ننشر في ما يلي تأملات مراحل درب الصليب التي كتبها البابا فرنسيس، والمستوحاة من سنة الصلاة
المقدّمة
أيها الرب يسوع، ننظر إلى صليبك ونفهم أنك بذلت كلَّ شيء من أجلنا. نكرس لك هذا الوقت، ونريد أن نقضيه بالقرب منك، أنت الذي صليت من الجتسمانية إلى الجلجلة. وفي سنة الصلاة، نتّحد بمسيرة الصلاة الخاصة بك.
من إنجيل القديس مرقس (١٤، ٣٢- ٣٧)
ووصَلوا إِلى ضَيعَةٍ اسمُها جَتْسمَانِيَّة، فقالَ لِتَلاميذِه: “أُقعُدوا هُنا بَينما أُصَلِّي”. ثُمَّ مضى بِبُطُرسَ ويَعقوبَ ويوحَنَّا، وجعَلَ يَشعُرُ بالرَّهَبةِ والكآبة. فقالَ لهم: “نَفْسي حَزينَةٌ حتَّى المَوت. أُمكُثوا هُنا واسهَروا”. ثُمَّ أَبعَدَ قليلاً ووَقعَ إِلى الأَرضِ يُصَلِّي لِتَبتَعِدَ عنهُ السَّاعة، إِن أَمكَنَ الأَمْر، قال: “أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء”. ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهُم نائمين، فقالَ لِبُطرس: “يا سِمْعان، أَتَنام؟ أَلَم تَقْوَ على السَّهَرِ ساعَةً واحِدَة؟”.
يا رب، لقد أعددَّت كل يوم من أيامك بالصلاة، والآن في الجتسمانية تُعدُّ عيد الفصح. أبا! أيها الآب! كل شيء ممكن بالنسبة لك – تقول – لأن الصلاة هي أولاً حوار ولقاء حميم؛ ولكنها أيضاً صراع وطلب: اصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس! وهي ثقة وعطيّة: ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء. وهكذا، في الصلاة، دخلت من باب آلامنا الضيق وعبرته حتى النهاية. لقد شعرت “بالرَّهَبةِ والكآبة”: رهبة إزاء الموت، وكآبة تحت وطأة خطيئتنا التي اختبرتها على نفسك، بينما كانت تجتاحك مرارة لا نهاية لها. لكن في خضم الجهاد “أمعنتَ في الصلاة”: فحولتَ هكذا شدة الألم إلى تقدمة محبة.
لقد طلبت منا شيئًا واحدًا فقط: أن نمكثَ معك ونسهر. أنت لا تطلب منا المستحيل، بل القرب. ومع ذلك، كم من مرَّة ابتعدتُ عنكَ! كم من مرَّة، مثل التلاميذ، نمتُ بدلاً من أن أسهَر، كم من مرَّة لم يكن لدي الوقت أو الرغبة في الصلاة، لأنني كنت متعبًا، تخّدرني الراحة، وتُنعس نفسي. يا يسوع، كرّر مجدّدًا لي، ولنا كنيستك، “قوموا وصلوا”. أيقظنا يا رب، أيقظنا من سبات قلوبنا، لأنك اليوم أيضًا، وبشكل خاص، تحتاج إلى صلاتنا.
المرحلة الأولى يسوع يُحكم عليه بالموت
فقامَ عظيمُ الكَهَنَةِ في وَسْطِ المَجلِسِ وسأَلَ يسوع: “أَما تُجيبُ بِشَيء؟ ما هذا الَّذي يَشهَدُ به هؤُلاءِ علَيكَ؟” فظَلَّ صامِتاً لا يُجيبُ بِشَيء. فسأَلَه بيلاطُسُ ثانِيَةً: “أَما تُجيبُ بِشَيء؟ أُنظُرْ ما أَكثَرَ ما يَشهَدونَ بِه علَيكَ”. ولكِنَّ يسوعَ لم يُجِبْ بِشَيءٍ بَعدَ ذلك حتَّى تَعَجَّبَ بيلاطُس (مرقس ١٤، ٦٠-٦١؛ ١٥، ٤-٥).
يا يسوع، أنت الحياة وقد حكم عليك بالموت؛ أنت الحق وتتعرّض لمحاكمة زور. ولكن لماذا لا تشتكي؟ لماذا لا ترفع صوتك ولا تشرح أسبابك؟ لماذا لا تدحض المتعلمين والأقوياء كما فعلت دائمًا بنجاح؟ إنَّ ردت فعلك تفاجئنا يا يسوع: في اللحظة الحاسمة لا تتكلم بل تصمت. لأنه كلما كان الشر أقوى، كان ردُّك أكثر جذرية. وردُّك هو الصمت. لكن صمتك خصب: إنه صلاة، إنه وداعة، إنّه مغفرة، إنّه الدرب لكي تفتدي الشر، وتحوِّل ما يسبب لك الألم إلى عطيّة. يا يسوع، أنا أدرك أنني أعرفك قليلاً لأنني لا أعرف صمتك بما فيه الكفاية؛ لأنه في جنون الجري والعمل، إذ أنغمس في الأشياء، ويأخذني الخوف من الغرق أو هوس أن أضع نفسي في المحور، لا أجد الوقت لكي أتوقَّف وأمكثَ معك: لكي اسمح لك بأن تعمل، أنت كلمة الآب الذي يعمل في الصمت. يا يسوع، إنَّ صمتك يهزني: هو يعلمني أن الصلاة لا تولد من الشفاه التي تُتمتم، وإنما من قلب يعرف كيف يُصغي: لأن الصلاة هي أن أصبح مطيعًا لكلمتك، وأن أعبُدَ حضورك.
