“لنعترف بالمساهمة الأساسية للذين قد يبقى عملهم غير مرئي. ولنعضد خدمة استقبال الذين يحتاجون إلى آذان صاغية ومكان ينتمون إليه، ومرفأ آمن، وجماعة ترحِّب بكل من يرغب في العودة إلى دياره” هذا ما كتبه عميد دائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة في رسالته بمناسبة أحد البحر ٢٠٢٤
بمناسبة أحد البحر الذي يحتفل به في ١٤ تموز يوليو وجّه الكاردينال مايكل تشيرني عميد دائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة رسالة كتب فيها في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، يصف القديس بولس الكنيسة كجسد متعدد الأعضاء. ويشير إلى أنه حتى أصغر أعضاء تقدّم مساهمات ضرورية وهامة في عمل ورفاهية الجسد ككل. وفي البشرية جمعاء، البحارة هم من بين الأعضاء الأقل ظهورا. ومع ذلك، ومن خلال جهودهم الخفية يصل إلينا الكثير من ضرورياتنا. هم يختبرون جمال الطبيعة اللامحدود في البحار، ولكنهم يواجهون أيضًا الظلام الجسدي والروحي والاجتماعي.
تابع عميد دائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة يقول تقديرًا للبحارة، في يوم الأحد الثاني من شهر تموز يوليو من كل عام، والمعروف باسم أحد البحر، تلفت الجماعات الكاثوليكية في جميع أنحاء العالم الانتباه إلى جميع الذين يقومون بهذا العمل وتصلّي من أجلهم: طواقم السفن التي تنقل البضائع والذين ينزلونها على الرصيف البحري، وعمال الرصيف، ومشغلي زوارق القطر والتفريغ، وخفر السواحل، وموظفي الحركة البحرية والإنقاذ، ووكلاء الجمارك والصيادين، وجميع الذين يتعاونون معهم، بالإضافة إلى عائلاتهم وجماعاتهم. إن العدد الإجمالي لهؤلاء العمال بالإضافة إلى عائلاتهم يبلغ عدة ملايين. وأحد البحر يجعل حقائقهم اليومية غير المرئية مرئية. واليوم كما في الماضي، يمكن أن تنطوي الملاحة البحرية على الغياب عن المنزل والأرض، لعدة أشهر وحتى سنوات. قد يفوِّت كل من البحارة وعائلاتهم لحظات مهمة في حياة الآخر. وقد يجعل الأجر هذه التضحيات جديرة بالاهتمام، ولكن هذه المنفعة قد تكون مهددة بسبب الظلم والاستغلال وعدم المساواة. لذلك، فمن الرائع أن يتم الدفاع عن كرامة وحقوق البحارة من قبل المتطوعين والمرشدين وأعضاء الكنائس المحلية في الموانئ، الذين يشاركون في خدمة البحارة.
أضاف الكاردينال مايكل تشيرني يقول “بعيد عن العين بعيد عن القلب” هو المثل الذي يمكن تطبيقه على عدم رؤية البحارة. وفي معرض حديثه عن الميل إلى البقاء بعيدين ومنفصلين عن بعضنا البعض، يقول البابا فرنسيس: “إن الحكمة الحقيقية تتطلب لقاءً بالواقع… إن عملية بناء الأخوة، سواء كانت محلية أو عالمية، لا يمكن أن تتم إلا من قبل الأرواح الحرة والمنفتحة على اللقاءات الحقيقية”. يمكن لخدمة البحر أن تساعد في حمل الضواحي إلى المحور بعدة طرق، على سبيل المثال: من خلال لقاء البحارة شخصيًا وفي الصلاة؛ وتحسين الظروف المادية والروحية للعمال؛ والدفاع عن كرامة وحقوق العمال؛ والدفاع عن العلاقات والسياسات الدولية المعززة لحماية حقوق الإنسان للذين يسافرون ويعملون بعيدًا عن عائلاتهم ووطنهم.
