لا إفخارستيا من دون كهنوت ولا كهنوت من دون إفخارستيا
من أقوال القديس يوحنا فم الذَهَب
والبابا يوحنا بولس الثاني
آبائي الأَجِلاّء، أيها الأحباء،
في هذا اليوم، يَومِ خَميسِ الأَسرار نجِدُ أَنفُسَنا معَ السّيِّدُ المَسيح في العِلِّيَة يُوصينا في العَشاءِ
الأَخير: إِصنَعوا هذا لِذِكري ، فَتُولَدُ خِدمَتُنا الكَهنوتِيَّة مِنَ الإِفخارِستِيّا عندما نُؤَكِّد أنَّ
الكَنيسَة تَحيا مِنَ الإفخارستيّا. وتُولَدُ خِدمَتُنَا أَساساً لِتَحيا وتَعمَل وَتُثمِر. فَكُلُّ مَرَّةٍ تَجتَمِعُ الكَنيسَة
حَولَ جَسَدِ الرَبِّ ودَمِه في القُدّاسِ الإلَهي، تَجعَلُ هذِه الذِكرى حَيَّةً حاضِرَة، تَربُطُ البَشَرَ بِأَبَدِيَّةِ
حُبِّ اللّه. وما تعبيرُ يسوع المَسيح شَهوَةً إِشتَهَيت أَن آكُلَ هذا الفِصحَ مَعَكُم قَبلَ آلامي سِوى
أَفضَلَ تَعبير عَن تَقديمِ ذاتِهِ ذَبيحَةَ خُبزٍ وخَمرٍ لِتَستَمِرَّ حَياتَهُ في حَياةِ التَلاميذ الذينَ يَتَناولونَهُ.
إِستَودَعَ يسوعُ الكَنيسَةَ ذاتَهُ لِيَكتَشِفَ المُؤمِنُ سِرَّ الحُبِّ الكَبير في كُلِّ مَرَّةٍ يَدخُلُ فيها معَ يَسوع
في شَرِكَةِ الإِفخارِستَيّا. وهكذا تَتَوَحَّدُ حَياتَهُ معَ حياةِ يَسوع التي قَدَّمَها فِداءً لِلعالَم وَشُكراناً لِلآب.
1-وهذا ما تَعنيهِ صَلاتُنا الليتورجِيَّة وَحَّدتَ يا رَبُّ لاهوتَكَ بِناسوتِنَا وناسوتَنا بِلاهوتِكَ،
أَخذتَ ما لَنا وَوَهَبتَنا ما لَكَ لِتُحيينا وتُخَلِّصَنا . يُحيينَا وَيُخَلّصَنا مِنَ الخَطيئَةِ إِلى البَرارَة، وهذا
ما طَلَبَهُ يَسوعُ مِن تَلاميذِه أن يُتابِعوا عَمَلَهُ فَيَتِمَّ الإتِّحادُ بيسوع والتَحَوُّلُ يَوماً بَعدَ يَوم، وعلى مَدى الأجيال، لِتًصبِحَ حَياةُ البَشَرِ إِفخارِستِيّا دائمَة أي شُكراً دائماً لِلّه.