لنُصلِّ قائلين: تحدّث إلى قلبي، يا يسوع
أنتَ الذي تجيب على الشرِّ بالخير تحدّث إلى قلبي، يا يسوع
أنت الذي تطفئ الضجيج بالوداعة تحدّث إلى قلبي، يا يسوع
أنت الذي تكره الثرثرة والشكاوى تحدّث إلى قلبي، يا يسوع
أنت الذي تعرفني في حميميّتي تحدّث إلى قلبي، يا يسوع
أنت الذي تحبني أكثر مما أحب نفسي تحدّث إلى قلبي، يا يسوع
المرحـلة الثـانيـة يسوع يحمل صليبه
هو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبة لِكَي نَموتَ عن خَطايانا فنَحْيا لِلبِرّ. وهو الَّذي بِجراحِه شُفيتم (١ بطرس ٢، ٢٤).
يا يسوع، نحن أيضًا نحمل صلبانًا، تكون أحيانًا ثقيلة جدًا: مرض، حادث، موت أحد الأحباء، خيبة أمل عاطفية، فقدان ابن، غياب العمل، جرح داخلي لا يلتئم، فشل مشروع، وانتظار آخر ذهب سدى… يا يسوع، كيف يمكننا أن نصلّي في هذه الحالات؟ ماذا أفعل عندما أشعر بأن الحياة تسحقني، وعندما يثقل كاهل قلبي، عندما أكون تحت الضغط ولم يعد لدي القوة للرد؟ إنَّ إجابتك تكمن في اقتراح: “تعالوا إليَّ جميعا أيها المرهقون المثقلون، وأنا أريحكم”. أن نذهب إليك؛ أما أنا فأنغلق في نفسي: أبالغ في التفكير، وأُنبِّش، أشعر بالأسف على نفسي، وأغرق في دور الضحية، كبطل في السلبية. تعالوا إليَّ: لم تكتفي بأن تقوله لنا، لا بل ها أنت تأتي للقائنا وتحمل صليبنا على كتفيك، لكي ترفع عنا ثقله. أنت ترغب في هذا: أن نلقيَ فيك أتعابنا وهمومنا، لأنك تريدنا أن نشعر بأننا أحرار وبأنّك تحبّنا. شكرًا يا يسوع، أضم صليبي إلى صليبك، وأحمل لك تعبي وبؤسي، وألقي فيك كل ثقل قلبي.
لنُصلِّ قائلين: آتي إليك يا رب
بتاريخي آتي إليك يا رب
بأتعابي آتي إليك يا رب
بمحدوديّتي وضعفي آتي إليك يا رب
بمخاوفي آتي إليك يا رب
واضعًا مجدّدًا كلَّ ثقتي بمحبّتك آتي إليك يا رب
المرحلة الثالثة يسوعُ يقع تحت الصليب للمرة الأولى
الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً (يوحنا ١٢، ٢٤).
لقد وقعتَ يا يسوع: بماذا تفكر، كيف تصلي ووجهك في التراب؟ ولكن بشكل خاص، ما الذي يمنحك القوة لكي تنهض مجدّدًا؟ بينما كان وجهك على الأرض ولم تكن ترى السماء، كنت أتخيلك تردد في قلبك: أيها الآب الذي في السماء. إن نظرة الآب المحبة التي تستقر عليك هي قوتك. لكنني أتخيَّلك أيضًا، بينما تقبِّل الأرض القاحلة والباردة، تفكر في الإنسان الذي أُخذ من الأرض، فينا، نحن الموجودين في محور قلبك؛ وتكرر كلمات وصيّتك: “هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم”. محبة الآب لك ومحبتك لنا: أيها الحب، هذا هو الدفع الذي يجعلك تنهض وتسير قدمًا. لأن من يحب لا يبقى على الأرض، بل يبدأ من جديد؛ من يحب لا يتعب بل يركض؛ ومن يحب يطير ويحلِّق. يا يسوع، أنا أطلب منك دائمًا أشياء كثيرة، لكني أحتاج إلى شيء واحد فقط: أن أعرف كيف أحب. سوف أقع في الحياة، لكن بالحب سأتمكن من أن أنهض مجدّدًا وأمضي قدمًا، كما فعلت أنت، أيها الخبير في السقوط. إن حياتك، في الواقع، كانت سقوطًا مستمرًا نحونا: من الله إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى الخادم، ومن الخادم إلى المصلوب، وصولاً إلى القبر؛ لقد وقعتَ على الأرض مثل البذرة التي تموت، وقعتَ لكي ترفعنا من الأرض وتحملنا إلى السماء. أنت الذي تنهض من التراب وتعيد الرجاء إلى الحياة، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد.
لنُصلِّ قائلين: يا يسوع، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد
عندما تسود خيبة الأمل يا يسوع، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد
عندما تنهال عليَّ أحكام الآخرين يا يسوع، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد
عندما لا تسير الأمور على ما يرام وأصبح غير صبور يا يسوع، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد
عندما أشعر أنني لا أستطيع أن أمضي قدمًا يا يسوع، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد
عندما تُثقِّل عليَّ فكرة أن لا شيء سيتغير يا يسوع، أعطني القوة لكي أحب وأبدأ من جديد
المرحلة الرابعة يسـوع يلتقـي بأُمِّــهِ
فرأَى يسوعُ أُمَّه وإِلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ لأُمِّه: “أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ”. ثمَّ قالَ لِلتِّلميذ: “هذه أُمُّكَ”. ومُنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه (يوحنا ١٩، ٢٦-٢٧).
