في مقابلة مع موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني تحدث حارس الأرض المقدسة الأب الفرنسيسكاني فرنشسكو باتون عن الأوضاع المأساوية الراهنة في المنطقة، لافتا إلى خطر ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين، كما تطرق إلى الظروف الصعبة التي تعيشها الجماعات المسيحية المحلية، وانعكاس الوضع الراهن على التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي.
استهل الكاهن الفرنسيسكاني حديثه مشيرا إلى وجود حالة من الجمود لأنه بعد خرق الهدنة بين الطرفين المتنازعين في الأول من الجاري لم تُعقد أي مفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن، وقد استُؤنفت العمليات العسكرية ضد حماس. وأكد أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم ستزداد أعداد القتلى بشكل رهيب. وذكّر بأن كل شيء بدأ مع الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من تشرين الأول أكتوبر الماضي والذي أدى إلى سقوط ألف ومائتي قتيل إسرائيلي، بيد أن الرد العسكري الإسرائيلي أسفر لغاية اليوم عن سقوط أكثر من ثمانية عشر ألف ضحية من الطرف الآخر. وأكد أن هذا الوضع الخطير الذي تعيشه غزة تترتب عليه انعكاسات على المجتمع الإسرائيلي بأسره بما في ذلك الجماعات المسيحية، الكاثوليكية والأرثوذكسية.
بعدها أشار حارس الأرض المقدسة إلى التوازنات المرتبطة بالتعايش السلمي بين مكونات المجتمع العربية الإسرائيلية واليهودية الإسرائيلية، لافتا إلى أجواء من انعدام الثقة والخوف، بالإضافة إلى مشاعر الانتقام والكراهية والغضب. وأضاف أن تأثيرات الصراع الدائر في غزة يمكن أن تشاهد في أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني، أي في الضفة الغربية، حيث وصل عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ بداية الصراع إلى ثلاثمائة. وتحدث عن وجود مساع ومبادرات دولية تهدف إلى معاقبة المستوطنين الذين يستخدمون العنف ضد الإسرائيليين، لكن غالباً ما ينسى المجتمع الدولي أن سياسات الاستيطان بحد ذاتها هي ضرب من العنف ضد الفلسطينيين. ولفت باتون إلى المشاكل التي تواجهها الجماعات المسيحية المقيمة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، في الضفة وقطاع غزة، وهناك أيضا مسيحيون يخدمون في الجيش الإسرائيلي، لأنهم أبناء لعمال مهاجرين.
لم تخلُ كلمات الأب فرنشيسكو باتون من الحديث عن الأوضاع الراهنة في مدينة بيت لحم في وقت تستعد فيه للاحتفال بعيد الميلاد، وقال إن الوضع هناك خطير لأن المدينة تعاني من غياب الحجاج والسياح، وهذا أمر يعني المسيحيين بنوع خاص لأن معظمهم، وبغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية، يعملون في الفنادق والمتاجر ويصنعون تذكارات دينية أو يعملون أيضا كأدلة للسياح والحجاج. ونظرا للوضع الراهن لقد توقفت تماماً العجلة الاقتصادية المرتبطة بالحج.
ردا على سؤال حول الجهود الهادفة إلى تحقيق السلام والدور الذي يمكن أن تلعبه الأديان في هذا الإطار، قال حارس الأرض المقدسة إن الدبلوماسية تجد صعوبة اليوم لأن الأطراف المعنية متعددة، والمحاورين النافذين يترددون في إسماع صوتهم بشكل واضح. مع ذلك أكد أنه رأى في الأيام الأخيرة إعادة تموضع من قبل الدبلوماسية الأمريكية بشأن الهدنة وبشأن مرحلة ما بعد الحرب. أما الأديان، مضى الأب باتون يقول، فهي تلعب عادة دورا بالغ الأهمية في سياقات كهذه، لكن المشكلة هي أنه على الصعيد العالمي استُبعدت الأديان عن العمليات السياسية، مع أن وجهة النظر الدينية، بالنسبة للعديد من البلدان، بدأت تصبح اليوم وجهة نظر أساسية.
في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني قال حارس الأرض المقدسة إن القادة الدينيين مدعوون اليوم إلى الاقتداء بمثل البابا فرنسيس وإمام الأزهر أحمد الطيب عندما وقعا على وثيقة الأخوة الإنسانية في أبو ظبي عام ٢٠١٩، إذ ينبغي عليهم أن يُطلقوا مبادرات مماثلة متعددة الأطراف تساعد المؤمنين على إعادة تفسير النصوص المقدسة وجعل هذا التفسير يصب في ثقافة الأخوة والسلام. وذكّر بأن وثيقة أبو ظبي تكتسب أهمية كبرى في هذا الإطار لأنها تقر بحق الجميع في المواطنة التامة بغض النظر عن الانتماءات الدينية.