ الجميع، إزاء التهديدات المستمرة المحدقة بالسلام، على أن يبقوا عينا ساهرة، ويكونوا مستعدين دوماً لحل المشاكل من خلال الحوار.
بعدها سلط البطريرك برتلماوس الأول الضوء على الدور الذي تلعبه الأديان من أجل تحقيق السلام. واعتبر أنه فيما يتهم البعض الأديان بتغذية التعصب والعنف باسم الله، لا بد أن تكون تلك الأديان قوة تدفع باتجاه السلام والتعاضد والمصالحة. وذكّر في هذا السياق بأن التعصب والتطرف هما ابتعاد عن الإيمان الديني، وليسا جزءاً منه، مشيرا إلى أن الإيمان الأصيل بالله يشكل بحد ذاته الانتقاد الأقسى للتعصب الديني. وأكد أن الديانات هي الحليف الطبيعي لكل كائن بشري يناضل من أجل السلام والعدالة وحماية الخليقة من الدمار الذي يتسبب به الإنسان.
هذا ثم توقف غبطته في رسالة الميلاد لهذا العام عند المنظور المسيحي للوجود البشري، لافتا إلى أنه يقدم حلاً للمشاكل التي يولدها العنف والحرب والظلم في عالمنا هذا. وشدد على أن احترام الكائن البشري والسلام والعدالة هي عطايا من عند الله، لكن إحلال السلام المتأتي من المسيح يتطلب مشاركة وتعاوناً من قبل البشر. وذكّر البطريرك برتلماوس بأن النظرة المسيحية للنضال في سبيل السلام تكمن في كلمات المسيح، مخلصنا، الذي أعلن السلام متوجها إلى تلاميذه وقائلا لهم “السلام عليكم” كما أن الرب شجعهم على أن يُحبوا أعداءهم. وهذا يعني بالنسبة لنا نحن المسيحيين، أن درب السلام تمر عبر نبذ العنف، وعبر الحوار والمحبة والمغفرة والمصالحة التي هي قيم تتفوق على الأشكال الأخرى لحل الاختلافات.
تابع البطريرك برتلماوس الأول رسالته الميلادية متوقفاً عند الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول ديسمبر عام ١٩٤٨ في باريس، وقال إنها وثيقة تتضمن خلاصة للمثل والقيم الإنسانية الأساسية، وتقترح مثلاً مشتركة يتعين على الشعوب والدول أن تصل إليها. وذكّر غبطته بأن مستقبل حقوق الإنسان والسلام مرتبط أيضا بالإسهام الذي تقدمه الديانات لصالح احترام هذه الحقوق وتطبيقها. في ختام رسالته الميلادية لعام ٢٠٢٣ أطلق بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول نداء من أجل النضال في سبيل بناء ثقافة ترتكز إلى السلام والتعاضد، حيث يرى الأشخاص في وجوه الآخرين أخاً أو أختاً أو صديقاً، عوضا عن رؤية تهديد أو شخص عدو.