يا يسوع، لقد تركوك، يهوذا خانك، وبطرس أنكرك: لقد بقيتَ وحدك مع الصليب. ولكن ها هي أُمُّك. ليست هناك حاجة للكلمات، إذ تكفي عيناها اللتان تعرفان كيف تواجهان الألم وتأخذانه على عاتقهما. يا يسوع، في نظرة مريم المليئة بالدموع والنور، تجد ذكرى الحنان والذراعين المحبّين اللذين استقبلاك وعضداك على الدوام. إن النظرة الوالديّة هي نظرة الذاكرة التي تؤسسنا على الخير. لا يمكننا أن نستغني عن الأم التي تلدنا إلى العالم، ولكن لا يمكننا أيضًا أن نستغني عن الأم التي تعيدنا إلى العالم. أنت تعرف ذلك ومن على الصليب تعطينا أمك. “هذه أُمُّكَ”، قلت للتلميذ، ولكل واحد منا: بعد الإفخارستيا، تعطينا مريم، العطيّة الرائعة قبل أن تموت. يا يسوع، لقد تعزّت مسيرتك بذكرى محبتها؛ ومسيرتي أيضًا تحتاج لأن تقوم على ذكرى الخير. لكنني أدرك أن صلاتي ضعيفة الذاكرة: سريعة، متسرعة، قائمة احتياجات لليوم وللغد. يا مريم، أوقفي جريي، وساعديني لكي أتذكر: فأحافظ على النعمة، وأتذكر مغفرة الله وعجائبه، وأُنعش الحب الأول، وأتذوق مجدّدًا عجائب العناية الإلهية، وأبكي بامتنان.
لنُصلِّ قائلين: يا رب، أنعِش فيَّ ذكرى محبّتك
عندما تعود جروح الماضي للظهور يا رب، أنعِش فيَّ ذكرى محبّتك
عندما أفقد معنى الأمور ومنطقها يا رب، أنعِش فيَّ ذكرى محبّتك
عندما تغيب عن بالي العطايا التي نلتُها يا رب، أنعِش فيَّ ذكرى محبّتك
عندما تغيب عن بالي العطيّة التي أنا عليها يا رب، أنعِش فيَّ ذكرى محبّتك
عندما أنسى أن أشكرك يا رب، أنعِش فيَّ ذكرى محبّتك
المرحلة الخامسة سمعان القيرواني يساعد يسوع في حملِ صليبِهِ
وبَينما هم ذاهِبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِياً مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع (لوقا ٢٣، ٢٦).
يا يسوع، كم مرة، أمام تحديات الحياة، نفترض أننا نستطيع مواجهتها بمفردنا! كم هو صعب علينا أن نطلب المساعدة، خوفًا من أن نعطي الآخرين الانطباع بأننا لسنا على المستوى المطلوب، نحن الذين نحرصُ دائمًا على أن نظهر بشكل جيد ونتباهى بذلك! ليس من السهل أن نثق، والأصعب هو أن نسلّم ذواتنا لشخص آخر. لكن الذين يصلّي يعرف أنّه مُعوَز، وأنت يا يسوع قد اعتدت على أن تسلِّم نفسك في الصلاة. لذلك لا تستهين بمساعدة القيرواني. كشفتَ له هشاشتك، هو الرجل البسيط، المزارع الآتي من الريف. أشكرك لأنك بقبولك للمساعدة عند العَوز محوت صورة الإله المنيع والبعيد. أنت لست إلهًا لا يمكن إيقافه بالقوة، ولكنك لا تقهر بالحب، وتعلمنا أن محبة الآخرين تعني مساعدة الآخرين بالتحديد في نقاط ضعفهم وهشاشتهم التي يخجلون منها. عندها تتحول نقاط الضعف إلى فرص. وهذا ما حدث للقيرواني: لقد غيّر ضعفك حياته، وسيدرك يومًا ما أنه ساعد مخلصه، وأنه قد افتُدي بهذا الصليب الذي حمله. لكي تتغير حياتي أيضًا، أتوسل إليك يا يسوع: ساعدني لكي أخفض دفاعاتي وأسمح لك أن تحبني: هناك، حيث أشعر بالخجل الشديد من نفسي.
لنُصلِّ قائلين: إشفني يا يسوع!
من كلِّ ادعاء بالاكتفاء الذاتي إشفني يا يسوع!
من التفكير في أنه يمكنني أن أنجح بدونك وبدون الآخرين إشفني يا يسوع!
من التوق المُفرط إلى الكمال إشفني يا يسوع!
من الإحجام عن تسليمك مآسيَّ إشفني يا يسوع!
من العجلة إزاء المعوزين الذين ألتقي بهم خلال المسيرة إشفني يا يسوع!
المرحلة السادسة فيرونيكا تمسحُ وجهَ يسوع وتعزّيه
تَبارَكَ اللّهُ أَبو ربِّنا يسوعَ المسيحِ، أَبو الرَّأفَةِ وإِلهُ كُلِّ عَزاء، فهو الَّذي يُعَزِّينا في جَميعِ شَدائِدِنا لِنَستَطيعَ، بما نَتَلقَّى نَحنُ مِن عَزاءٍ مِنَ الله، أَن نُعَزِّيَ الَّذينَ هُم في أَيَّةِ شِدَّةٍ كانَت. فكَما تَفيضُ علَينا آلامُ المسيح، فكَذلِك بِالمسيحِ يَفيضُ عَزاؤنا أَيضًا (٢ كورنتس ١، ٣-٥).
