المطران نفاع:* تخليداً لذكراه وعرفاناً بالجميل قرّرت رعية اهدن زغرتا إقامة تمثال للأب سمعان عاقله الاهدني… بارك الله أبناء اهدن ليتابعوا المسيرة التي مشى عليها رجال أهدن العظام*

في الأحد العاشر من زمن العنصرة – عيد القديس شربل، ترأس المطران جوزيف نفاع النائب البطريركي العام على نيابة إهدن-زغرتا الذبيحة الإلهية على نية الرهبنة الأنطونية وراحة نفس المرحوم الأب سمعان عاقله الإهدني في كاتدرائية مار جرجس اهدن، عاونه الخورأسقف اسطفان فرنجية والأب زكا القزي رئيس دير مار سركيس وباخوس، الأب سركيس الطبر ، الكهنة أنطونيو الدويهي، ريمون إيليا وبمشاركة الكهنة يوحنا مخلوف، حنا عبود، الآباء نادر نادر، الياس كعوي.
وقد حضر القداس النّائبان طوني فرنجية وميشال الدويهي والسيدة ماريال ميشال معوض، السيد توفيق مرعب ممثلاً النائب السابق سليم كرم، النّحات نايف علوان، الى جانب عائلة المرحوم الأب سمعان عاقله واللجان الرعوية والجمعيات والأخويات وحشد من المؤمنين.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس ألقى المطران نفاع كلمةً عن الآباتي سمعان عاقله قال فيها:”
” أكرموا الرجال النجباء الذين ولدتم منهم” هذا ما دفع رعية إهدن – زغرتا إلى إقامة تمثال للأب سمعان عاقلة الإهدني، الراهب الأنطوني، في مسقط رأسه إهدن. فالرجل كان رجل إيمان جابه المصاعب بثبات وصبر . وترك بصماته المضيئة في الوطن والمهجر ، وفي الميادين الكنسية والتربوية العمرانية والبلدية. لقد أحب إهدن مسقط رأسه فسَلَخ الاب سمعان عاقله شطرًا واسعا من حياته وهو يُلاحق المشاريع، بما عُرف عنه من نخوة واندفاع ، مشجعًا على العطاء ، ومنظما الإكتتابات، وباذلاً من جيبه الخاص. ونيابة إهدن – زغرتا البطريركية تعتبره واحدًا من أبرز الوجوه الزغرتاوية والرهبانية الراحلة، وأوفرها اسبابًا للتقدير، برسالته المتعددة الجوانب والمهام، وهمته التي كانت تستسهل الصعاب ونشاطه الذي لم يعرف الكلل.”
مضيفاً:” ولد في إهدن سنة ۱۸۸۰ ، وترعرع سعيد في كنف والده جرجس عاقلة الذي كان من رجال بطل لبنان، يوسف بك كرم ووالدته منتوره مخائيل الكوسا، نسيبة بطرس توما الكوسا، أشجع من قاتل تحت راية يوسف بك كرم، وشبّ على التقوى، وعلى طلب العلم الذي بدأه تحت أفياء الجوز، قبل إنتقاله إلى مدرسة مار يوسف – زغرتا ، ومن ثم إلتحاقه بدير مار سركيس إهدن مع سائر المبتدئين في الرهبانية الأنطونية، فمدرسة مار أشعيا الاكليريكية.
في السادس من أيلول ۱۹۰٦ سيم كاهنًا فترك إسم الهويّة سعيد وراء ظهره، ليكمل بسمعان: إسمه الرهباني الجديد. ففي سنة ۱۹۰۸ ، تم تعيينه رئيسًا على ديري مار سركيس وباخوس في إهدن وزغرتا وكانت باكورة أعماله إفتتاحه مدرسة مجانية في الديرين ، ثمّ أسس فرقة موسيقية من شبان زغرتاويين إستقدم لهم القطع الموسيقية من فرنسا، وأستاذا في فنّ الموسيقى يُدعى وديع نادر من دير القمر، لتلقينهم العزف، قبل إنصرافه إلى تشييد الطابق العلوي، من دير زغرتا، في شتاء سنة ١٩١٢. وخلال الحرب العالمية الأولى وبعد دخول تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب حليفتها ألمانيا
لم يكتف الأب سمعان عاقله بحث شبان زغرتا والشمال على التطوع في الجيش الفرنسي وحسب، بل غادر هو لبنان لينخرط في صفوفه، رغم معاناته من ضعف النظر . هذا الضعف الذي سيزيد طينه بلة إلقاء الألمان لغاز خانق خلال إحدى المعارك، الأمر الذي سيدفع قيادة الجيش الفرنسي
إلى صرفه من الخدمة غير أنّها راعته بتسهيل معاملات سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية،
لتعذّر عودته إلى لبنان، آخذةً على عاتقها أكلاف سفره، سنة ١٩١٦. وهناك خدم عدة رعايا
وأسس جمعية بطل لبنان الإهدنية بفروع عدة كما أسس جمعية الإهدنيات . كما ستسجل له مساعيه الحثيثة لبناء كنيسة مارونيّة وأنجز العديد من المشاريع العمرانية التي عادت بالخير على الأرض التي غادروها. ”
وتابع سيادته:” وعند عودته إلى لبنان للمرة الأولى حطّ قدمه في دير مار سركيس – إهدن، حتى بدأت أحواله، وأحوال نبع سركيس في التبدّل . فكان المشروع يلي المشروع وما إن يُنجز حائط دعم، حتى يتأسس مقهى ومطعم ، وتُمدّ أقنية ريّ، وتُغرس أشجار ، وهو لن يقفل عائداً إلى أميركا قبل إنفاقه نحو خمسماية ليرة ذهبيّة من جيبه الخاص. وقد عاد إلى مغتربه حاملاً من زغرتا هم المدافن العمومية الجديدة، في محلة العبي (مكان كنيسة مار يوسف الجديدة)، محرّكا النخوة في صدور المغتربين في سبيل إتمامها فلبّاه الإهدنيون، وأمنوا المبلغ اللازم للقيام بما يلزم لتتجه بعد ذلك جهوده نحو إنشاء مستشفى وطني في زغرتا والقرى المجاورة بهدف معالجة الفقراء والمحتاجين والعجز مجانًا ، غير أنّه لن
يفلح في جمع ما يكفي من الأموال ، تحقيقًا لما كان يطمح إليه. سوى أن فشل مشروع المستشفى سيقابله نجاحه في إقامة تمثال لبطل لبنان ، عام ۱۹۳۰، فقاد حملة اكتتاب في المغتربات أدت إلى تحقيق المشروع الذي نفذه الفنّان يوسف الحويك كما قام بإصلاح جدران ساحة كنيسة مار جرجس، وتوسيع الساحة من الجهتين الشمالية والغربية.
