تدشين السفارة البابويّة في قبرص

تمّ، الجمعة 26 كانون الثاني 2024، تدشين السفارة البابوية في قبرص، حيث شارك في الاحتفاليّة نائب وزير خارجيّة الفاتيكان المطران إدغار بينيا بارا، ووزير النقل والاتصالات والاشغال القبرصي ألكسيس فافيديس، والسفير البابوي لدى قبرص والمقيم في الأردن رئيس الأساقفة جوفاني بيترو دال توزو، ورئيس أساقفة كنيسة الروم الأرثوذكس جورجيوس الثالث.
وقبيل الاحتفال، التقى المسؤول الفاتيكاني الرفيع في نيقوسيا برئيس الدولة نيكوس خريستودوليدس، وكذلك كان له لقاء مع رئيسة البرلمان أنيتا ديميتريو. وتمّ التطرّق للروابط القويّة التي تجمع قبرص بحاضرة الفاتيكان، وأهميّة الزيارة التي قام بها البابا فرنسيس إلى الجزيرة في كانون الثاني من العام 2021، بالإضافة إلى الأزمة الحاليّة في الشرق الأوسط والأوضاع الإنسانيّة.
وفي مستهل خطابه خلال احتفاليّة التدشين، نقل المطران إدغار تحيّات البابا فرنسيس إلى السلطات المدنيّة والشعب في قبرص، مشيرًا إلى أنّ الكرسي الرسولي قد أقام علاقات دبلوماسيّة منذ أكثر من خمسين عامًا، وتحديدًا في 31 كانون الثاني عام 1973، وما افتتاح السفارة البابويّة اليوم إلا علامة على المودّة التي يكّنها الحبر الأعظم للشعب القبرصي، ولكلّ من يعيش على هذه الأرض.
ولفت إلى أنّ تدشين السفارة البابويّة ليس مجرد علامة دبلوماسيّة فحسب، إنما هي أيضًا بادرة رعوية وبادرة أخويّة، فالسفارة تسهر على الخدمات الدينيّة والروحيّة للكاثوليك المقيمين في أي بلد، كما وتعمل على مدّ جسور المحبّة والتعاضد مع سائر المواطنين، موضحًا بأنّ السفارة البابويّة والتي تمثّل “بيت البابا”، مدعوّة إلى تعزيز جو من الألفة والأخوّة.
ثلاث أمنيات
وأعرب المطران إدغار في أن تحمل السفارة البابويّة ثلاث أمنيات.
بداية، لفت إلى أنّه وخلال زيارة الحج التي قام بها البابا فرنسيس إلى قبرص، في 2 كانون الأول عام 2021، قال قداسته بأنّه جاء “إلى بلدٍ صغير في جغرافيّته، ولكنّه كبير بتاريخه، وإلى جزيرة لم تعزل الناس بل ربطت فيما بينهم، وإلى أرض حدودها البحر، وإلى مكان هو البوّابة الشرقيّة لأوروبا والبوّابة الغربيّة للشرق الأوسط”، وإلى “باب مفتوح، وميناء يجمع، ومفترق طرق للحضارات، تحمل في ذاتها دعوة طبيعية إلى اللقاء، ويميّزها طابع أهل قبرص المضيافين”.
وشدّد سيادته على أنّ الخدمة الدبلوماسيّة للكرسي الرسولي تدرك الحاجة إلى تعزيز ثقافة اللقاء بطريقة محترمة وبناءة، وهذا يمثّل الهدف الحقيقي للدبلوماسيّة في السعي لتقدير العلاقات الاجتماعيّة وجمال الحياة المشتركة للأفراد والشعوب، داعيًا أن تكون السفارة البابويّة بيتًا للقاء وكنزًا للحوار: بين الكاثوليك في غنى أصولهم وطقوسهم المتنوّعة، وبالاخص اللاتينيّة والمارونيّة، وبين المسيحيين من مختلف الكنائس مؤكدًا رغبة الكنيسة الكاثوليكيّة من خلال السفارة الجديدة المُضي قدمًا نحو شركة أكبر، وبين جميع الأشخاص الملتزمين بتعزيز كرامة الإنسان وقضية السلام والتضامن مع الأفراد الذين يعانون من كافة أشكال العوز.
أما الأمنية الثانيّة التي أعرب عنها المطران إدغار، فهي أن تكون السفارة البابويّة بيتًا للأخوّة وكنزًا للمحبّة. وأشار في هذا السياق إلى مسألة الهجرة، التي تعد مسألة هامة في قبرص، لافتًا تأكيدات البابا فرنسيس المتكرّرة على أنّها قضية لا يجب التعامل معها كأزمة فوريّة فحسب، بل يتعلق الأمر أيضًا بتصميم “هندسة المستقبل”، من خلال المشاركة الملموسة والفعالة للاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الصدد، استشهد المسؤول الفاتيكاني بالكلمة التي ألقاها البابا فرنسيس في الجلسة الختامية ”للقاءات البحر الأبيض المتوسط“ في مدينة مارسيليا الفرنسيّة، في 23 أيلول 2023، حيث شدّد قداسته على ضرورة “خلق ظروف مناسبة للاندماج الأساسي”، بدلاً من “عمليات استيعاب سطحية وعقيمة”، فالدمج الصحيح هو “أمر متعب، ولكنّه بعيد النّظر: فهو يهيّئ المستقبل الذي سيكون معًا أو لا يكون، شئنا أم أبينا… إنّنا بحاجة إلى الأخوّة مثل حاجتنا إلى الخبز”.
أما الأمنية الثالثة والأخيرة، فهي أن تكون السفارة البابويّة بيتًا للرجاء وكنزًا للسلام. وأشار إلى أنّ العام الحالي سيُختتم في روما بفتح الباب المقدّس وبداية سنة اليوبيل المقدّسة 2025 حول موضوع الرجاء. وهنا في قبرص، فإنّ فتح باب الرجاء يعني التصالح مع جرح لا يزال مفتوحًا وينزف. وفي هذا الشأن، لفت إلى أن تفكيره يذهب إلى أولئك الأشخاص الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، وبالجراح الاجتماعيّة والشخصية التي نجمت عن تقسيم الجزيرة، وبالبلدات المارونيّة الأربعة في شمال البلاد، والتي يجب أن تكون هويتها مصانة.
وفي الختام، أكد المطران إدغار على أنّ السفارة البابويّة، والتي سيتواجد فيها القائم بأعمال السفير، وهو اليوم المونسنيور ماورو لالي، هي علامة تهدف إلى خدمة قضية الحوار والسلام، والتي هي حاجة ماسّة لا سيما في الشرق الأوسط القريب جدًا من هذه الجزيرة.