يا يسوع، كثيرون يتبعون المشهد الهمجي لإعدامك، ومن دون أن يعرفوك ومن دون أن يعرفوا الحقيقة، يصدرون الأحكام والإدانة، ويلقون عليك العار والازدراء. هذا الأمر يحدث اليوم أيضًا يا رب، ولا تحتاج حتى إلى موكب مروع: تكفي لوحة المفاتيح للإهانة ونشر الأحكام. ولكن، بينما يصرخ الكثيرون ويصدرون الأحكام، تشق امرأة طريقها وسط الحشد. لا تتكلم بل تتصرف. ولا تهاجم بل تشفق. هي تسير عكس التيار: بمفردها، بشجاعة الرحمة، تخاطر من أجل الحب، وتجد الأسلوب لكي تعبر بين الجنود فقط لكي تعطيك لمسة حنان على وجهك. ولفتتها هذه سوف تُسجل في التاريخ وهي لفتة عزاء. كم من مرة أطلب منك التعزية يا يسوع! لكن فيرونيكا تذكّرني بأنك أنت بحاجة إليها أيضًا: أنت أيها الرب القريب، تطلب قربي؛ أنت يا معزيَّ تريد أن تتعزى بي. أيها الحب غير المحبوب، أنت تبحث اليوم أيضًا بين الجموع عن قلوب حساسة لألمك وعذابك. أنت تبحث عن عباد حقيقيين، يبقون معك بالروح والحق، أنت الحب المتروك. يا يسوع، أشعل في داخلي الرغبة في أن أكون معك، وأن أعبدك وأعزيك. واجعلني باسمك أكون عزاءً للآخرين.
لنُصلِّ قائلين: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
يا إله الرحمة، القريب من أصحاب القلوب الجريحة اجعلني شاهدًا لتعزيتك
يا إله الحنان الذي يتأثَّر من أجلنا اجعلني شاهدًا لتعزيتك
يا إله الشفقة الذي يكره عدم الاهتمام اجعلني شاهدًا لتعزيتك
أنت الذي تحزن عندما أشير بأصابع الاتهام إلى الآخرين اجعلني شاهدًا لتعزيتك
أنت الذي لم تأت لتدين بل لتُخلِّص اجعلني شاهدًا لتعزيتك
المرحلة السابعة يسوع يقع مرّة ثانية تحت الصليب
فرَجَعَ الابن الأصغر إِلى نَفسِه وقال: أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي فأَقولُ لَه: يا أَبتِ إِنِّي خَطِئتُ. قامَ ومَضى إِلى أَبيه. وكانَ لم يَزَلْ بَعيداً إِذ رآه أَبوه، فتَحَرَّكَت أَحْشاؤُه وأَسرَعَ فأَلْقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلاً. فقالَ لَه الِابْن: يا أَبَتِ، إِنِّي خَطِئتُ، ولَستُ أَهْلاً بَعدَ ذلِكَ لأَن أُدْعى لَكَ ابناً. فقالَ الأَبُ “إن ابني هذا كانَ مَيتاً فعاش، وكانَ ضالاًّ فوُجِد” (لوقا ١٥، ١٧-١٨. ٢٠-٢٢. ٢٤).
يا يسوع، إنَّ الصليب ثقيل: يحمل ثقل الهزيمة والفشل والذل. أفهم ذلك عندما أشعر بثقل الأشياء، فيما تصَبّ الحياة جامَ غَضَبهِا عليَّ ولا يفهمني الآخرون؛ عندما أشعر بالثقل المفرط والمُستنزف للمسؤولية والعمل، عندما أقع في قبضة القلق، وتسطو عليَّ الكآبة، فيما يردِّد لي فكر خانق: لن تخرج منها، هذه المرة لن تنهض مجدّدًا. ولكن هناك ما هو أسوأ. أدرك أنني وصلت إلى الحضيض عندما أعود وأقع: عندما أقع مرة أخرى في أخطائي، وخطاياي، عندما أتشكّك من الآخرين، ثم أدرك أنني لست مختلفًا. ليس هناك ما هو أسوأ من الشعور بخيبة الأمل في نفسك، فيما يسحقك الشعور بالذنب. أما أنت يا يسوع فقد وقعت عدة مرات تحت ثقل الصليب لكي تكون قريباً مني عندما أسقط. معك لا ينتهي الرجاء أبدًا وبعد كل سقطة أنهض من جديد، لأنك لا تتعب مني عندما أخطئ، بل تقترب مني أكثر. شكرًا لأنّك تنتظرني. أشكرك لأنني أقع مجدّدًا مرات عديدة وأنت تغفر لي مرات لا تحصى: دائمًا. ذكِّرني أنّه يمكن لسقطاتي أن تصبح لحظات حاسمة في المسيرة، لأنها تقودني لكي أفهم الشيء الوحيد الذي يهم: أنني بحاجة إليك. يا يسوع، انقش في قلبي اليقين الأهم: أنني لا أقوم حقًا إلا عندما ترفعني، وعندما تحررني من الخطايا. لأن الحياة لا تبدأ مجدّدًا من كلماتي وإنما من مغفرتك.
لنُصلِّ قائلين: ارفعني مجدّدًا يا يسوع!
عندما إذ يشلّني عدم الثقة، أشعر بالحزن واليأس ارفعني مجدّدًا يا يسوع!
عندما أرى نقائصي وأشعر بأنني عديم الفائدة ارفعني مجدّدًا يا يسوع!
عندما يسود عليَّ الخجل والخوف من عدم النجاح ارفعني مجدّدًا يا يسوع!
عندما أتعرّض لتجربة فقدان الرجاء ارفعني مجدّدًا يا يسوع!
عندما أنسى أن قوّتي تكمن في مغفرتك ارفعني مجدّدًا يا يسوع!
