وجه البابا فرنسيس هذا الجمعة رسالة إلى المشاركين في مهرجان العقيدة الاجتماعية للكنيسة المنعقد في مدينة فيرونا الإيطالية وقد بدأت أعماله صباح اليوم على أن تنتهي يوم الأحد المقبل.
استهل الحبر الأعظم رسالته إلى المشاركين في مهرجان العقيدة الاجتماعية موجهاً تحية إلى رئيس مؤسسة Segni Nuovi أو “علامات جديدة” ألبيرتو ستيتسولي الذي – بالإضافة إلى مجموعة من العلمانيين واللجنة العلمية وعدد من الأصدقاء الذين يدعمون هذه المبادرة بطريقة ملموسة – يتابع هذه المبادرة المهمة ألا وهي مهرجان العقيدة الاجتماعية للكنيسة. بعدها حيا البابا المهنيين ورجال الأعمال والأساتذة الجامعيين والعلمانيين الملتزمين، الذين يشاركون في النسخة الثالثة عشرة لمهرجان العقيدة الاجتماعية للكنيسة.
هذا ثم وجه فرنسيس كلمة شكر إلى المنظمين، الذين يعملون على هذه المبادرة بشغف وصمت كي يترجموا في المجتمع، وبطريقة ملموسة، تعاليم الإنجيل. وكتب فرنسيس أن العلمانيين الذين يضحون يشكلون تعبيراً عن خلاصةِ ما جاء في التقرير الختامي الصادر عن الدورة الأولى للجمعية العامة العادية السادسة عشرة لسينودس الأساقفة، التي التأمت الشهر الفائت، مؤكدا أنه إذا كانت الرسالة نعمةً تُلزم الكنيسة كلها، فإن المؤمنين العلمانيين يساهمون بشكل حيوي في تحقيقها في كل الأوضاع والبيئات اليومية. وهم بنوع خاص من يعكسون حضور الكنيسة ومن يعلنون الإنجيل ضمن الثقافة الرقمية التي لديها أثر قوي في العالم كله، ووسط ثقافة الشباب، وعالم العمل، والاقتصاد والسياسة، والفنون والثقافة، والبحث العلمي والتربية والتنشئة، والاعتناء بالبيت المشترك، والمشاركة في الحياة العامة.
انتقل البابا بعدها إلى الحديث عن الموضوع الذي تم اختياره للقاء هذا العام ألا وهو “أحرارٌ مجتمعياً”، لافتا إلى أنه يسلط الضوء على بعض القضايا الآنية الكبرى، لاسيما بالنسبة للثقافة الرقمية التي تؤثر على العلاقات بين الأشخاص وبالتالي داخل المجتمع. وأشار فرنسيس إلى أن رمز @ (آتْ) كان في الماضي يدل إلى وحدة قياسية، وقد بات يُستخدم اليوم في عنوان البريد الالكتروني ليعني “لدى”. وهذه العبارة تدل إلى القرب والتواصل وهي تعبر أيضا عن الحرية الواجب أن يحتفظ بها الإنسان في قلبه. وأكد البابا في هذا السياق أن الشبكة التي نريدها لا تهدف إلى احتجاز الأشخاص بل إلى تحريرهم وقيام شركة بين الأشخاص الأحرار. وذكّر بأن الكنيسة نفسها هي شبكة نُسجت من خلال الشركة الإفخارستية، حيث الوحدة ترتكز إلى الحقيقة، التي بموجبها ينضم المؤمن إلى جسد المسيح ويقبل الآخرين. وهنا يُعبر عن الحرية الشخصية والجماعية. وهذا يتطلب تخطي التسطيح الثقافي كي تكتسب اللغةُ ملأها في إطار احترام كل شخص. وحذّر البابا هنا من مغبة الترويج للإقصاء من خلال نشر رسائل الحقد وتشويه الحقائق على الشبكة، معتبرا أن التواصل يصل إلى ملئه من خلال وهب الذات للآخرين، وضمن علاقة التبادل هذه تنمو شبكة الحرية.
بعدها ذكّر البابا المؤتمرين بواقعة تكثير أرغفة الخبز والسمكتين في الإنجيل. فقد سد حوالي خمسة آلاف رجل جوعهم بفضل ما وضعه يسوع بتصرفهم. بيد أن القديس مرقس البشير أبدى اهتماما أكبر بالطريقة التي أطعم فيها يسوع الحشود التي انضمت إليه على شاطئ بحرية طبريا، ويروي أن الرب أشفق عليهم، لأنهم كانوا كخراف بدون راعٍ فراح يعلمهم أموراً كثيرة. ولفت الحبر الأعظم في هذا السياق إلى أن الغذاء الأول يكمن في الحقيقة التي حملها إلى التاريخ وكان مثالا حياً لها. كما أن الناس فعلوا كل شيء كي يصغوا إليه، بعد أن التمسوا ما كان يتمتع به المعلم من سلطان، وهذا مستمد من تعاليمه ومن التزامه الشخصي وكونه وجه وكلمة الآب وسط منعطفات الوجود البشري. فقد أشفق على الناس، وكانت لديه المشاعر نفسها الموجودة في الأشخاص الذين قابلهم، لم ينظر إليهم نظرة استعلاء، وقد تبنى مشاكلهم، واعتنى بهم.
تابع البابا رسالته مؤكدا أن التواصل الذي أقامه الرب كان تواصلاً أصيلاً لأنه مستلهم من المحبة حيال من كانوا يستمعون إليه. وقد تلا عمليةَ الإصغاء توزيع الخبز وما رافقه. ولفت فرنسيس إلى أن الرب يهتم بالإنسان بكليته، ولم يكن زعيماً يفعل كل شيء لوحده، فقد طلب في الواقع تعاون التلاميذ معه ليبلغ جميع الحاضرين. وتعيّن على التلاميذ أيضا أن يدخلوا في منطق المشاركة الشخصية. فلا توجد هبة إنجيلية لا تتضمن شيئاً من الواهب نفسه. إذ قال الرب لتلاميذه “اعطوهم أنتم ما يأكلون”. هذه هي الحرية التي يُدعى إليها التلميذ: إنها دعوة من يشارك بذكاء ومحبة كي يتحقق نمو الآخر.
في ختام رسالته إلى المشاركين في مهرجان العقيدة الاجتماعية للكنيسة شاء البابا فرنسيس أن يسلط الضوء على أهمية أن نكون شهوداً للحقيقة في عالم مطبوع بالصراعات متمنياً أن يطلق الجميع وبذكاء أفعالاً ومبادرات تصب في صالح الخير العام. وشجعهم على المشاركة في عملية التربية على ثقافة العطاء، مذكرا بأننا نلنا الحياة مجاناً وبالتالي باستطاعتنا جميعاً أن نعطي دون أن ننتظر أي مقابل من الشخص الذي نساعده. هذا ثم سأل الرب أن يبارك الجميع وطلب منهم أن يصلوا من أجله.