وترأس لجنة السياحة والإصطياف الإهدنيّة. كما سينتدب لإدارة مدرسة مار يوسف التي سيرممها، ويُصلحها ، مُستنهضا همة المغترب قبلان المكاري من أجل بناء جناح جديد في
المدرسة التاريخية (١٩٣٤).
وسيلي ذلك سعيه لشق طريق سيّدة الحصن، وتكليفه المهندس وديع بعقليني وضع التصميم الفني اللازم لشقها، سنة ١٩٣٤ ، وإنطلاق عونه شعبيّة من أجل تنفيذها، في الصيف التالي سنة ۱۹٣٥ ، في مشروع ستتعاون في تغطية أكلافه كل من البلدية ولجنة السياحة والإصطياف والوقف وإكتتابات المهاجرين بواسطة الأب سمعان عاقله.
ثمّ قال: “وفي العام ۱۹۳۸ سيُلقى على عاتقه بأكثر من مهمة : رئاسة دير مارسركيس وباخوس في إهدن وزغرتا وإستلامه الأوقاف. لأنه كان إشترط لقبول رئاسة المدرسة أن تُرصد لها الأملاك الموقوفة ليتمكن من جعلها مجانية. فعهد إليه البطريرك أنطون عريضة بشؤون وقف المدرسة، ووقف الكنائس. وكأنّ كل هذا المسؤوليات معا لم تكن كافية حتى تُسند إليه، فوق ذلك، مهام رئاسة البلدية، عام ١٩٤٥ ، بلدية زغرتا – إهدن. بعد ذلك سيُقنع الأب عاقله الراهبات الأنطونيات بفتح مدرسة لهنّ في زغرتا سنة ١٩٥٠. وهنّ سيستأجرن منزلين الواحد بعد الآخر ، من أجل فتح أبوابها، قبل أن يهبهن الأب عاقله أرضًا لبناء مدرستهنّ، ويستندي كف صديقه المغترب قبلان المكاري غير المحتاجة أســاســــا للإستنداء، كي يمدّ يد المساعدة للراهبات، فلبّاهنّ بسبعة آلاف ليرة لبنانية، وشرعن في بناء المدرسة والكنيسة التابعة لها. وبعد مغادرته زغرتا تنقل الأب عاقله في أكثر من دير قبل أن يستقر في دير يسوع الملك. وقد أخذت صحته تسوء، سنة بعد أخرى، قبل أن تُسرّع في رحيله في ١٦ آب سنة ١٩٥٨ أعمال العنف الدامية التي مزقت زغرتا ووشحتها بالسواد. فأسلم الروح في دير يسوع الملك، وهو يذوب شوقا إلى إهدن وزغرتا ، ودُفن في دير مار روكز في الدكوانة، بعيدًا عن الديار التي هامت بها روحه طوال عمره. ”
وختم المطران نفاع :” وتخليدا لذكراه وعرفانا بالجميل قرّرت رعية إهدن – زغرتا إقامة تمثال له ، بإزاحتنا الستار عن تمثال الأب سمعان عاقله منحوت بإزميل الفنّان المعروف نايف علوان، وبدعم سخي من عائلة المرحوم المختار سعيد عاقلة مشكورين على سخائهم وتلبية رغبة الرعية في إتمام هذا المشروع.
بارك الله إهدن وأبناءها وبناتها وحفظهم بالنعمة ليتابعوا المسيرة التي مشى عليها رجال إهدن العظام أمثال الأباتي سمعان عاقلة. آمين. ”
وبعد القداس، تم إزاحة الستارة عن التّمثال الذي وُضع في “ساحة الوفاء” بالقرب من كاتدرائية مار جرجس ومن ثمّ كان لقاءٌ جمع الكّل في قاعات الكنيسة.