المرحلة الثامنة يسوع يلتقي نساء أورشليم
وتَبِعَه جَمعٌ كَثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضربنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه (لوقا ٢٣، ٢٧).
يا يسوع، من يتبعك حتى النهاية على درب الصليب؟ لا الأقوياء الذين ينتظرونك على الجلجلة، ولا المتفرجين الذين يقفون بعيدًا، بل الأشخاص البسطاء، العظماء في عينيك والصغار في عيون العالم. إنهنَّ النساء اللواتي منحتهنَّ الرجاء: ليس لهن صوت، لكنهن يُسمعن أصواتهنَّ. ساعدنا لكي نعترف بعظمة النساء، هُنَّ اللواتي كُنَّ أمينات وقريبات منك في عيد الفصح، ولكنهنَّ لا يزلنَ اليوم يتعرَّضنَ للتهميش، ويعانينَ من الإهانات والعنف. يا يسوع، إنَّ النساء اللواتي التقيتهنَّ كُنَّ يَضربنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيك. هنَّ لا يبكين على أنفسهنَّ، بل يبكين عليك، يبكين على شر العالم وخطيته. وصلاتهنَّ المصنوعة من الدموع تصل إلى قلبك. ولكن هل تعرف صلاتي كيف تبكي؟ هل أنا أتأثَّر أمامك، أنت الذي صُلبتَ من أجلي، وأمام حبك الوديع والمجروح؟ هل أبكي على أكاذيبي وتقلباتي؟ أمام مآسي العالم، هل يتجمد قلبي أم يذوب؟ كيف أتفاعل مع جنون الحرب، ومع وجوه الأطفال الذين لم يعودوا يعرفون كيف يبتسمون، ومع الأمهات اللاتي يرونهن يعانون من سوء التغذية والجوع ولم تعد لديهن دموع ليذرفنها؟ يا يسوع، أنتَ بكيت على أورشليم، بكيت على قساوة قلوبنا. هزني من الداخل، وامنحني نعمة أن أبكي أثناء الصلاة وأن أُصلّي أثناء البكاء.
لنُصلِّ قائلين: يا يسوع، ليِّن قلبي القاسي
أنت الذي تعرف أسرار القلب يا يسوع، ليِّن قلبي القاسي
أنت الذي تحزن أمام قسوة النفوس يا يسوع، ليِّن قلبي القاسي
أنت الذي تحب القلب المتواضع والمُنسحق يا يسوع، ليِّن قلبي القاسي
أنت الذي جففت دموع بطرس بالمغفرة يا يسوع، ليِّن قلبي القاسي
أنت الذي تحوِّل البكاء إلى نشيد يا يسوع، ليِّن قلبي القاسي
المرحلة التاسعة يسوع يُعرّى من ثيابه
“يا رَبّ، متى رأَيناكَ جائعاً فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غريباً فآويناك أَو عُرياناً فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مريضاً أَو سَجيناً فجِئنا إِلَيكَ؟” فيُجيبُهُمُ المَلِك: “الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه” (متى ٢٥، ٣٧-٤٠).
يا يسوع، إنها الكلمات التي قلتها قبل الآلام. الآن أفهم إصرارك على التماهي مع المعوزين: لقد كنت سجينًا؛ وغريبًا ساقوه خارج المدينة ليصلب، عريانًا جُرِّدتَ من ملابسك؛ مريضًا وجريحًا، عطشانًا على الصليب وجائعًا للمحبة. إجعلني أراك في المتألمين، وأن أراهم فيك، لأنك هناك، في الذين جُرِّدوا من كرامتهم، في المسحاء الذين أذلَّتهم الغطرسة والظلم، والمكاسب غير العادلة التي يتم تحقيقها على حساب الآخرين في لامبالاة عامة. أنظر إليك، يا يسوع، مجردًا من ملابسك، وأفهم أنك تدعوني لكي أتجرّد من العديد من المظاهر الخارجية. لأنك لا تنظر إلى المظاهر بل إلى القلب. ولا تريد صلاة عقيمة، بل صلاة خصبة بالمحبّة. أيها الإله الذي جُرِّدت من كلِّ شيء جرِّدني أنا أيضًا. لأن الكلام سهل، ولكن هل أحبك حقًا في الفقراء جسدك الجريح؟ هل أصلي من أجل الذين جرِّدوا من كرامتهم؟ أم أصلّي فقط لكي أُغطِّي حاجتي وأستر نفسي بالضمانات؟ يا يسوع، إنَّ حقيقتك تُعريني وتقودني لكي أُركِّز على ما يهم: أنت المصلوب والإخوة المصلوبون. أعطني أن أفهم ذلك الآن، لكي لا أجد نفسي مجرّدًا من الحب عندما أمثل أمامك.
لنُصلِّ قائلين: جرِّدني أيها الرب يسوع!
من التعلُّق بالمظاهر جرِّدني أيها الرب يسوع!
من درع اللامبالاة جرِّدني أيها الرب يسوع!
من الاعتقاد بأن مساعدة الآخرين ليست من مسؤوليّاتي جرِّدني أيها الرب يسوع!
من عبادة مصنوعة من الزكاء والمظاهر جرِّدني أيها الرب يسوع!
من الاعتقاد بأن الحياة تكون جيدة إذا كانت جيدة بالنسبة لي جرِّدني أيها الرب يسوع!
المرحلة العاشرة يسوع يُسمَّر على الصليب
ولمَّا وَصَلوا إِلى المَكانِ المَعروفِ بالجُمجُمة، صَلَبوهُ فيهِ والمُجرِمَيْن، أَحَدُهما عنِ اليَمينِ والآخَرُ عَنِ الشِّمال. فقالَ يسوع: “يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون”. ثُمَّ اقتَسموا ثِيابَه مُقتَرِعينَ علَيها (لوقا ٢٣، ٣٣-٣٤).