2-لَقَد عَهَدَ السَيِّدُ المَسيحُ إِلى الرُسُلِ، الذينَ اختارَهُم، سِرَّ الإفخارِستِيّا. رَسَمَهُم وأَرسَلَهُم وَوَضَعَ
الخَتمَ الإفخارِستي على رِسالَتِهِم. أَوصاهُم وأَرسَلَهُم لِتَخليدِ هذا السِرِّ المُقَدَّس. إِنَّ الخِدمَةَ
الكَهنوتِيَّة، التي لا يُمكِنُ أَبَداً اختِزالُهَا فَقَط في الجانِبِ الوَظيفي، تَمنَحُ الكاهِنُ في اللَّحظَةِ التي
يُقَدِّسُ فيها الخُبزَ والخَمر إمكانِيَّةَ تَكرارِ كَلِماتِ وحَرَكاتِ يَسوع في العَشاءِ الأَخير، وهذِه ذُروَةُ
الخِدمَة. فَالإِفخارِستِيّا، مِثلَ الكَهنوت، عَطِيَّةٌ مِنَ اللَه. جاءَ في المَجمَعِ الفاتيكاني الثاني ، وثيقَةِ
نورِ الأُمَم، مَن نالَ كَهنوتُ الخِدمَة، بِحُكمِ السُلطانِ المُقَدَّس الذي يَتَمَتَّعُ بِه…يَحتَفِلُ بِالذَبيحَةِ
الإفخارِستِيَّة في شَخصِ المَسيح، وَيُقَدِّمُهَا لِلّهِ باسمِ الشَعب. لِذلِكَ فَإِنَّ الشَعبَ المَسيحي، من
ناحِيَة، يَشكُرُ اللّهَ بِحَقٍّ على عَطِيَّةِ الإِفخارستيّا والكهنوت، ومن ناحيةٍ أُخرى، لا يَتَوَقَّف أَبَداً
عَنِ الصَلاة حتى لا يَنقُصُ الكَنيسَة أَبَداً كَهَنَة، ويُصّلّي مِن أجلِ الدَعوات الكَهنوتِيَّة والحَياةِ المُكَرَّسَة طالِبينَ مِن رَبِّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ فَعَلَةً لِحَصادِه.
3-أيّها الآباء الأَعِزّاء، إنَّ رِسالَتَنا في قَلبِ الكَنيسَة تَتَطَلَّبُ أَن نَكونَ أَصدِقاءَ المَسيح، نَلتَمِسُ
وَجهَهُ بِاستِمرار، واضِعينَ أَنفُسَنَا بِطاعَةٍ في مَدرَسَةِ مَريَم ألكُلِّيَةِ القَداسَة. إَنَّ اللّهَ يَعمَلُ فينَا
وَبِضُعفِنَا بِقَدرِ ما نَسمَح لَهُ بِالعَمَل. فَهو لا يَفرِضُ ذاتَهُ على أَحَد. فَلنَتَذَكَرَ ما جاءَ في رِسالَةِ
القديس بولُس الثانِيَة إِلى قورَنتُس: وما نَحنُ إِلاَّ آنِيَةٍ مِن خَزَف تَحمِلُ هذا الكَنز، لِيَظهَرَ أنَّ
تِلكَ القُدرَة الفائقَة هِيَ مِنَ اللّهِ لا مِنَّا . فَكَم عَظيمٌ كَهنوتُنَا بِالرُغمِ مِن ضُعفِنَا. نَعتَرِفُ ونَقتَنِعُ
بِضُعفِنَا. أنتُم تَعرِفونَ أَنَّ العالَمَ يَنتَظِرُ مِنَّا، إِلى جانِبِ الثَقافَة، أَن نَكونَ أَوّلاً رِجالَ صَلاة يَقِظين
في عَصرِ الإِيديولوجياتِ والبِدَع وازدِحامِ الإِنشِغالات والسُرعَة، لابِسينَ دِرعَ الحَقّ، أَقوِياء بالمَسيح الذي يُقَوّينَا.
4- فاكاهِنُ الناضِجُ، العَميقُ في فِكرِهِ وصَلاتِه، واللّطيفُ والمُتَواضِعُ في مَعشَرِه، والمُتَجَرِّد مِن
إِغراءاتِ الدُنيا، والساهِر على رَعِيَّتِه، والمُتَّزِن في عَلاقاتِه بَعيداً عَنِ الشُكوك، يَعيشُ التَوبَةَ
وَفَحصِ الضَميرِ الدائم، والوَفي الدائم لِدَعوَتِه، مُلتَزِمٌ واجِباتِه، يَكونُ كاهِناً خادماً لا مُوَظَّف، ويَكونُ كاهِناً في قَلبِ اللّه.
5-أَللَّهُمَ أَنتَ القُربانُ وَالمُقَرِّب، ضُمَّ إِلى حُبِّكَ الإلَهي الكَهَنَةَ الذينَ سَبَقونا وأَتَمّوا رِسالَتَهُم بِخِدمَةِ
شَعبِكَ. إِحفَظ وبارِك كَهَنَتَنا اليَومَ، وكُلَّ الكَهَنَة في عيدِهِم، رُعاةً وِفقَ قَلبِكَ، يَنشُرونَ رائحَتَكَ الطَيِّبَة – آمين !
+ أنطوان _ نبيل العنداري