تابع عميد دائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة يقول إن الكنيسة مدعوة لكي تخدم كل فرد من أفراد العائلة البشرية. ولأن البحارة يأتون من كل بلد وكل معتقد من جميع أنحاء العالم، فإن إشراكهم في حياة الكنيسة وخدمتها يسمح بنمو التفاهم المتبادل والتضامن بين جميع الشعوب والأديان. ونجد القوة والتشجيع في مثال القديس بولس الذي أمضى وقتًا طويلاً في البحار أثناء رحلاته التبشيرية. وكانت كورنثوس إحدى المدن المهمة التي ترسخت فيها الكنيسة، والتي أصبحت غنية جدًا بسبب مينائها وقناتها. كما كانت أيضًا مركزًا نشطًا للتجارة الدولية. وقد التقى السكان والزوار المتنوعون في مدينة الميناء بالمبشرين بالإنجيل، الذين أجابوا على احتياجاتهم العميقة وكشفوا لهم عن كرامتهم اللامتناهية. ولكن التنوع بين المؤمنين الجدد قد هدد بتقسيمهم. فاستجاب القديس بولس لهذه التوترات بتذكيرهم بارتباطهم العضوي ببعضهم البعض وبمكانتهم الاجتماعية المتواضعة المشتركة، قائلاً: “فاعتبروا، أيها الإخوة، دعوتكم، فليس فيكم في نظر البشر كثير من الحكماء، ولا كثير من المقتدرين، ولا كثير من ذوي الحسب والنسب”. هذه الكلمات تشجع الكنيسة اليوم على العمل من أجل زيادة الوحدة، ليس فقط بين الأشخاص الذين يختلفون عن بعضهم البعض، وإنما أيضًا بين الأشخاص الذين يختبرون الانقسام والتوترات المتبادلة. وكما يذكرنا القديس بولس، لا يجب أن تهرب الكنيسة من هذه التحديات إذا كانت أمينة للرسالة التي أوكلها إليها الرب. علاوة على ذلك، فإن زيادة الوحدة بين المؤمنين تخدم زيادة الوحدة بين جميع الشعوب والأراضي.
أضاف الكاردينال مايكل تشيرني يقول لقد انتشرت المسيحية عن طريق البحر إلى بلاد بعيدة؛ ولم يكن هناك خيار آخر. تستطيع الكنيسة اليوم أن تستلهم من سكان الجماعات الساحلية الذين كانوا أول من سمع رسالة المسيح الجديدة من الرسل البحارة وغيرهم من المرسلين. لقد كانت كل سفينة جديدة تصل تعني المزيد من اللقاء والتبادل، والمزيد من الانفتاح على الحداثة والإمكانات الواسعة خارج الشواطئ المحلية. يمكن للدعوة إلى معانقة الغريب أن تشكل تحديًا لنا عندما نفضِّل أن نبقى معزولين اجتماعيًا وروحيًا. لا يمكننا أن نكون منفتحين على إمكانيات الحياة إذا كنا نفضل وسائل الراحة المألوفة. إن طريق الانفتاح هو طريق الرجاء.
وختم عميد دائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة رسالته بمناسبة أحد البحر بالقول ندعو الجميع لكي يقوموا بدورهم في إصلاح بيتنا المشترك بشجاعة وينموا في الأخوَّة والصداقة الاجتماعية. لنعترف بالمساهمة الأساسية للذين قد يبقى عملهم غير مرئي. ولنعضد خدمة استقبال الذين يحتاجون إلى آذان صاغية ومكان ينتمون إليه، ومرفأ آمن، وجماعة ترحِّب بكل من يرغب في العودة إلى دياره. ولنستلهم من مثال التبادلات المتبادلة في حياة البحارة. وليشعر أهل البحر بأنهم جزء من الكنيسة أينما ذهبوا. لنطلب من العذراء مريم، نجمة البحر، أن ترافق جميع الذين ترتبط حياتهم وعملهم بالبحر، ولتكن لهم النجمة التي ترشدهم في مسيرتهم نحو المسيح.