يا يسوع، لقد تثقبوا ذراعيك وساقيك بالمسامير ومزّقوا جسدك، والآن، بينما الألم الجسدي في أوجه، تدفَّقت من شفاهك الصلاة المستحيلة: غفرتَ للذي كان يضع المسامير في معصميك. وليس مرة واحدة فقط، بل مرات عديدة، كما يذكر الإنجيل، بهذا الفعل الذي يشير إلى تكرار الفعل: قلت: “يا أبتاه، اغفر”. معك يا يسوع، يمكنني أنا أيضًا أن أجد الشجاعة لكي اختار المغفرة التي تحرر القلب وتعيد إطلاق الحياة. يا رب، لا يكفيك أن تغفر لنا، بل أنت تبررنا أيضًا أمام الآب: فهم لا يعلمون ماذا يفعلون. أنت تتولى الدفاع عنا، وتجعل من نفسك محاميًا لنا، وتشفع فينا. الآن بعد أن سُمرت يداك، اللتان باركت وشفيت بهما، وقدماك اللتان حملت بهما البُشرى السارة، لم تعودا قادرتين على المشي، الآن، في العجز، تكشف لنا قدرة الصلاة المطلقة. على قمة الجلجلة تكشف لنا ذروة صلاة الشفاعة التي تخلص العالم. يا يسوع، إجعلني أصلي ليس فقط من أجلي ومن أجل أحبائي، بل من أجل الذين لا يحبونني ويؤذيني؛ وأن أصلي بحسب رغبة قلبك من أجل البعيدين عنك؛ وأن أُعوِّض وأشفع لصالح الذين لا يعرفوك، ولا يعرفون فرح محبتك وبأنّك قد غفرتَ لهم.
لنُصلِّ قائلين: أيها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
من أجل آلام يسوع المؤلمة أيها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
من أجل قوّة جراحه أيها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
من أجل مغفرته على الصليب أيها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
من أجل الذين يغفرون من أجل محبّتك أيها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
بشفاعة الذين يؤمنون ويعبدون ويرجون ويحبّونك أيها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
المرحلة الحادية عشرة يسوع يصرخ صرخة تركه
وخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها مِنَ الظُّهْرِ إِلى السَّاعَةِ الثَّالِثَة، ونحوَ السَّاعَةِ الثَّالِثة صَرَخَ يسوعُ صَرخَةً شديدةً قال: “إِيلي إِيلي لَمَّا شَبَقْتاني؟”أَي: “إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتني؟” (متى ٢٧، ٤٥-٤٦).
يا يسوع، هذه هي الصلاة غير المسموعة: صرخت إلى الآب صرخة تركِكَ. أنت يا إله السماء لا تجيب بل تسأل لماذا؟ في ذروة الآلام، شعرت بالبعد عن الآب ولم تعد تدعوه أبًا، كما كان الحال دائمًا، بل الله، كما لو أنك لم تعد قادرًا على التعرف على وجهه. لماذا هذا؟ لكي تغوص في قاع هاوية آلامنا. لقد فعلت ذلك من أجلي، لكي وعندما لا أرى سوى الظلام، وعندما أختبر انهيار الضمانات وغرق العيش، لا أشعر بالوحدة بعد الآن، بل أؤمن أنك هناك معي: أنت، إله الشركة الذي يختبر الترك لكي لا يتركني رهينة للوحدة. عندما صرخت لماذا، فعلت ذلك بمزمور: وهكذا وضعتَ في صلاة حتى أقصى درجات اليأس. هذا ما يجب عليَّ أن أفعله في عواصف الحياة: بدلاً من أن أسكتَ وأحفظ كل شيء في داخلي عليَّ أن أصرخ إليك. المجد لك أيها الرب يسوع، لأنك لم تهرب من ضياعي، بل أقمتَ به حتى النهاية؛ التسبيح والمجد لك أنت الذي، إذ أخذتَ على عاتقكَ كل مسافة، جعلت نفسك قريبًا من البعيدين عنك. وأنا، في ظلمة أسئلتي، أجدك يا يسوع، نورًا في الليل. وفي صرخة العديد من الأشخاص الوحيدين والمستبعدين والمضطهدين والمتروكين، أراك مجدّدًا، يا إلهي: إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك.
لنُصلِّ قائلين: يا يسوع، إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك
في الأطفال الذين لم يولدوا والذين تُرِكوا يا يسوع، إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك
في العديد من الشباب الذين ينتظرون من يُصغي إلى صرخة ألمهم يا يسوع، إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك
في العديد من المسنين المهمَّشين يا يسوع، إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك
في المساجين والأشخاص الوحيدين يا يسوع، إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك
في الشعوب المُستغلَّة والمنسيّة يا يسوع، إجعلني أتعرَّف عليك وأحبُّك
المرحلة الثانية عشرة يسوع يموت ويُسلم نفسه إلى الآب ويمنح الفردوس للص الصالح
وقال له أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ: “أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ”. فقالَ له: “الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس”… فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: “يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!”، قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح (لوقا ٢٣، ٤٢- ٤٣. ٤٦).
