وجه البابا فرنسيس هذا الأربعاء رسالة إلى المشاركين في مؤتمر نظمته في روما الجمعية المسيحية للعمال الإيطاليين بعنوان ” LaborDì: ورشة لخلق فرص عمل”.
استهل الحبر الأعظم الرسالة مشيرا إلى أن هذا الحدث حمل إلى ذهنه صورة ورشة كبيرة والتي تعكس بعدين متناقضين: فمن جهة إن الورشة تقدم للناظرين إليها شعوراً بالفراغ، عندم يتوقف العمل فيها، أما عندما يُستأنف العمل فتُظهر سباقاً محموماً يشارك فيه أشخاص كثيرون. وأكد أن أعمال اللقاء الذي نظمته الجمعية المسيحية للعمال الإيطاليين هي بمثابة ورشة مفتوحة لبناء المستقبل.
بعدها توقف البابا فرنسيس عند الشعور بالفراغ وقال إن كلمة عمل اقترنت اليوم وللأسف مع فكرة البطالة، ما يشكل جرحاً كبيراً يصيب كرامة العديد من الأشخاص، كما أن هذه الكرامة تُجرح عندما يكون العمل غير كافٍ ولا يسمح للإنسان باتخاذ الكثير من الخيارات في حياته، من بينها تأسيس عائلة. وتساءل كيف يمكن للفقراء، قبل دخول عالم العمل، أن يقوموا بتحصيلهم العلمي إذا كانوا يجدون صعوبات مادية. وشدد فرنسيس على أن الموارد متوفرة ولا بد من استخدامها لتحقيق الأحلام، في طليعتها حلم الحصول على عمل مستقر ودائم، وحلم تأسيس عائلة وتخصيص وقت لخدمة الآخرين مجانا. ولفت إلى أن عقود العمل القصيرة الأمد، والأجور المتدنية وعدم توفر الضمانات اللازمة للعمال تبدو اليوم مشاكل يصعب تخطيها. وتوجه الحبر الأعظم هنا إلى الشباب معرباً عن قربه منهم وشجعهم على المبادرة التي يقومون بها.
هذا ثم اعتبر البابا فرنسيس أن ورشة العمل التي تنظمها الجمعية المسيحية للعمال الإيطاليين يمكنها أن تساعد الأشخاص على التفكير أيضا بنقيض الشعور بالفراغ، ألا هو السباق المحموم الذي يميز ورشات العمل، وحيث يبدو أن الوقت لا يكفي إطلاقاً. وإذا كانت فرص العمل ضئيلة أحياناً، ففي بعض الحالات يكون العمل عبئاً ثقيلا على صاحبه، عندما يصاب العمال بالتعب والإرهاق وينعكس نشاطهم سلباً على علاقاتهم في الحياة. وحذّر الحبر الأعظم في هذا السياق من العمل الذي يتحول إلى سلعة، وتسوده سوقٌ تفعل المستحيل كي تكون تنافسية، وصولا إلى حد غياب الشرعية، والتهرب من المسؤوليات، والعمل المستتر، فيفقد بهذه الطريقة العمل بعده الإنساني، وحيث تهدد التكنولوجيات الحديثة، كالذكاء الاصطناعي والرجل الآلي، بأن تحل مكان الإنسان. هذا فضلا عن مشكلة أخرى، لا تقل خطورة، ألا وهي غياب السلامة في بيئة العمل، الأمر الذي حصد الكثير من الضحايا.
مضى البابا إلى القول إنه على الرغم من أن ورشة العمل تطالعنا اليوم بكل هذه الأوضاع، لا بد ألا نفقد الأمل، خصوصا وأن العمل يحمل في طياته دعوة فريدة وأساسية. وأكد في هذا السياق أن الأمل ليس تفاؤلا يعتمد على الظروف، بل هو ثقة تولد من الالتزام لصالح الخير العام. من هذا المنطلق إن العمل هو صانع الأمل والدرب التي يشعر من خلالها الإنسان أنه ناشط ويخدم الجماعة. ثم تمنى الحبر الأعظم أن يكون العمل ورشة للأمل، وورشة للأحلام، مشيرا إلى أن المشاركين في المؤتمر منكبون على مشروع يهدف إلى خلق فرص للعمل. ولفت إلى أن عبارة خلق هي جميلة لأنها تعني إعطاء الحياة، وتسلط الضوء على أهمية أن يكون العمل خلاقاً وواهباً للكرامة والأمل.
في ختام رسالته عبر البابا عن تقديره الكبير للإرادة الهادفة إلى خلق “نسيج مستقر” وإقامة علاقات دائمة. وذكّر بأن الورشة التي يعمل المشاركون ضمنها تشهد أيضا إسهاماً من قبل الكنيسة وعالم التربية وقطاع العمل التطوعي، والنقابات والجمعيات ورجال الأعمال والشركات المحتاجين إلى غنى الشبان وأحلامهم. هذا ثم عبر البابا عن قربه من الجميع ومنحهم بركاته الرسولية.