يا يسوع مجرم في الفردوس! هو يسلّم نفسه إليك، وأنت تسلّمه معك إلى الآب. إله المستحيل، جعلتَ من اللص قديساً. وليس ذلك فحسب: على الجلجلة غيّرتَ مجرى التاريخ. جعلتَ من الصليب، علامة العذاب، أيقونة للحب؛ ومن جدار الموت جسرًا إلى الحياة. أنت تحول الظلمات إلى نور، والانفصال إلى شركة، والألم إلى رقص، وحتى القبر، المحطة الأخيرة في الحياة، إلى نقطة انطلاق الرجاء. ولكنك تقوم بهذه الانقلابات معنا، وليس بدوننا أبدًا. أُذكُرْني يا يسوع: هذه الصلاة الصادقة سمحت لك أن تصنع العجائب في حياة ذلك المجرم. قوّة صلاة لم يسمع بها أحد من قبل. أعتقد أحيانًا أن صلاتي لا تُستجاب، فيما أن الجوهري هو أن أثابر بثبات، وأتذكر أن أقول لك: “أُذكُرْني يا يسوع”. أُذكُرْني ولن يكون شرّي نهاية المطاف بعد الآن، وإنما انطلاقة جديدة. أُذكُرْني: أي ضعني مجدّدًا في قلبك، حتى عندما أبتعد، عندما أضيع في عجلة الحياة التي تدور بجنون. أُذكُرْني يا يسوع، لأن ذكرك لي – كما يظهر لنا اللص الصالح – هو الدخول إلى الفردوس. ذكِّرني يا يسوع بشكل خاص أنّه يمكن لصلاتي أن تغيِّر التاريخ.
لنُصلِّ قائلين: أُذكُرْني يا يسوع
عندما يتلاشى الرجاء ويسود اليأس أُذكُرْني يا يسوع
عندما لا أكون قادرًا على اتخاذ القرار أُذكُرْني يا يسوع
عندما أفقد الثقة في نفسي وفي الآخرين أُذكُرْني يا يسوع
عندما تغيب عن بالي عظمة حبِّك أُذكُرْني يا يسوع
عندما أعتقد أنَّ صلاتي لا تجدي نفعًا أُذكُرْني يا يسوع
المرحلة الثالثة عشرة يسوع يُنزل عن الصليب ويُوضع في حضن أمه
ثُمَّ قالَ سِمعان لِمَريَمَ أُمِّه: “ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة ” (لوقا ٢، ٣٤-٣٥).
يا مريم، بعد الـ “نعم” التي قلتيها، صار الكلمة جسدًا في حشاكِ؛ والآن يرقد على حضنك جسده المعذب: ذلك الطفل الذي كنت تحملين بين ذراعيك هو جثة معذّبة. ولكن حتى الآن، في اللحظة الأكثر إيلامًا، يسطع نور تقدمتك: يَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ، وصلاتك تبقى “نعم” لله. يا مريم، نحن فقراء في قول الـ “نعم” وأغنياء في قول الـ “لو”: لو كان لديّ والدين أفضل، لو كنت مفهومًا ومحبوبًا أكثر، لو أن مسيرتي المهنية سارت بشكل أفضل، لو لم تكن هناك تلك المشكلة، لو أنني لا أعاني بعد الآن، لو أن الله يُصغي إليَّ… نسأل أنفسنا دائمًا عن سبب الأشياء، ونتعب لكي نعيش الحاضر بحب. لقد كان لديك الكثير من الـ “لو” لتقوليها لله، لكنك ما زلتي تقولين “نعم”. ثابتة في الإيمان، أنتِ تؤمنين أن الألم الذي يخترقه الحبّ يحمل ثمار خلاص؛ أن الألم مع الله ليس له الكلمة الأخيرة. وبينما تحملين يسوع الهامد بين ذراعيك، يتردّد فيك صدى الكلمات الأخيرة التي قالها لك: هذا ابنك. يا أمي، أنا هو هذا الابن! اقبليني بين ذراعيك وانحني على جراحي. ساعديني لكي أقول “نعم” لله، “نعم” للحب. يا أم الرحمة، نحن نعيش في زمن لا يرحم ونحتاج إلى الرحمة: أنت، الحنونة والقوية، امسحينا بالوداعة: وحِلِّي مقاومة القلب وعِقد النفس.
لنُصلِّ قائلين: امسكيني بيدي يا مريم
عندما استسلم للاشتكاء ولعب دور الضحيّة امسكيني بيدي يا مريم
عندما أتوقّف عن الكفاح وأقبل أن أتعايش مع أكاذيبي امسكيني بيدي يا مريم
عندما أُبطئ في المسير ولا أجد الشجاعة لكي أقول “نعم” لله امسكيني بيدي يا مريم
عندما أكون متسامحا مع نفسي وغير مرن مع الآخرين امسكيني بيدي يا مريم
عندما أريد أن تتغير الكنيسة والعالم، ولكنني لا أتغير امسكيني بيدي يا مريم
المرحلة الرابعة عشرة يوسف الرامي يضع يسوع في القبر
وجاءَ عندَ المساءِ رَجلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامةِ اسمُه يوسُف وكانَ هُوَ أَيضاً قد تَتَلمَذَ لِيَسوع. فذَهبَ إِلى بيلاطُسَ وطَلَبَ جُثمانَ يسوع. فأَخذَ يوسُفُ الجُثْمانَ ولَفَّه في كَتَّانٍ خالِص، ووضَعَه في قَبرٍ لَه جديد كانَ قد حفَرَه في الصَّخْر (متى ٢٧، ٥٧- ٦٠).
يوسف: الاسم الذي يقف مع مريم في فجر الميلاد، يطبع أيضًا فجر عيد الفصح. حلم يوسف الناصري وأخذ يسوع بشجاعة لكي يخلصه من هيرودس؛ وأنت، يا يوسف الرامي، تأخذ جسده، دون أن تعلم أن الحلم المستحيل والرائع سيتحقق هناك، في القبر الذي قدمته للمسيح عندما ظننت أنه لم يعد قادرًا على فعل أي شيء من أجلك. ولكن صحيح أن كل عطية نُقدِّمها لله ننال عليها مكافأة أعظم. يا يوسف الرامي، أنت نبي الشجاعة. ولكي تقدّم عطيّتك لشخص ميت، ذهبت إلى بيلاطس المهيب وتوسِّلتَ إليه، لكي تتمكن من أن تقدّم ليسوع القبر الذي كُنتَ قد بنيته لك. إنَّ صلاتك شجاعة والأعمال قد تبعت الكلمات. يا يوسف، ذكّرنا أن الصلاة الملحة تكون مُثمرة، لا بل تخترق أيضًا ظلام الموت؛ وأن الحب لا يبقى بدون إجابة، بل يعطي بدايات جديدة. إنَّ قبرك، الفريد في التاريخ، الذي أصبح مصدرًا للحياة، كان جديدًا، محفورًا في الصخر. وأنا ما هو الشيء الجديد الذي سأعطيه ليسوع في عيد الفصح هذا؟ القليل من الوقت أقضيه معه؟ القليل من الحب للآخرين؟ أو مخاوفي وبؤسي الدفين الذي ينتظرني المسيح لكي أقدّمها له كما قدّمت أنت له القبر؟ سيكون عيد فصح حقيقي إذا قدّمتُ شيئًا خاصًا لذلك الذي بذل حياته من أجلي: لأننا بالعطاء ننال؛ ولأننا نجد الحياة عندما نفقدها، ونملك الأشياء عندما نعطيها.
لنُصلِّ قائلين: إرحمني يا رب
من أجلي، أنا الكسول في الارتداد إرحمني يا رب
من أجلي، أنا الذي أحب أن آخذ كثيرًا ولا أعطي سوى القليل إرحمني يا رب
من أجلي، أنا الذي لستُ قادرًا على الاستسلام لمحبّتك إرحمني يا رب
من أجلنا، نحن المستعدّين لكي نستخدم الأشياء، ولكننا بطيئين في خدمة الآخرين إرحمنا يا رب
من أجل عالمنا الموبوء بمقابر الأنانية إرحمه يا رب
الصلاة الختاميّة
يا رب، نصلي إليك مثل المحتاجين والضعفاء والمرضى في الإنجيل، الذين توسّلوا إليك بأبسط كلمة وأكثرها شهرة: باسمك. يا يسوع، إن اسمك يخلِّص، لأنك أنت خلاصنا.
يا يسوع، أنت حياتي ولكي لا أضل المسار في الطريق أحتاج إليك، أنت الذي تغفر لي وترفعني، تشفي قلبي وتعطي معنى لألمي.
يا يسوع، لقد أخذت شرّي على عاتقك، ومن على الصليب لم تشر إليّ بإصبع الاتهام، بل عانقتني؛ أنت، الوديع والمتواضع القلب، اشفني من الكراهية والاستياء، وحررني من الشك وعدم الثقة.
يا يسوع، أنظر إليك على الصليب وأرى الحب ينفتح أمام عيني، معنى وجودي وهدف مسيرتي: ساعدني لكي أحب وأغفر، وأتغلب على التعصب واللامبالاة، ولكي لا أتذمّر.
يا يسوع، لقد عطشت على الصليب، وهو عطش لحبي وصلاتي؛ أنت بحاجة لهما لكي تتمّم خططك للخير والسلام.
يا يسوع، أشكرك على الذين يجيبون على دعوتك ولديهم المواظبة على الصلاة، والشجاعة في الإيمان، والمثابرة في المضي قدمًا في الصعوبات.
يا يسوع، أقدم لك رعاة شعبك المقدس: لتعضد صلاتهم القطيع؛ وليجدوا الوقت لكي يمثلوا أمامك، ويصوغوا قلوبهم على قلبك.
يا يسوع، أباركك من أجل الراهبات والرهبان التأمُّليين، الذين ترضيك صلاتهم الخفية عن العالم وتحفظ الكنيسة والبشريّة.
يا يسوع، أحمل أمامك العائلات والأشخاص الذين صلّوا هذا المساء من منازلهم، والمسنين، ولاسيما الوحيدين، والمرضى، جواهر الكنيسة الذين يوحِّدون آلامهم بآلامك.
يا يسوع، لتصل صلاة الشفاعة هذه إلى الأخوات والإخوة الذين وفي أنحاء كثيرة من العالم يعانون من الاضطهاد بسبب اسمك؛ والذين يتعذّبون بسبب مأساة الحرب والذين يستمدون منك القوة، ويحملون صلبانًا ثقيلة.
يا يسوع، لقد جعلتنا بصليبك جميعًا واحدًا: اجمع المؤمنين معًا في الشركة، وابعث فيهم مشاعر الأخوَّة والصبر، وساعدنا لكي نتعاون ونسير معًا؛ واحفظ الكنيسة والعالم في سلام.
يا يسوع، القاضي القدوس الذي سيدعوني باسمي، حررني من الأحكام المتهورة والثرثرة والكلمات العنيفة والمهينة.
يا يسوع، قبل أن تموت، قلتَ: “قد تمّ”. أنا، في عدم اكتمالي، لن أتمكّن من أن أقول ذلك؛ ولكنني أثق بك، لأنك رجائي، ورجاء الكنيسة والعالم.
يا يسوع، أريد أن أقول لك كلمة أخرى وأن أكررها على الدوام: شكرًا! أشكرك يا ربي وإلهي.